ذات مرة!!
من اليوميات!
ذات مرة!!
فراس حج محمد /فلسطين
شهدت فيما شهدته وشهدت عليه، عدةَ عملياتِ نصبٍ ونهب في هذا الوطن المنهوب، والمسلوب من كل شيء فيه، شهدت ما يقوم به الصغار والكبار والتجار والمتسولون من تدمير ممنهجٍ لما تبقى من بقعة وطن رمادية، حتى غدوت على قناعة تامة أننا نعيش في الأرض المقدسة ضمن أسوأ معادلة في الحكم والسيطرة والاقتصاد والتعليم، وصارت المحافظة على الفساد بشتى أشكاله أهم منجزاتنا التي نفخر بها، وغدت الدكتاتورية متغلغلة حتى النخاع فينا جميعنا، لا يسلم من ذلك وزير أو غفير!!
ذات مرة، وصفت فعلا من أفعال (كبارنا) الذين نفشته الحزبيةُ المتدهورةُ، فصنعتْ منه حَكَما غيرَ عدلٍ في أهم قضية من قضايا هذه البلاد المنقوعة بالعلقم، فكانت الأفعال في واد والأقوال في واد، فقد كان معنياً بالتطبيق الحرفي، وكأنه هو المقصود بـ "لم تقولون ما لا تفعلون"، ولسان حاله يقول: "ولماذا لا أفعل ما بدا لي؟ ألست رب هؤلاء العميان الأعلى؟ عليكم أن تطيعوني ما أطعت الشيطان فيكم، فإن لم أكُ من جنود إبليس فلا طاعة لي عليكم"، فما كان مني إلا أن وصفت هذا الحليف الشيطانيّ "بالمافيا"، لقد وصفت واقعه وواقع غيره "فيها شي.. لا ما فيها" على رأي السيد القيصر كاظم الساهر، وبعدها حدّث ولا حرج.. فقد أتت المحاضرات القيمة في تفنيد الأخلاقيات والتربويات وما لا يصحّ وما يصح، حتى تصدعت الرؤوس بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع كأنه خارج من طبل أجوف لا يحدث إلا ضجيجا يصدع الجدران والرؤوس، ويتركها تحمل ذاتها لتتقيأ ذلك الهراء في أقرب ناصية طريق!
وذات مرة أخرى، يغضب معالي وزير سابق أن ساوتِ التكنولوجيا والطبيعةُ البشريةُ بينه وبين كل البشر، فيرغي ويزبد، ويطردني نهائيا من صفحته، لأنه هو الوزير، وأنا ابن فلاح بسيط، يجب علي أن أعرف مع من أتحدث، ولن تفلح كل محاولات رأب الصدع، لأنه هو الوزير وأنا أنا!
وذات مرة ثالثة أكتشف الذَّأْبَنَة في المثقفين وصناع القرار الثقافي في هذا البلد المنكوب، فمن هؤلاء من كان معدوم الضمير، والجنسيّ واللوطيّ، والوصوليّ، والدكتاتور، والمستعدّ أن يصمد فوق ثلاث خوازيق أو أكثر في وقت واحد؛ بدعوى أنه وريث شرعي للمثقفين والثقافة وحامي حمى المتنبي والجاحظ، وأن الأمة لم تنجب سواه، متصدرا كل المشاهد الغائمة الممطرة غثاء كغثاء السيل!
وذات مرات كثيرات يرتفع الضغط وتعصف الرياح كلما التقيت مسؤولا قذرا، وكأن هذه البلاد مكتوب في أقدارها أن يتسلم أمرَها أقذارُها الذين أذاقوها المرارة مرتين؛ مرة بأيدٍ (وطنيةٍ) بلطجية ملطخة بدماء ضحايا وعرق ثكالى وأنات موجوعين كثيرين، ومرة ثانية بأيدي الغاصبين المتحالفين مع الأولّين تحالفا غير معلن، وربما هو معلن ولكن نخشى أن نبوح به، لنصل إلى ما نحن عليه الآن من عبثية مطلقة في كل شيء؛ في التعليم والثقافة والصحة والقضاء والحكم والسياسة والاقتصاد وحتى فساد الدين، فهل يا ترى الإرهاب الذي يخشون مجيئه؟ أليسوا هم من بذروا بذوره، وهيأوا له التربة الخصبة؟
فلا تلوموا الدواعش، فكلنا متطرفون.. (ولا تصدق) مع الاعتذار لأصالة نصري التي غدا نعلها أشرف من أطهر طاهر فيهم!