مصر ..مصر .. مصر
مصر ..مصر .. مصر
زهير سالم*
هذه العنوان هو جزء من نشيد كنا نردده ونحن أطفال صغار في المدرسة الابتدائية ، كنا ننشد ملء حناجرنا وسعة صدورنا الصغيرة ....
يا شباب مصر يا رجالها ... اهتفوا لمصر واعملوا لها
ثم تكون خاتمة النشيد مصر ..مصر .. مصر ..
ولو كنت صاحب كلمات النشيد لقلت ( يا نساء مصر يا رجالها ) وفاء بحق صبايا ثورة 25 كانون الثاني ( يناير ) العظيمة .
لن أكون صادقا إذا قلت أنني أكتب هذا التقدير للموقف اهتماما بما يجري على أرض مصر من صراع عبثي . وسأكون أقل صدقا إذا حسبت نفسي على أحد أطراف الصراع مع أنني واحد من الجماهير العربية التي ظلت تعيش الحالة المصرية بكل أبعادها الثقافية والسياسية والاقتصادية منذ وعيت . اليوم أجدني مضطرا تحت ضغط الوقائع لأستخدم مثلنا العامي في الشام ( يصطفلو ) أو المثل الأكثر دلالة ( إلي بيعمل بإيدو الله يزيدو ) . إن ما يجري على أرض مصر اليوم هو ما يفعله المصريون بأنفسهم وبكامل وعيهم .
ولكن لأن مصر هي مصر ، لأن مصر هي مركز الثقل العربي رغم أنوفنا جميعا أجدني منساقا لأكتب هذه الكلمات عن مصر .
ربما يؤلم الأشقاء في مصر أن أشاركهم قناعتي الجوانية وهي إن مصر الربيع العربي تهربا من استحقاقات هذا الربيع ، وتشاغلا عن أداء ما عليها من استحقاقات تجاه أشقائها في أكثر من قطر ؛ راح البعض فيها يثيرون الاختلاف والاقتتال حتى إراقة الدم من أجل مباراة كرة . وأصبح القاضي المصري إن حكم فأدان تحرك ضده ( ثوار ) ، وإن حكم فعفا تحرك ضده ( ثوار ) فكم هزل مفهوم الثورة في مثل هذا السياق ؟! وأصبح الرئيس المصري بحاجة إلى 80 مليون إذن ليس قبل عقد النية على الوضوء فقط وإنما على نقضه أيضا فأي مسخ لمفهوم الشورى أو الديمقراطية هذا الذي يمارسون ..
لقد فرحنا كثيرا عندما سبقت مصر إلى الربيع ، وأملنا طويلا أن تقدم مصر للعالم أجمع ولأشقائها أيضا الأنموذج الصالح للحكم الرشيد . الأنموذج الذي يغري ويشجع ويفتح الآفاق . ولكن ها نحن أولاء نجد فيما يجري على أرض مصر ( مثل السوء ) لما حلمنا به وأردناه على مدى عقود ..
ندرك اليوم أن الذين يمولون والذين يقودون هذا الصراع السخيف على أرض مصر إنما يريدون أن يحصدوا ثمرة واحدة . هي فطام الشعوب العربية عن التطلع إلى المزيد من التجارب الديمقراطية .
وليس صعبا على أي مواطن عربي أن يميز بين عمل المعارض السياسي وبين عمل المشاغب المدفوع الأجر . ولكن من واجب الكبير في كل الأحوال أن يظل كبيرا ، وأن يعرف كيف يحافظ على وقاره وتوازنه ومصالح أمته ومصالح شعبه ..
يبتسم الشياطين المحركون للعبة من وراء كواليسهم ، بينما يدفع شعب مصر من دمه ومن مستقبله ، إنهم لا يذبحون أمله فقط بل يذبحون أمل أمة في خيار الحكم الرشيد ..
إن الشغب على الرئيس المصري هو شغب على الخيار الشعبي الديمقراطي . وفي بلد مثل مكانة مصر وحجمها لن يعجز أي فريق سياسي مهما كان هزيلا عن تجييش مائة ألف متظاهر يضطربون في الميادين العامة ويحاصرون أي خيار ديمقراطي رشيد ويشغلون الدولة والمجتمع . الثمرة المرة التي يريدون أن يصلوا إليها هي أن شعوبنا لا تقاد إلا بصلاح نصر وعلي مملوك وعمر سليمان ..
وهم يعتقدون أنهم قد نجحوا ولكن هل من يرد عليهم هذا الكلام ؟ !
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية