الأدب والسياسة
أ.د. حلمي محمد القاعود
يمثل الأدب الوجه الآخر للسياسة, وتخصص جهات في العالم العربي بعض الجوائز للأعمال الأدبية الروائية والشعرية والمسرحية وغيرها, بغية تشجيع اتجاهات بعينها والترويج لها وسط الكتاب والشعراء, ويلاحظ أن جوائز هذه الأعمال من الضخامة بمكان,
فضلا عن الدعاية المصاحبة لها مما يجعل كثيرا من الأدباء ينبهرون بالجائزة وما يصاحبها من أضواء, وبالتالي فهم علي استعداد للمشاركة في تبني هذه الاتجاهات والترويج لها.
مؤخرا أعلنت بعض الجوائز عن قوائمها الطويلة والقصيرة للأعمال الروائية المرشح بعض أصحابها للفوز, ولوحظ أن أغلب هذه القوائم تعالج موضوع الحركة الإسلامية وتركز علي الحالات النشاز التي يختلف معها الإسلاميون أنفسهم, وهي حالات تتسم بالفجاجة والغباء والقصور المعرفي وربما حسن النية, ولكن من يعالجونها يحرصون أن تكون هذه الحالات النشاز هي القاعدة التي تحكم الحركة الإسلامية كلها, وتفسر سلوك أفرادها جميعا. تقدم بعض الجهات مثلا شخصا مجهولا للإعلام; يري ضرورة هدم الأهرامات أو يدلي برأي شاذ في بعض القضايا الهامشية, وتسلط عليه الأضواء, وتحوله إلي بؤرة اهتمام ليكون دليلا يدمغ التيار الإسلامي بل الإسلام نفسه بالجمود والتخلف ومعاداة الفطرة الإنسانية. الأمر نفسه يفعله بعض الكتاب حين يصورون نماذج من الدعاة الفاسدين أو المنافقين أو أصحاب الهوي ليقولوا للناس: ها هم الإسلاميون, وها هو الإسلام! فإذا شئتم التقدم والتطور فانبذوهم جميعا!
بالطبع لن تجد في أعمال هؤلاء مقابلا إسلاميا صالحا أبدا. الروايات الضخمة الحافلة بالشخصيات والأحداث لا تجد فيها مسلما طيبا بل تجد شخصيات أخري تتحرك في إطار الإباحية والشذوذ والانتهازية والتسلق, يقدمها الكتاب بصورة محببة أو علي الأقل يقدمون مسوغات انحرافها والتعاطف معها.
يأتي بعض هذه الأعمال للأسف تسجيلا لتقارير أمنية كان يفبركها النظام السابق لتكون وسائل ضغط علي أصحابها عند اللزوم, وكان يسلم صورا منها لأصدقائه من أهل القلم ليستخدموا براعتهم في تحويلها للأدب, ولكن المشكلة أنها تأتي بعيدة عن الفن الحقيقي, وتقوم لجان الجوائز وأهلها غالبا من أهل السياسة والهوي بمنح أصحابها شهادة الفوز!