محنة أبي العلاء المعري وشبيحة الإعلام

بدر الدين حسن قربي

محنة أبي العلاء المعري وشبيحة الإعلام

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

رغم مضي أربعة أشهر على سيطرة المعارضة السورية المسلّحة على مدينة معرة النعمان، فإن القصف على المدينة بكل أنواع الأسلحة لم يتوقف من قبل النظام السوري وشبيحته، مما تسبّب بدمار مُريع جعل من المعرّة بلدةً منكوبة.

جديد مسألة المدينة كسر تمثال أبي العلاء القائم وسطها قبل عشرة أيام وكأنه تخريب متعمد له، ولكن لا دليل على فاعله، فمنطقة التمثال والعمارات التي حولها طابعها خراب ودمار.  أما ماليس بجديد، فهو استغلال شبيحة الإعلام لما أصاب تمثال فيلسوفنا، وانطلاق بكائياتهم عليه، وهجائياتهم في القدح والذمّ بهمجية المعارضة، باعتبار ماكان هو من فعل المتطرفين الثوار، وكأنه يحدث في اليوم الأول لدخولهم المدينة رغم مضي أشهر لهم فيها، بل ومنهم من اعتبر أن الرأس الجصي للتمثال فيه من العقل أكثر مما في رؤؤس جميع من يرى بالتمثال صنماً من المعارضة تحديداً.  أمّا أوسطهم طريقة فمرشح مُزْمن لجائزة نوبل، فهو فضلاً عما تكلم به، فإنه طالب قيادة الثورة السورية بالاعتذار عن هذا العمل رغم أن لادليل على علاقتها به.

وإنني إذ أضم صوتي إلى مستنكري هذا العمل من غير الشبيحة، وأؤكد شجبي لمُتَقصّدي هذه الأعمال أياً كان فاعلها، فإنني أنوه بلزوم مالايلزم من معرفتي بأن أهل المعرة كلهم بما هو معروف عنهم، يفخرون بأبي العلاء فلسفةً وأدباً وشعراً، ولا أعلم أن أحداً منهم ساءه هذا التمثال يوماً، ولكن ماهو معلوم بالتأكيد أن أهل المعرة ومعهم أهل محافظتهم ومعهم السورييون عموماً، إنما هم ناقمون من أسرة الأسد وتماثيلها أصنام قمع واستبداد ورموز نهب وفساد، المحروسة آناء الليل وأطراف النهار في عموم أنحاء البلاد، وتسهر عليها قوى أمنية خاصة بها، وقد حطموها علانية وداسوها بأقدامهم وقذفوها بشحاطاتهم ونعالهم، وتخلصوا من الكثير منها جهاراً نهاراً.

مايلفتنا في عموم المسألة، كثرة من تكلموا عما أصاب تمثالاً الراجح فيه أنه بقصفهم كسروه، وسكاتهم عن دمار مدينته وخرابها والصواريخ والطائرات التي قصفتها، وعن قتل وسفك دماء المئات من أهلها أطفالاً ونساءً ورجالاً، رغم أن هدم الكعبة وليس كسر تمثال المعري، لأهون عند الله من قتل امرئٍ واحد.

شـــــــــــــبيحة النظام وأزلامه في غاية الغيظ من السوريين عموماً، بما فعلوه بقائد البلد ورمز البلد وشبيح البلد بتحطيم جدارياته وأصنام أسرته، وقد كسّرها أهل المعرة وغيرهم علانية وداسوها بأقدامهم وقذفوها بشحّاطاتهم ونعالهم، ورأى ذلك أهل الأرض على الفضائيات، وهو مما يعتبره الشبيحة عملاً همجياً، قالوا فيه عن الفاعلين ماقالوا من قبيح الكلام، غير أن صغار الشبيحة منهم آثروا عدم الكلام لسبب أو آخر وأصابهم الخرَس، حتى جاءتهم قشة أبي العلاء فأطلقت لسانهم

إننا مع كل مَنْ شجب هذا العمل طالما نظر إليه بموضوعية وفي سياق الأحداث وتكلم عن سلبياتها وجرائمها، وإنما لسنا مع الانتقائيين الساكتين عن الجرائم العظمى من دمار العمران وقتل الإنسان.  فمن يطالب قيادة الثورة بالاعتذار من أجل رأس تمثال أبي العلاء بتهمة مشكوك بها، فأولى به أن يطالب نظاماً فاشياً بالرحيل وقد قتل عشرات الآلاف من سوريين لأنهم طالبوا بحريتهم وكرامتهم، أو أن يطالبه بالاعتذار عن قتلهم لأنهم ليسوا تماثيل بل بشر ممن خلق ربي يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.

شـــــــــــبيحة إعلام آخر زمن، تقوم قيامتهم على محنة تمثال، ولا تتحرك فيهم ذرة من بقايا إنسانية أو ضمير على مئات القتلى من أهل المعري ومدينته، وعلى أربعة آلاف طفل ومثلهم من النساء وعشرات الآلاف من القتلى الشباب والكهول على امتداد الأرض السورية، بل ولا تتحرك بهم ذرة من نخوة على مدن وبلدات تقصف بعشرات من صورايخ سكود التدميرية التي تحرق الأخضر واليابس وتنشر في الأرض الدمار.