صورتان لعيسى قرآنية وإنجيلية

للشيخ أحمد ديدات

رغداء زيدان/سوريا

[email protected]

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. اللهم يا فاتح الأبواب ومسبب الأسباب ويا دليل الحائرين, توكلت عليك يا رب العالمين. وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

السيد رئيس الجلسة, الأخوة والأخوات:

إنه لمن دواعي سروري التحدث حول موضوع "صورتان لعيسى عليه السلام قرآنية وإنجيلية".

بالنسبة لأخوتي غير المسلمين قد يبدو هذا غريباً, لأني أقول بأن هناك صورتان: صورة للمسيح في القرآن, ولدى المسيحيين صورة أخرى في الكتاب المقدس. وسوف أحاول في هذه العجالة بأن أعطي الموضوع حقه, لبيان صورة عيسى عليه السلام: القرآنية والإنجيلية.

صورة عيسى عليه السلام في القرآن الكريم:

في القرآن الكريم في سورة آل عمران الآية 42 أخبرنا الله عن ميلاد المسيح وشأنه. تبدأ الآية بقوله تعالى: "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين* يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين* ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون"

خلفية هذه الآية كالتالي: والدة مريم نذرت أن لو رزقها الله بولد فسوف تكرسه لخدمة المعبد. كانت تحس وتؤمن بأن الله سيرزقها ذكراً. كانت تأمل بأن تُرزق بصبي. استجاب الله لدعائها, وولدت طفلاً, لكنه كان أنثى, وليس الذكر كالأنثى على الإطلاق, في مجال خدمة المعبد. لقد خاب أملها, هذا شيء طبيعي, لكن كان عليها الوفاء بنذرها, فحالما يكبر الطفل ويصبح قادراً على العناية بنفسه يجب أخذه إلى المعبد في القدس ليخدم فيه, وحين رأى هؤلاء الكهنة الطفلة الجميلة صار كل واحد منهم راغباً في كفالتها, فقاموا بإلقاء أقلامهم للاقتراع, وكانت القرعة من نصيب زكريا عليه السلام. وفي مثل هذه الحالات حصل جدال وخصام, ويذكر الله محمداً, ويُعلمنا بأنه لم يكن يعرف هذه المعلومات, فهو لم يكن موجوداً هناك, ولكن الله أبلغه بهذا.

لكن أخوتنا المسيحيون يقولون: لا, هذه المعلومات ليست من عند الله, بل هي من اختلاق محمد نفسه, لأنهم لا يؤمنون بالوحي, ويقولون بأن العهد الجديد هو آخر وحي من عند الله. مع أن الله لا يذكر ذلك, في حين أن المسلمون يؤمنون بأن القرآن هو آخر وحي.

في يوم الاثنين الماضي جرت مناظرة بيني وبين الأخ (جيمي سواغرت) حول هذا, وهو أحد أبرز مبشري الإنجيل في العالم الغربي اليوم, فهو يظهر على 700 قناة تلفزيونية تجارية, أو كما يقول نفسه في كتابه: "الآلاف من المحطات الفضائية". وهو شخصية مذهلة, فتن الناس بسحره هو وزوجته, وقد التقيت بهما وأحببتهما كثيراً. قمنا بهذه المناظرة, وهي ستبث على بعض قنواتكم قريباً.

وبالعودة لموضوع صورة عيسى عليه السلام في القرآن, دعونا نحلل ما قرأته عليكم للتو: في بداية الآية التي قرأتها لكم يخبرنا الله تعالى من خلال محمد r بأن مريم امرأة اختيرت من قبل الله, وفضلها على نساء العالمين, مريم أم عيسى هي امرأة اصطفاها الله على نساء العالمين بأكمله, يظهر هنا سؤال: لم يقول محمد شيئاً كهذا؟ إنه يكرم أم معارضه, هذا إذا افترضنا وجود شيء من هذا القبيل, فمحمد r ينتمي إلى نفس نسب أنبياء الله: موسى, داوود, سليمان, عيسى, إنها أخوة النبوة, لكن من وجهة نظر مسيحية فإن محمد هو معارض, هو متحدي لمنصب عيسى.

وهذا الشخص نفسه, يخبر العالم بأن مريم أم عيسى اصطفيت على نساء العالمين, وأول من سيخبرهم بذلك هم شعبه من العرب, لأن محمداً كان عربياً وليس هندياً. أنا هندي من جنوب إفريقيا, ولدينا بعض الأخوة هناك من السودان من إفريقيا, ولدينا بعض الأخوة من أندونيسيا وماليزيا, لم يكن يتحدث إليهم, بل كان يخبر قومه العرب, بأن امرأة ليست عربية, وليست أمه أو زوجته أو ابنته هي التي اصطفيت على نساء العالمين, بل هي مريم أم عيسى معارضه!.

وأنا أطلب من المبشرين أن يفكروا, لمَ يخرج عربي ويثير العرب الآخرين بإخبارهم بأن امرأة يهودية, امرأة من شعب كان يحتقرهم لثلاثة آلاف عام, حيث يكررون أن إبراهيم كان لديه زوجتان سارة وهاجر, ويقولون بأن سارة كانت زوجته الشرعية, لكن هاجر كانت أمَة, وأبناؤها كما يسمونهم هم هاجرون, وهو مصطلح اخترعوه, ففي كتبهم لا يطلقون على الإسلام إلا اسم (الهاجرية), أي دين ذرية هاجر, ومع ذلك فإن هذا الرسول الكريم يكرم هذه المرأة اليهودية؟ أقول رجاء فكروا في هذا.

لمَ يخرج عربي عن ملته ويغضب قومه ليكرم امرأة يهودية؟ فسروا لي ذلك؟ إلا في حال كان قد أُمر بذلك من مصدر عالٍ, لأنه من وجهة النظر البشرية لا يوجد امرأة أفضل من أمي أو زوجتي أو ابنتي, لمَ أمك أنت؟ وأنت معارضي, لمَ؟!

وتكمل الآية: "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين"

يقول المسيحيون عيسى هو كلمة الله, ويقول المسلمون نعم عيسى هو كلمة الله.

وهو من المقربين, أو كما يقول المسيحيون: هو جالس عن يمين الله. نحن المسلمون نوافقكم الرأي في هذا على شرط أن يمين الله لا تقصد فيزيائياً, لا تقصد جغرافياً, لأن الله روح كما يقول الكتاب المقدس, الله هو روح, وعباده يعبدونه بحق وروحية وليس بشكل أو حجم, كائن روحي يتخلل الكون بأكمله, بكل ما نتخيله وما لا نستطيع تخيله, يتخلل كل شيء, في كل مكان. أين هي يده اليمنى؟ نقول, لا, المقصود هو المنزلة, المكانة, أي هو الأقرب إلى الله, ففي المصطلحات الشرقية الشخص الذي هو يدي اليمنى هو الشخص الذي أستشيره, لنقل وزيري الأول, هو يميني, مع أنه قد يكون جالساً على يساري, أو ورائي, لكنه يدي اليمنى, أي له مكانة هامة, وهذه هي مكانة عيسى عليه السلام "ومن المقربين"

"ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين". عندما أعطيبت هذه البشارات لمريم أم عيسى أجابت بفطرية إنها غير متزوجة, لا أعرف إن كانت قد تزوجت بعد ذلك, ففي تعاليم الإسلام لا نعرف شيئاً حول علاقتها بيوسف النجار, لكننا نعلم أنها لم تكن متزوجة حينها, فأجابت بشكل فطري: "قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر...." أي فيزيائياً جنسياً, ورداً على ذلك أجاب المَلَك: "....قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون". لكي يخلق الله عيسى بدون أب, هكذا فقط: "كن فيكون", لكي يخلق مليون عيسى بدون أب ولا أم هكذا فقط: "كن فيكون", لكن إذا خلق الله مليون عيسى بدون أم ولا أب فمن سيقوم بإرضاعهم؟ لكنه تعالى قادر بمشيئته أن يخلق الملايين من عيسى بدون أم ولا أب, الملايين من آدم بدون أب ولا أم...... ونحن المسلمون نؤمن بأنه هكذا خُلق عيسى, خُلق بمشيئة الله.

وكلمة الله هذه يقول المسلمون بأنها ليست الله, كلمة الله ليست هي الله, يتفق المسيحيون معنا إلى حد ما, يؤمن المسيحيون مثلنا بأن كل ما خلقه الله تعالى هو كلمته, قيل لنا في سفر (كولوسي): "فإنه فيه خُلق الكل ما في السموات وما على الأرض, ما يُرى وما لا يُرى" 16:1

بكلمات أخرى: مشيئة الله وقوته اللتان لا تُريا أحدثتا الخلق كله. إذاً فالمسيحيون يتفقون معنا على هذا, خلق الله, كما في بداية سفر التكوين, الإصحاح الأول, قيل بأن الله (قال): لنعمل الإنسان فكان الإنسان. (قال) أيضاً ليكن نور فكان نور.....

(قال) هذه الكلمة كما ترون, لا نعترض عليها, لقد (قال) ولكن ليس حرفياً, هو يشاء, هذه لغتنا نحن البشر, نقول: (قال) لكنه لم يقلها, كمثل قولي بفمي, لم ينطق الكلمات: (شمس) وتوجد الشمس, (قمر) ويوجد القمر, (أحجار) و(بشر) و(حيوانات) و(نباتات)...والملايين الملايين من الأشياء الأخرى, ينطق كلمات ما يريد حدوثه, لا, الله لا يفعل هذا, هو يشاء الشيء فيوجد.

إذاً كلمة الله ليست هي الله, إنها كلمته, كما أن كلماتي ليست أنا, إنها لي, أقول (كتاب) إنها كلمتي, لكنني لست كتاباً.... الله وكلماته شيئان منفصلان, إنها له ولكنها ليست هو.

يوافق المسيحيون: هذا صحيح, ولكنهم يستثنون حالة عيسى, عيسى كلمة الله هو الله. أقول: هذا اعتقاد هندوسي, وهذه فلسفة هندوسية!

كلمة الله هي الله فلسفة هندوسية:

أسلافي كان هندوساً, يؤمنون بأن كلمة الله هي الله, لذلك فهم لا يترددون في عبادة الله إن كان بزعمهم على هيئة رجل أو امرأة أو قرد أو فيل, هم يقولون الله هناك في تلك البقرة, فهو ليس غائب, لهذا نحن نعبده على هيئته, نحن نعبده في تلك الهيئة!.

هذه فلسفة هندوسية, نحن نقول: كلمة الله ليست هي الله. فالله خلق عيسى بمشيئته, الإسلام هو الدين غير المسيحي الوحيد الذي يجعل الإيمان بعيسى من أساسياته, فلا يكون المسلم مسلماً إن لم يكن يؤمن بعيسى المسيح عليه السلام. وهو من أعظم رسل الله تعالى, نحن نؤمن ونقبل أنه كان (المسايا) أي (المسيح), ونحن نؤمن بميلاده المعجز, وأنه وُلد بدون أب, وأنه أحيى الموتى بإذن الله, وشفى الأعمى والأبرص بإذن الله. نحن والمسيحيون نؤمن بنفس الشيء ما عدا ألوهية المسيح, فنحن نقول عيسى ليس هو الله, هم يقولون عيسى هو الابن المولود الوحيد لله, نحن نقول الله لا يلد, هذا هو الخط الفاصل.

إن استطعنا فهم آراء بعضنا البعض واحترامها, فأنا أعلم أن أخواننا المسيحيون صادقون, هم مخلصون في حبهم لعيسى وتوقيرهم له لدرجة أنهم وصفوه بالألوهية, وأنه هو الله متجسداً بصورة رجل, وأقول مجدداً هذا اعتقاد هندوسي, إنه (آري), هو اعتقاد هندوسي, وليس (سامياً), سامي يعني ما يدين به موسى وعيسى ومحمد, وهؤلاء ساميون, وهم من أولاد إبراهيم, واعتقاد أن الله يصبح بشراً غير معروف بين الساميين... آمن أجدادي بأن (راما) كان التسجد السابع لله, وأن (كريشنا) كان التجسد الثامن لله, (بوذا) كان التجسد التاسع لله.... يؤمنون بعدد لا نهائي من التجسدات, فالله عندهم يأتي للعالم مراراً وتكراراً على هيئة بشر, وهم يقولون بأن الله تعالى طاهر جداً, قدوس, كيف يدري هذا القدوس كيف أشعر حينما أرى شاباً جميلاً؟ ما هو الحق الذي يملكه لإخباري بأنه لا يجب علي أن أشتهي زوجة جاري مثلاً؟ لذا ولكي يصبح مؤهلاً عليه أن ينزل إلى الأرض, يولد كأي ولد بشري, وفيما هو يكبر يأتي من يريد معاشرة أمه في غياب أبيه فيعرف كيف يشعر, وفيما هو يكبر يأتي أحدهم ليحاول معاشرة أخته فيعرف كيف تحدث الأمور, الآن هو متزوج ويحاول أحدهم الحصول على زوجته فيعرف كيف يشعر, الآن هو مؤهل لإخبارك بأنه لا يجب عليك أن تزني, ولا يجب عليك أن تشتهي زوجة جارك. تلك هي الفلسفة الهندوسية, وذاك هو منطقهم حول تحول الله إلى بشر.

هذا يشبه ما حدث مع البابا حينما ألقى خطاباً حول حبة منع الحمل, وأخبر الناس أنه لا يمكنهم استعمالها, ولتنظيم الحمل يجب أن يعرف الرجل الوقت المخصب والوقت غير المخصب, فقام أحدهم وقال معلقاً: إن الشخص الذي لا يقوم بتلك اللعبة لا يملك الحق في وضع القوانين الناظمة لها. وبنفس الصورة برر الهندوس بأنه حتى يفهم الله مشاكل البشر عليه أن يصبح بشراَ.

يقول المسيحيون إن الله لم يتجسد قبل عيسى ولن يتجسد بعده, فهو التجسيد الوحيد للرب. أما المسلم فيقول: إن الله لا يتجسد أبداً, وليس عليه أن يصبح بشراً ليفهم مشاكل البشر, فهو الخالق وهو يعلم ما خلق, فإذا كنت أنا من صنع هذه الطاولة مثلاً فهل علي أن أصبح طاولة لأفهمها؟ إذا كنت أنا من صنع مكبر الصوت هذا فأنا مؤهل لإخبارك عن كيفية استعماله, فالله خلق الأشياء وهو يعلم ما خلق, وهو مؤهل لإخبارك كيف لا تسيء استعمال آلته, لذا فالله لا يتجسد, بل إنه يختار رجلاً من بيننا من لحم ودم, يكون مخلصاً, يتواصل معه الله عن طريق الوحي, ثم ينقل هذا الرجل تعاليم الله: لا تسرق, لا تقتل, لا تشتهي زوجة جارك....إلخ. يخبرنا على مستوانا البشري, هو نبي الله, هو فمه, يتحدث كلام الله, لكنه ليس الله, فهو واحد منا. نحن المسلمون نحب ونحترم ونوقر جميع أنبياء الله, ونعرف أنهم ليسوا آلهة, فنحن لا نعبد أحداً إلا الله.

هل تعبير (المسيح) يجعل عيسى إلهاً؟:

هذا ما يعتقده المسيحيون, فهم يعتقدون أن مصطلح المسيح هو لوصف الله في هيئة بشر. ولكن ما معنى مسيح؟. أصل الكلمة من اللفظ العبري (مسايا), وفي العربية (مسيح), وهي كلمة جذرها في العربية والعبرية (مَسَحَ), أي محى, دلّك, دهن...

ملوك وكهنة مُسحوا تكريساً لمناصبهم, مثل مراسم حفلة التتويج, أو مراسم التخرج. كان الكهنة والملوك قديماً يُمسحون بالزيت المقدس, أو الماء المقدس, كإعلان على استلامهم مناصبهم. فكلمة (مسايا) تعني (ممسوح) أي (معيّن), فالمسيح معيّن من قبل الله.

وهذا المصطلح ليس فريداً في الكتاب المقدس فقد وُصف غير المسيح به, أما في القرآن فعيسى هو الوحيد الموصوف بهذا. وقد ذكرت هذا في كتابي (المسيح في الإسلام), ولا أدري إن كان متوفراً هنا, لكننا نوزعه بالمجان في جنوب إفريقيا, حيث قمنا بطباعة 200 ألف نسخة. لقد اُستعملت كلمة المسيح في الكتاب المقدس لوصف أشخاص وأشياء وجماد أيضاً.

تعرفون تلك التيجان التي يوضع فوقها قرون لتعطي هيبة للملوك؟ كانت تسمى (مسايا) في الكتاب المقدس. القدور المستخدمة للطبخ كانت تسمى (مسايات) وكذلك الأعمدة...

فالقدور تسمى في العبرية (مسايات) وفي اليونانية (كريستوس) وهي الكلمة التي حصلنا منها على (كرايست: المسيح)...

وهناك وثني يدعى كورش, ذُكر في سفر أشعياء الإصحاح 45, العدد الأول, يقول الله: "أنا الرب الذي يدعوك باسمك" أي اسم يقصد؟ إنه المسيح.

"لقبتك وأنت لست تعرفني" أي: أيها الكافر المشرك الوثني, أنت لا تعرفني, وبالرغم من ذلك فأنت (مسيحي) (كورش) هو مسيحي.

إن كان الله يطلق اسم (المسيح) على وثني مشرك فماذا يعني هذا؟ أقول بأن هذه الكلمة (مسايا) أو (مسيح) لا تعني (الله). إن كان الله قد استعمل هذا الاصطلاح على وثنيين, على قدور, على قرون, على أعمدة, فهي لا تعني الله.

ما هو المسيح؟ هو مصطلح محترم نطلقه على عيسى, فهو (مسيح) و(معين) من قبل الله, هو رجل صادق من عند الله, لكنه ليس الله.

الرواية الإنجيلية لميلاد المسيح:

في إنجيل القديس يوحنا عندما سمعت مريم ببشارة ميلاد عيسى قالت: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟" إنجيل لوقا 34: 1.

في القرآن: "ولم يمسسني بشر" كلاهما يحملان نفس المعنى. أي أنني لم أقم علاقة جنسية مع رجل فكيف يكون لي ولد؟

يقول الإنجيل بأنه بعدما قالت تلك الكلمات قيل لها: "الروح القدس يحل عليك وقوة الله تظللك" إنجيل لوقا 35: 1.

ذهبت مرة إلى جوهانسبرغ وهي مدينة الذهب في جنوب إفريقيا, أكبر مدينة داخلية في العالم. أردت شراء إنجيل أندنويسي, فقد كنت في طريقي إلى إندونيسيا, وكان لي عادة هي أنني حينما كنت في طريقي إلى بلد جديد أحاول تعلم اللغة المحلية لذلك المكان عسى أن تفتح لي قلوب الناس هناك بطريقة ما, وذلك إذا استطعت التلفظ ببعض الكلمات بلغتهم. ولدي طريقة لتعلم ذلك, وهي الحصول على الإنجيل بتلك اللغة, فأنا أعرف الكتاب المقدس باللغة الإنجليزية بشكل جيد وواسع عن ظهر قلب, لذا أقوم باقتناء إنجيل بتلك اللغة, وما أعرفه بالإنجليزية أبحث عنه باللغات الأجنبية.

لم يكن لدى "دار الإنجيل" في دربن واحداً, لذا عندما ذهبت لجوهانسبرغ ذهبت إلى "جمعية الإنجيل" وانتقيت نسخة جديدة من الإنجيل, ثم انتقيت ترجمة يونانية انجليزية للعهد الجديد... كان كتاباً غالي الثمن.

كان المشرف يراقبني, من هذا؟ رجل بقبعة غريبة ولحية غريبة!, كان مدهوشاً وهو يراني أنتقي هذه المجلدات غالية الثمن. فجاء إلي وبدأ يتحدث معي, أراد أن يعرف ما الذي يجعلني مهتماً بهذا العهد الجديد اليوناني الإنجليزي, فأوضحت له بأنني باحث في مقارنة الأديان, ووجدت شيئاً قد يساعدني, لذا فأنا مهتم بهذا.

أثار هذا اهتمامه, وقال لي: هل ترغب في تناول فنجان من الشاي معي؟ فقلت: هذا من دواعي سروري... فأخذني إلى مكتبه, وأراد أن يعرف المزيد مني, فقلت له إننا نؤمن بعيسى, وأنه أحد أعظم رسل الله, ونؤمن بميلاده المعجز, وبمعجزاته العديدة, وقرأت له عن ذلك في القرآن الكريم وترجمت له تلك الآيات, وأن الله إذا أراد شيئاً فإنه يقول له كن فيكون, وحينما وصلت لتلك المرحلة قال لي: هذا شبيه بكتابي.

فقلت: لا شك, إنه يبدو متطابقاً في بادئ الأمر, فلو أن أي مسيحي ينتمي لأية كنيسة أو طائفة قرأ هذه الآيات بالإنجليزية وبدون النص العربي إلى جانب الترجمة فلن يحزر بأنه يقرأ من القرآن, إلا إذا كان عالماً أو مبشراً, وقد علم من قبل بما يؤمن به المسلمون. لكنني أقول إنك لو قارنتها بدقة ستجد اختلافاً.

قال لي: كيف؟

فقلت له: أخبرنا الله في القرآن بأنه حتى يخلق الله شيئاً هو يشاؤه فإنه يقول له فقط كن فيكون, أما في الإنجيل فقد ورد أن الروح القدس سوف يجعل مريم حاملاً, كيف؟ كيف سيصعد عليها؟, وقوة العلي تظللها, كيف؟ كرجل أو كشيء آخر؟ كيف سيظللها؟ نحن نعلم أن العبارة لا تعني ذلك, ولكن اللغة منحطة جداً, أنتم تعطون الملحد واللأدري عصاً ليضربكم بها. كيف حل روح القدس عليها؟.

وفي إنجيل القديس متّى: "قبل أن يجتمعا (يوسف ومريم كزوجين) وُجدت حبلى من الروح القدس" متى 18: 1. أي أن الروح القدس هو الذي أدى العمل, هو الذي زرع, وهي لغة دنيئة جداً, بينما القرآن يقول: "إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون".

قلت له: أي من هذين الوصفين لميلاد المسيح تفضل قراءته على ابنتك؟

فحنى رأسه وقل: أفضل النسخة القرآنية لميلاد عيسى!.

معجزات عيسى عليه السلام:

قال تعالى: "ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين". وهذه من معجزاته عليه السلام, فقد كلّم الناس وهو مازال طفلاً صغيراً. وقد جاء ذلك أيضاً في سورة مريم, وهي سورة من سور القرآن اسمها سورة مريم تكريماً لأم عيسى المسيح, لا يوجد سفر في الكتاب المقدس الذي هو مكتبة مؤلفة من 66 سفراً عند البروتستانت, و73 سفراً عند الكاثوليك الرومان, لا يوجد سفر واحد باسم مريم, لكن في القرآن يوجد سورة اسمها سورة مريم.

نحن لا نقول عيسى فقط, لكننا نقول: سيدنا عيسى عليه السلام, جميع أنبياء بني إسرائيل نتحدث عنهم باحترام, فنقول: سيدنا موسى عليه السلام, سيدنا داوود عليه السلام...إلخ

ولو أن مثقفاً أو عالماً كان بيننا يلقي محاضرة علينا, وقال عيسى فقط, ولم يقل سيدنا عيسى عليه السلام فسنطرده... يالك من همجي! أهكذا تنادي نبياً من أنبياء الله؟!

ونقول عن مريم عليها السلام أيضاً.

في سورة مريم في القرآن الكريم ورد أن مريم عليها السلام وبعد ولادتها عيسى عليه السلام والذي وُلد من دون أب, عادت إلى قومها وهي تحمل الطفل: "فأتت به قومها تحمله, قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً"

لقد كانوا مصدومين, نحن نعلم أنك لست متزوجة, والآن تأتين إلينا وأنت تحملين طفلاً غير شرعي, وبدون أن تشعري بأي خجل؟!: "يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً".... من أين جئت بهذا الطفل بدون أب؟!

ماذا باستطاعة مريم أن تفعل؟ كيف ستشرح لهم؟ لم يكونوا في مزاج قابل للاستماع لها وهي تقول لهم: لقد سمعت بعض الأصوات وأعطاني الله البشارة وها هو الولد قد وُلد! من كان سيسمع لهذا الهراء من وجهة نظرهم؟!

هل ستكون مستعداً للتصديق إن أخبرتك أختك بأنها سمعت بعض الأصوات وها هي الآن في شهرها التاسع من الحمل؟!

كنت أسأل مبشراً مساء البارحة, وهو أحد وكلاء جيمي سواغرت, أستاذ في الجامعة, كان يوزع منشورات مسيحية أثناء محاضرتنا, وهو بالمناسبة تصرف غير أخلاقي أبداً, لأنه استغل اجتماعنا لتوزيع منشوراته, لا أعترض على رغبته في الدعوة, لكني أعترض على طريقته التي استغل فيها وجودنا لتوزيع منشوراته, لك الحق بدعوة الناس لمحاضرتك الخاصة ولكن ليس لك الحق في استغلال اجتماعات الآخرين, وفوق ذلك, وبعد انتهاء المحاضرة بدأ بالجدال, فقلت له: القرآن يقول بأن عيسى عليه السلام وُلد بشكل معجز, نحن نقبل هذا, أريدك أن تشرح لي لماذا يخبرنا محمد بهذه الأشياء عن معارضه؟ أسهل شيء على الرجل السخرية من معارضه, نحن نتحدث عن طفل ولد بدون أب, لو أن أختك أتت وأخبرتك بأنها سمعت أصواتاً وهي الآن ولدت طفلاً هل ستصدقها؟ أنت تعلم بأنها لم تكذب في حياتها قط, والآن تخبرك بهذا هل ستصدقها؟ لو أن أمك في غياب والدك رأت حلماً حول زوجها والآن هي حامل هل ستصدقها؟

قال: ربما!

قلت له: أنت أبله؟! أهكذا يأتي الأولاد من الأحلام؟!

لكنه كان يذل نفسه فقط حتى يثبت أنه على حق.

قلت له: هذه المرأة (مريم عليها السلام) حملت بمشيئة الله, نحن نؤمن بهذا, ونحن نعرف أن رسول الله r ليس لديه سبب ليكذب, ماذا سيكسب من وراء هذا, كان الأسهل عليه أن يستهزئ, فلا تكن أحمقاً, إذا قالت لك أمك أو أختك هذا, هل ستصدقها؟

قال: لا

قلت: إذاً كيف تصدق هذه اليهودية منذ ألفي عام؟!, لكن نحن نصدق, لأن الله أخبرنا عن طريق محمد r, فنحن نصدق ونسلم ونقول (آمنا, صدقنا).

كان قومها يجادلونها: كيف جئت بهذا الطفل؟ ماذا كانت ستقول لهم؟ يقول القرآن: "فأشارت إليه, قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً". كيف سنكلمه؟ ماذا يمكن لهذا الصغير أن يخبرنا؟!. وبمعجزة تكلم عيسى عليه السلام وهو في حضن أمه ودافع عنها أمام قومها: "قال إني عبد الله آتني الكتاب وجعلني نبياً"... تكلم ودافع عن أمه... أول معجزة لعيسى عليه السلام في القرآن هي كلامه وهو رضيع في حضن أمه.

أما في الإنجيل فنقرأ في إنجيل القديس يوحنا الإصحاح الثالث على ما أظن, ذهب عيسى وتلاميذه إلى عُرس في (قانا) ونفدت الخمر لديهم, فأتت أمه إليه وقالت له يا بني هؤلاء الناس يواجهون مشكلة, فساعدهم. كانت تؤمن بأن لديه قوى خارقة تمكنه من مساعدتهم, فأجاب عيسى وفقاً للكتاب المقدس: "ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد".

يا امرأة!.... في جميع الأسفار 27 في العهد الجديد لم ينادي أمه بـ (يا أمي), دائماً (يا امرأة)! أتساءل ألا يوجد كلمة (أمي) في اللغة العبرية؟!

نفس كلمة (يا امرأة) استعملها لينادي على عاهرة, قُبض على تلك المرأة وهي تفعل الفاحشة, فأحضروها إلى عيسى وقالوا له: وجدناها تفعل الفاحشة, ماذا علينا أن نفعل بها؟ أرادوا توريطه, فإن قال: ارجموها... كان ذلك هو الحكم الشرعي, في سفر اللاويين: "يُقتل الزاني والزانية" 10: 20. فإذا كان عيسى رجلاً من عند الله فعليه أن يلتزم بالتشريع ويقول ارجموها, ولو رجموها وقتلوها واعتقلتهم الحكومة فسيقولون: هذا ما أمرنا به مسيحنا, وهكذا يكون عليه مواجهة الحكومة لأن الزنى لم يكن جريمة في الإمبراطورية الرومانية, وليست هي كذلك في العالم المسيحي اليوم.

ينادي عاهرة (يا امرأة): "يا امرأة...أين هم أولئك المشتكون عليك؟ قالت: ليسوا هنا لقد اختفوا. قال لها: حسناً اذهبي ولا تخطئي بعد الآن" يوحنا 10: 8.

لم ينادي عيسى أمه بـ (يا أمي) ولا في موضع واحد من الكتاب المقدس.

قال لها: "ما لي ولك يا امرأة..لم تأت ساعتي بعد" فحاولت إقناعه بمساعدة هؤلاء الناس, فقال حسناً "املؤوا الأجران (أجران الخمر) ماء. فملؤوها, وحوّل الماء إلى خمر. ثم شربوا, وقام السكيرون الذين كانوا يشربون الليل كله بالتعليق قائلين: لما أبقيت الخمر الأفضل للنهاية؟

قال أخي جيمي سواغرت في كتابه (الكحول) بأن تلك الخمرة كانت عصير عنب صافٍ, قلت له: يا أخي إذا كان الرجل يشرب طوال الليل, وامتلأ جسده, ثم أعطيته عصير عنب صافٍ فإنه سيجده كالطين, فهناك قانون يقول: إذا احتسيت مشروباً يحتوي على نسبة 5% كحولاً ثم 5% ثم 5% بعد فترة ستفتر حواسك, وستحتاج إلى 10% لتشعر بوجود الكحول, ثم إلى 20%, أي عليك رفع كمية الكحول لكي تشعر بأنه أفضل من سابقه, وإذا أعطيت هذا الرجل عنباً سيقول لك هذا طين.

وقد ذكر جيمي سواغرت في كتابه (الكحول) أن هناك 11 مليون سكير, و44 مليون مسرف في الشرب في أمريكا, وهو يقول: بالنسبة لي لا يوجد فرق بينهم, أي يوجد 55 مليون سكير.

في بلدي لا يسمونهم سكيرين فهذه شتيمة, بل يسمونهم بـ (الكحوليين) أي أنهم مرضى ومساكين, فشرب الكحول ليس خطيئة إنه مرض.

قلت له: في الإسلام حتى الشاربين الاجتماعيين جميعهم في مستوى واحد, فهم يخرقون قوانين وأوامر الله, يقول نبينا الكريم r: "ما أسكر كثيره فقليله حرام", ويقول القرآن الكريم: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون".

وبكلمة واحدة أوجد أكبر مجتمع غير شارب للخمر في العالم, صحيح لدينا خرافنا الضالة, فلسنا ملائكة, ولكن إجمالاً المسلمون هم أكبر مجتمع في العالم لا يشرب الخمر.

إذاً, أول معجزة لعيسى عليه السلام في الكتاب المقدس كانت أنه حوّل الماء إلى خمر, ومذ ذلك الحين والخمر يتدفق كالماء في العالم المسيحي, ولا يوجد مخرج.....

هناك كتاب اسمه (الواعظون) يخبرنا فيه جيمي سواغرت أنه في أحد مؤتمرات الكنيسة طلب أحد المبشرين بأن يقف الذين هم ضد الكحول ويعودوا إلى كنائسهم لوعظ الناس حول شر الكحول, ويقول جيمي سواغرت أنه لم ينهض أحد منهم!, وهذا يعني أنهم جميعاً آثروا الكحول, لماذا؟ يقول جيمي سواغرت بأنهم جادلوا وقالوا إن ربنا يسوع حوّل الماء إلى خمر وإن كان ذلك جيداً لإلهنا فهو جيد لنا. هذا منطقي جداً, إن كان هذا جيد لإلهك فهذا جيد لك.

قال جيمي سواغرت إنه كان عصير عنب صافٍ, وأنا أقول إنه خمر, ويقول علماؤكم المسيحيون إنها نفس الكلمة في اليونانية, كما في قصة لوط ووفقاً للكتاب المقدس أنه سكر ثم مارس الزنى مع بناته ليلة بعد ليلة, إنها نفس الكلمة (واين = خمر) هنا وهناك.

وأقول بأن المخرج الوحيد في الوحي الأخير لله تعالى, عيسى يقول لكم: "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم, ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" يوحنا 12: 16.

ليس لديكم الاستيعاب الكافي, لستم مهيئين لسماع جميع الحلول التي أستطيع تقديمها لكم. "وأما متى جاء ذاك, روح الحق, فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به, ويخبركم بأمور آتية, ذاك يمجدني" يوحنا 13: 16.

نقول: إن روح الحق ذاك هو محمد r, فهو حقاً يمجد عيسى بحفظه من افتراءات أعدائه, هو وأمه أيضاً, فهو المؤيد الحق لعيسى المسيح. بهذه الكلمات أيها السيد رئيس الجلسة أخوتي وأخواتي أتوقف هنا, والسلام عليكم.