الثورة السورية وهموم اليوم والغد
زهير سالم*
هذا كلام فيما نسميه واجب الوقت موجه إلى الذين يصرون علينا أن نترك هموم يومنا ليتفحصوا معنا أمر غدنا . نحن اليوم نقتل بقرار روسي وإيراني بيد بشار الأسد والمجتمع الدولي غير قلق من هذا . إنه قلق من يوم سيكون فيه قرار الشعب السوري بيده . يومها لن يكون السوريون قلقين ولن يكونوا خائفين بل سيكونوا آمنين مطمئنين مستقرين
وليس من باب الشكوى وإنما من باب محاولة إدراك الواقع للتعامل معه ؛ نقول بأن الثورة السورية باتت مثقلة بالكثير من التحديات والأعباء .
ونقول إن هذه الثورة وثوراها وداعيمها باتت تلقى الكيد ممن يدعون صداقتها كما تلقى الحرب من أعدائها ..
وبينما يتلقى بشار الأسد وشبيحته التأييد والدعم المفتوحين وغير المشروطين من كل من روسية والصين وإيران والمنظمات والهيئات التابعة لهم فإن الثورة السورية ما تزال تُستقبل بالريبة والشك والاشتراط والفحص دون أن تجد من يلتحم معها بالطريقة التي تلقاه ثورات أقل وضوحا وأقل نقاء من ثورة شقت الصخر لتعلن تمردا على نظام من أعتى الأنظمة التي عرفها العالم استبدادا وفسادا وقسوة ودموية ..
حتى على الصعيد الإنساني تخطئ المنظمة الدولية العنوان فتقدم الدعم الدولي الإنساني المخصص للشعب السوري إلى الطرف الجزار والقتلة والمستبدين !!
وهذه الحقيقة توضح أن هذه الثورة السورية لم ترق للكثيرين في هذا العالم ، وأنها أربكتهم فما زالوا مترددين في تحديد موقفهم العملي منها . وبعض هؤلاء هم من المؤثرين دوليا وإقليميا بحيث ينسحب موقفهم بالتبعية بشكل أو بآخر على أصدقاء للشعب السوري قد توضحت رؤيتهم وحسموا مواقفهم ..
إن امتداد زمن الثورة ، الذي بدأ الكثيرون يراهنون عليه ، ومع ما يسببه من زيادة معاناة المدنيين ، ومع ما نتج عنه من وجود مناطق واسعة محررة على الأرض السورية ؛ أنشأ واقعا جديدا تتحمل الثورة والمعارضة نتيجة له المزيد من الأعباء . إن ناتج الحراك الثوري على مدى عامين وضع الثورة والثوار والمعارضة أمام ثلاثة محاور رئيسية للجهد ...
المحور الأول والأساس هو محور استكمال النصر وإسقاط النظام . ومع أن الأصل أن تتفرغ الثورة والثوار والمعارضة للعمل على هذا المحور وأن تجد من الدعم ما يعينها لحسمه فإن المواقف الدولية والإقليمية لم تمنح الثورة والمعارضة السورية الفرصة لتتفرغ على هذا المحور ..
المحور الثاني ..هو العمل الدائب والمستمر والذي يستهلك الكثير من وقت المعارضة وجهدها لإقناع المجتمع الدولي بمشروعية هذه الثورة وبرامجها وممثليها والقائمين عليها . إن عملية التشكك والتشكيك الدائبة قد تجاوزت حدودها ، وأخذت توحي للشعب السوري أجمع أن هناك مواقف ذات طبيعة ( إيديولوجية ) وأخرى ترتبط بمصالح استراتيجية ثابتة تجعل القوى الدولية الكبرى ترفض الخيار الديمقراطي في سورية بل وتسعى دائبة إلى خنقه أو حرفه . نظن أنه قد آن الأوان ليتوقف الجميع عن النظر إلى الثورة السورية وثوارها بهذا المنظار ، وأن تتوقف كل محاولات الالتفاف على الثورة وأهدافها ..
أما المحور الثالث ...
الذي فرض على الثورة والثوار أن يباشروا العمل عليه فهو محور ( الرعاية العامة والخدمات المدنية ) . حين يحدثنا البعض عن سياسات اليوم التالي واستحقاقاته في سورية الغد نستطيع أن نقول لهم بكل ثقة إن اليوم التالي أصبح أمسا . وإن العديد من المناطق والبلدات قد خلفت هذا اليوم وراءها حيث تم انتقال السلطة في هذه المناطق إلى اليد الوطنية المتعاونة بين الثوار والأحرار .
من هذه الناحية ننظر إلى المناطق المحررة على أنها أعباء إضافية ينبغي على الثورة والمعارضة الوفاء باستحقاقاتها . من تقديم الرعاية الكاملة للناس وحماية الأمن وتقديم الخدمات .
تمتلك الشعوب دائما قدراتها الإبداعية وقياداتها الفطرية المتميزة ، لا نستطيع أن نزعم أن الأوضاع في المناطق المحررة مثالية . بل نعتقد اننا أمام الكثير من التحديات : تحديات الأمن وتحديات توفير الاحتياجات الأساسية واحتياجات توفير الخدمات من إزالة القمامة إلى توفير الوقود وتأمين الاحتياجات الصحية ..
ودائما يبقى التهديد الأمني بفعل قدرة المستبد على الوصول إلى أي بقعة على الأرض السورية عائقا في وجه تثبيت مشروع إدارة مدنية رشيدة ..
ثم هناك العبء الذي هو أضعاف أضعاف الإمكانات المتاحة . حين نتحدث عن هذا نتطلع إلى جهود مباشرة لتدخل إنساني فاعل على مستوى المساعدة المباشرة أو المساعدة عن طريق وضع الإمكانات بيد المؤسسات العاملة على الأرض ..
نفكر باليوم التالي ونعيشه ..
إن استحقاقات سورية الغد متعانقة بشدة مع سورية اليوم . نستشعر تخلف الرأي العام الدولي والرأي العام الإسلامي والقومي عن الوفاء باستحقاقات الثورة السورية واستحقاقات ثوارها ,,
ونرى أنه مهما اختلف الناس في التفاعل مع هذه الثورة بأبعادها السياسية فإنه لا ينبغي لإنسان أن يماري في ضرورة التفاعل مع المخرجات الإنسانية لهذه الثورة ..
يشكل ملف اللاجئين ببعديه الإيواء والإغاثة تحديا إضافيا كان المنتظر من المنظمات الإنسانية أن تقوم باستحقاقاته لا أن يضاف كعبء إضافي على كاهل الثورة والمعارضة ..
كما يشكل الملف الصحي وحالات الإصابة والإعاقات المختلفة ملفا إنسانيا آخر لم يجد حتى اليوم ما يستحق من اهتمام في داخل سورية وخارجها . إن منظمة الصحة العالمية تتشاغل اليوم عن أخبار انتشار الأوبئة في الداخل السوري حيث تشير آخر الأخبار إلى انتشار السل في حلب واكتشاف حالات من انفلونزا الخنازير في حمص . إن مجلس الأمن الدولي لم يتفق على تأمين الحماية للمستشفيات والكوادر الطبية العاملة ولجرحى الحروب حتى من الأطفال . تؤكد التقارير أن أي طفل جريح يصل إلى المستشفى هو عرضة للخطف والذبح ..
يبدو للكثيرين أن مشروع إعادة الإعمار مشروع سابق لأوانه ولكنه خطوة ضرورية على طريق إعادة توطين اللاجئين في دولة أصبح ثلث عمرانها مهدما . واللاجئون في داخلها من أبنائها هم عشر أضعاف اللاجئين خارجها ..
نعتقد أن ورشات التدريب والتأهيل على كل مستوى التصور لن تستغني عن مباشرة رتق الفتق الواقع .
وسيكون المجتمع السوري قادرا في أي لحظة على إعادة ترميم ذاته . وستكون الإدارة المدنية المؤهلة جسرنا إلى الغد الذي نطمح إليه ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية