الزحف المقدس
أ.د. حلمي محمد القاعود
أعتقد أن العهد الجديد بعد يناير2011 لن تجوز فيه استثناءات أو توريثات, ومع احترامنا لكل الطوائف والفئات, فإن معيار الكفاءة هو أساس العدالة الذي يفرض علي أبناء الوطن جميعا أن يتحاكموا إليه.
لا مجال اليوم للسطو علي حقوق الآخرين أو اغتيال نصيبهم من العمل أو الوظائف أو المناصب. من يملك الكفاءة يجب أن يتقدم, ومن لا يملك عليه أن يتراجع إلي المستوي الذي يناسبه. لا شفاعة لأب أو أم في الفوز بموقع غير مستحق. الدستور وضع مادة صريحة تمنع التغول والاستحواذ والهيمنة في العمل أو الوظائف.
ليس من المنطق أن يتم تفضيل الحاصل علي مقبول في وظيفة مرموقة لأن أباه يشغل منصبا رفيعا, وليس من المعقول حرمان الأوائل والحاصلين علي تقديرات عالية من وظائف معينة لأن آباءهم فقراء أو لا يعززون وجودهم. قبل أعوام انتحر الطالب الفائق أول كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عبد الحميد شتا, لأن القوم في وزارة الخارجية رفضوا تعيينه في السلك الدبلوماسي, وزعموا أنه غير لائق اجتماعيا! أي أن عائلته الفقيرة تحول بينه وبين الوظيفة, وهذا ظلم اجتماعي قبيح وكريه لا يليق بدولة تنتسب إلي القانون والأخلاق والدين بسبب!
واليوم يعلن أحد المستشارين أنه لا أحد يوقف الزحف المقدس لأبناء القضاة والمستشارين نحو التعيين في القضاء, ولا أدري ماذا يعني الزحف المقدس في هذا السياق؟ هل صار القضاء ملكية خاصة لمن يعملون فيه؟ وهل أبناء غير القضاة والمستشارين الذين يتفوقون في دراسة القانون لا يحق لهم أن ينافسوا في هذا المجال؟
نشرت المواقع والصحف أخيرا أسماء اثنين وعشرين شخصا من عائلة واحدة أقارب لأحد المستشارين عينوا في مناصب مرموقة بالقضاء عدا آخرين عينوا في وظائف مساعدة بالنيابة والمحاكم, فهل هذه الأسرة تملك عبقرية نادرة تجعلها تسبق غيرها في خدمة القضاء؟ نحن مع الكفء سواء كان ابن مستشار أو غيره. لكننا لسنا مع المحسوبية والوراثة والزحف المقدس!