عولمة الثقافة باسم الإسلام
جميل السلحوت
قليل جدا ما أشاهد مسلسلا تلفزيونيا أو حلقات منه، فمطالعة كتاب أنفع بكثير من مسلسلات التلفزة، ومطالعاتي ذات اتجاهات مختلفة، وإن كنت أركز على الأعمال الأدبية من رواية وقصة وشعر ونقد...الخ.
وفي الفترة الأخيرة وبينما أنا أتنقل بين محطة فضائية عربية وأخرى بحثا عن الأخبار لمتابعة ما يجري على أرض الكنانة وسوريا وبعض الأقاليم العربية الأخرى، لفت انتباهي أن غالبية الفضائيات العربية تبث مسلسلات تلفزيونية تركية مدبلجة باللغة العربية وباللهجة اللبنانية المحببة، ولفت انتباهي أيضا عدم وجود مسلسلات عربية جديدة –بسبب ما يجري في مصر وسوريا- فقد قررت مشاهدة ثلاث حلقات من مسلسل "حريم السلطان" و"على مرّ الزمن" التركيين، فلفت انتباهي- من خلال حريم السلطان- أن قصور السلطان العثماني سليمان القانوني مليئة بالمؤامرات والرذيلة والقتل والسرقة والترف والفوقية والجواري والبطش...الخ. أما المسلسل الآخر فهو يزيد على الأول بممارسة الرذيلة والخيانة الزوجية أمام الزوج والزوجة والوالدين والبنات والأبناء والمجتمع، وكأن الأمر طبيعي جدا، ومقبول جدا، واذا كانت الخيانة الزوجية أمر معروف تاريخيا، فلكل قاعدة شواذ، إلا أن الشعوب "المتحررة" حتى في العالم الغربي، لا تبيح ممارسة هذه الخيانة أمام الشريك وبمعرفته، بل هي سبب كاف في الديانة المسيحية التي تحرم الطلاق، للتفريق بين الزوجين في حالة ثبوتها بالدلائل والبراهين...إلا أنها في المسلسل التركي الموجه للشعب التركي المسلم، وللشعوب العربية من خلال ترجمتها ودبلجتها باللغة العربية، وبثها على أكثر من فضائية عربية أمر طبيعي وعادي جدا، وواضح أن المسلسلات التركية مختارة من حيث الممثلين وطريقة الاخراج، وتقديمها بفنيّة عالية تتفوق على مثيلاتها العربية. فهل بثّها على الفضائيات العربية أمر عفوي؟ وهل يأتي من باب الاطلاع على الثقافات الأخرى؟ واذا كان ذلك كذلك فلماذا لم تقدم المسلسلات التركية للمشاهدين العرب من قبل مرحلة"ثورات الربيع العربي"؟ وهل تشتريها الفضائيات العربية من باب المهنية وتقديم الأفضل لمشاهديها؟ أم أن هناك من يدفع لهذه الفضائيات لتمرير سياسات يريدها؟
وفي الواقع أن الفضائيات العربية خصوصا المحطات التي تبث بلغات أجنبية كالانجليزية والفرنسبة، تبث مسلسلات وأفلاما أجنبية مترجمة للعربية كتابة وليس دبلجة منذ عشرات السنين، لكنها لم تحصد النتائج التي توخاها واضعوها، ويبدو أنهم لجأوا الى المسلسلات والأفلام التركية ظنا منهم أنها ستكون مقبولة لدى المشاهدين العرب، خصوصا بعد رسم الدور الذي ستلعبه تركيا في المنطقة بعد وصول حزب العدالة التركي للحكم، وبعد تفاهمات أمريكا مع الاسلام السياسي في العالم العربي ممثلا بوصول الاخوان المسلمين للحكم في بعض البلدان العربية مثل مصر وتونس. ومعروف أن الامبريالية العالمية التي تتقاسم المنطقة، تغير جلدها حسب المتغيرات التي تستجد في المنطقة، من أجل ابقاء هيمنتها على المنطقة، والحفاظ على مصالحها فيها.
ولا يفهمن أحد هنا أننا ضد الانفتاح الثقافي على الشعوب الأخرى، بل اننا ندعو الى ذلك، لكننا ضد فرض الثقافات الأخرى على شعوبنا، فلنا ثقافتنا العريقة، ونحن مطالبون بتطويرها والتحرر من السلبيات فيها لنستطيع مواكبة العصر.