المكتبة الهاشمية
يسري الغول
كلما مررت بجوار تلك المكتبة وهي مغلقة أصابتني غصة في قلبي، وتمنيت أن لو منّ الله على أمتنا بعشرةٍ من أمثال ذلك الرجل التسعيني صاحب المكتبة الهاشمية الذي وهب حياته في سبيل العلم والمعرفة والإنسانية.
الحاج خميس أبو شعبان، الذي بلغ من العمر عتياً بعد أن وهبنا ملكاً وكنزاً لا ينضب، جلس في بيته مؤخراً بعد أن أقعده المرض، فذبلت بعده المكتبة وأُغلقت بعد عقود طويلة من فتح الآفاق والنوافذ والأشرعة للأطفال والشباب والشيوخ كي تعطي ما لديها من عسل. وكم من مرة وصلتني الجرائد والمجلات على سبيل الإهداء من ذلك العجوز كي استمر في مشروعي التوعوي والثقافي كغيري من الأدباء والمثقفين. فقد كان حلم ذلك الرجل أن يصبح الشبان في غزة وفلسطين قامات سامقة في شتى المجالات لذلك فقد كان يقوم هذا الرجل بفتح قسم لإعارة الكتب مراعاة لرغبات القراء غير القادرين على شراء تلك الكتب، كما كان يقوم بتشجيع الأطفال على القراءة بأن يعطي هدية لمن يقرأ عشر قصص قصة جديدة لم يكن قد قرأها ذلك الطفل. وظلت هذه المنارة من العلم والمعرفة مستمرة حتى الأشهر الثلاثة المنصرمة.
هذه المكتبة التي أنشئت في الأربعينيات من القرن الماضي على يد ذلك الرجل العارف بأهمية العلم وتأثيره في صناعة الإنسان والوطن كانت ملتقىً فكرياً وثقافياً وسياسياً للجميع، حيث يحضر بعض المهتمين ويجلسون هناك لمناقشة القضايا والحديث حول واقع الأمة وسبل الخروج مما تعانيه من مآزق كبيرة. ولقد تشرفت أكثر من مرة بالجلوس في حضرة هؤلاء العمالقة، انصت لكل حرف يخرج من أفواههم، وأتابع حركاتهم البطيئة وهي ترسم ظل الحياة.
ولقد كانت فرحة الحاج خميس كبيرة يوم أن نجحت بالكتابة ككاتب عمود لدى صحيفة أخبار الأدب المصرية التي كانت تصلني من المكتبة على سبيل الإهداء، لأن ذلك أحد ثمار العمر الطويل، وحين افتقدت طلته قبل عام توجهت برفقة أحد الأصدقاء وجلسنا إليه. كان عظيماً حتى في مرضه وفي تألمه وفي كلماته. حتى شعرت بأنني أمام مؤسسة أو أمة تشكلت في وعي رجل عرف الحق فلزمه، ودل عليه ونصح به.
اليوم نتوق لأن نرى المكتبة تشرع أبوابها للزائرين والمهتمين، لكنها أُغلقت ولم أعد أراها كلما مررت من أمامها فتمنيت أن تكون مؤسساتنا قادرة على أن تعيد لهذه المكتبة الحياة. وتمنيت أيضاً أن نصيب ولو لمرة واحدة بأن نمنح هذا الرجل وسام الحياة ووسام العلم ووسام المعرفة والإنسانية. وهي دعوة للسادة في وزارة الثقافة والحكومة الفلسطينية ومؤسسة الرئاسة لأن تفعلها وتمنحنا بريق الأمل بتكريم مثل هذا الشامخ نوط فلسطين أو نوط القدس أو جائزة الدولة التقديرية على جهوده في خدمة الوطن على مدار أكثر من سبعين عاماً. فهل وصلت الرسالة يا سادة؟