العراق على كف عفريت

السناريو القادم

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

عندما تقرأ تصريح المدعو حميد الهايس بأنه يطلب من نظام الملالي في إيران قنبلتين كيمياويتين لضرب أهالي الأنبار من أهل السنة ويفنيهم عن بكرة أبيهم، ويزبد فمه كالبقرة بالقول" قررنا زيارة ايران للطلب منها بدعمنا بالاسلحة والمعدات القتالية بعد ان لاحظنا ان المجتمع الدولي غير جاد بقتال داعش، ويضم الوفد، عشرة من شيوخ الانبار، اضافة الى خبراء في الجانب الامني من المحافظة. وستدخل الاسلحة عن طريق وزارة الداخلية، لا توجد هناك أية مشكلة". فعلا لا توجد أية مشكلة للهايس وجحوشه! لأن وزير الداخلية من فيلق بدر ومتجنس إيرانيا! إذن هي حرب جحوش أهل السنة ضد ثوار العشائر في الأنبار. يقابل ذلك التهديدات التي أطلقها أنصار الزعيم الشيعي الحسن الصرخي ضد الحكومة الشيعية التي أغلقت الملف الإجرامي لجودي المالكي رئيس الوزراء السابق الذي قتل المئات وإعتقل الآلاف من جماعة الشيخ الحسن الصرخي بإيعاز من مراجع النجف أثر تظاهرة سلمية قاموا بها، رفضوا فيها فتوى الجهاد الكفائي ضد أهل السنة الذي أفتى به السيستاني. علاوة على الحرب الدائرة بين الدولة الإسلامية من جهة وخصومها من الحشد الطائفي والميليشيات الشيعية الموالية لإيران وقطعان الجيش والشرطة العراقية من جهة أخرى. كذلك المعارك الدائرة بين التنظيم نفسه والحرس الثوري الإيراني سيما في محافظتي ديالى وصلاح الدين الذي تبين إن وجوده اي الحرس الثوري في العراق تم بإتفاقية غامضة لم يعلن عنها في حينه، كما اعترف مؤخرا حيدر العبادي. وكذلك حرب التنظيم مع البيشمركة الكردية والجماعات الأيزيدية من جهة أخرى، إضافة إلى المعارك في ديالى وكركوك بين البيشمركة وفيلق بدر وعصائب أهل الحق حول المصالح الميليشياوية لبسط النفوذ على المناطق التي يسموها المحررة، والمعارك الجانبية الأخرى البعيدة عن أضواء الإعلام كالمعارك بين العرب والكرد والتركمان في كركوك!

ماذا تستنتج من هذا السيناريو القادم؟

هل سيكون العراق كما وصفه احد الأدباء" بغدادكم الوسخة الومدة الهواء جوها نار وأرضها خبار وماؤها حميم وترابها سرجين، وحيطانها نزور، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق وفي ظلها من غرق، ضيقة الدار قاسية الجوار، ساطعة الدخان قليلة الضيفان، أهلها ذئاب وكلامهم سباب، وسائلهم محروم وملهم مكتوم، لا يجوز إنفاقه ولا يحل خناقه، حشوشهم مسابل وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم ويمزج البؤس بالنعيم". (مجلة المقتبس77/4 عام 1911).

السناريو القادم: معارك سنية ـ سنية. معارك شيعية ـ شيعية. معارك سنية ـ شيعية. معارك سنية ـ كردية. معارك شيعية ـ كردية. معارك أخرى تتعلق بالأقليات. الخلاصة: هل يمكن أن ينهض بلد سليم حتى لو إنتهت هذه الحروب وجلس الجميع على طاولة المفاوضات فرضا وليس حقيقة؟

وهل يمكن ضمان عدم تجدد النزاعات بين الأطراف المتقاتلة لسبب ما؟

وهل ستتوقف دول الجوار عن دعم الميليشيات المرتبطة بها سرا أو علنا وتتخلى عنها؟

وهل تستطيع الأطراف المتقاتلة التسامح مع من قتل الآلاف منهم؟

وهل تستطيع الحكومة الطائفية الضعيفة إخضاع زعماء العشائر المسعورين لسلطانها الملثوم؟ وهم كما لاحظنا من تصريحات الهايس يتصرفون خارج سياقات الحكومة، كإنهم حكومات قائمة بحد ذاتها!

وهل تجرأ الحكومة التي إعتمدت كليا على الميليشيات الشيعية لتثبيت حكمها من قهرها وإنتزاع أسلحتها ببساطة دون موافقة الولي الفقيه في طهران؟

كيف يمكن للحكومة ان تعالج مصير عناصر الميليشيات والحشد الطائفي؟ هل بالقول: بوركتم جهودكم وإنتهى عملكم! سلموا الأسلحة وأجلسوا في بيوتكم تصحبكم السلامة! أو يُدمجون مع الجيش الجديد ليزيدوا الأمر سوءا؟ كإن تجربة الدمج الميليشياوي السابقة اعطت ثمارا طيبة ليكرروا التجربة!

من يقف وراء هذا الصراعات الطائفية والعنصرية ويؤججها؟ هل هي مجرد صراعات داخلية بمعزل عن الأجندات الخارجية كما يحاول ان يظهرها الإعلام؟ ومن الذي يغذي هذه الصراعات؟ وما الهدف من وراء ذلك؟ وقبل التي واللتيا من هو المسؤول عما يحدث في العراق؟

وهل كانت الولايات المتحدة وحلفائها الغرب والعرب يجهلون النتائج المترتبة على غزو العراق؟ لو بدأنا من حيث إنتهينا، أي من السؤال الأخير فإن إدارة الإحتلال لم تك تجهل هذا المصير الذي نبهت عليه وتوقعته مراكز البحوث والدراسات الستراتيجية والمخابراتية بل والعديد من المنظمات والمحللين السياسيين والعسكريين والكتاب، على سبيل المثال ذكرت وكالة الغوث ومنظمة ( CARE) ومنظمة المعونة المسيحية (CHRISTIAN AID ) بأن الغزو الامريكي للعراق" من شأنه ان يخلف 3 مليون لاجيء". وكانت النسبة قريبة للواقع! كما ذكر( داليب مكرجي) من منظمة المعونة المسيحية بان الحرب على العراق" ستطلق موجات من الصدمات العسكرية والإنسانية في منطقة الشرق الأوسط  بأكملها". وهذا ما حدث فعلا! كما سمى دافيد برات المعارضون العراقيون في الخارج بـ" الاوغاد الذين يريد بوش ان يحلهم  محل صدام حسين" الصنداي هيرالد/ اسكلندا في 22ايلول 2002. وكان الأوغاد أرحم منهم بكثيرا!

وفق ميثاق الأمم المتحدة فأن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين والعرب يتحملون المسؤولية الأولى عما يحدث في العراق، فكل ما حصل و يحصل الآن ومستقبلا هو من نتائج الغزو! في رسالة من الجنرال المتقاعد وليام ناش( William Nash) للرئيس الامريكي خاطبه " كونك بدأت الحرب، معناه انك قبلت تحمل  المسئولية الاخلاقية إتجاه الشعب العراقي". (عراق المستقبل جيف سيمونز). وعملية تدمير العراق وسحقه تماما هو تطبيق حي للفلسفة التي تؤمن بها الإدارة الامريكية والتي عبر عنها بوضوح نعوم تشومسكي  بقوله " العدو الأضعف لا بد أن يسحق سحقا، لا أن يهزم فقط! اذا اردنا تلقين العالم درسا في النظام العالم الجديد، فنحن السادة وأنتم ماسحو احذيتنا". ( صحيفة ذي غارديان – لندن 25 مارس 1991).

كما إن نظام المحاصصة الطائفية التي فرضته إدارة الغزو بالتنسيق مع نظام الملالي في إيران بإعتراف رفسنجاني، في تصريح له  بتأريخ 16 تموز 22014، "إن العملية السياسية بالعراق تمت بموافقة أميركا وإيران"، مشيرا إلى أن إيران والولايات المتحدة ساعدتا بتدوين الدستور العراقي، فيما تم توزيع رئاسة الجمهورية للأكراد، ومنصب رئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة، لافتا إلى أن ذلك منطقي"! وما صاحبه من تهميش وغدر ومظلومية لأهل السنة كان من نتائجه الطبيعة أن يتحول التنافس إلى صراع دموي بين الأطراف الحاكمة تأكل اليابس والأخضر معا. فالولايات المتحدة منذ بداية الغزو إتخذت موقفا صريحا بدعم الشيعة والميليشيات التابعة لنظام ولايه الفقيه وخذلت أهل السنة، وقد تمكنت من شراء ذمة المرجع السيستاني كما بين رامسفيلد في مذكراته. وقد شبه بول بريمر وغيره سنة العراق بالنازيين. وكما ذكرت سكرتيرته بأنه لولا تعتقد بأنه بريمر مسيحي، لإعتقدت بأنه من مقلدي السيستاني. ومنذ الغزو ولحد الآن كانت الولايات المتحدة تدعم الفصائل الشيعية وتعادي أهل السنة، وهي تتحدث بعد خراب العراق عن ضرورة مشاركة أهل السنة في الحكومة بصورة فعلية وليست شكلية! كما ان الولايات المتحدة هي التي سلمت العراق لنظام الملالي الشيعي رغم الخدمة الطويلة التي قدمتها المملكة السعودية وبقية دول الخليج للولايات المتحدة علاوة على المليارات التي مولت بها العمليات العسكرية الامريكية في المنطقة. لكنها أذلتهم وفضلت التعامل مع إيران بدلا عنهم.

وفي الوقت الذي تصرح فيه المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف" إنّ واشنطن لن تنسق في أي عمل عسكري مع إيران، ولن تتقاسم معلومات معها، كما أنها لا تمتلك أي خطط للقيام بذلك مستقبلاً". تأتي رسائل الرئيس بوما لتكذب هذا التصريح وغيره. فقد صرح أحمد بخشايش اردستاني، أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس النواب الإيراني" لقد تحقق التعاون المشترك مع الولايات المتحدة في العراق بعد الغزو وحققنا منافع وتعاون مشترك في إفغانستان". ويذكر البروفيسور فريديرك كاجان رئيس برنامج المخاطر الحرجة في معهد أميريكان إنتربرايز "نحن الآن أصبحنا وبشكل لا لبس فيه إلى جانب الإيرانيين وأذرعهم في المنطقة". بل أن الجنرال بترايوس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية والقائد السابق للقوات الأمريكية في العراق، أكد ضرورة " حكومة تمثل المواطنين، وتلبي، كلّ مكونات العراق، ولا يمكن أن تكون الولايات المتّحدة القوة الجوية للميليشيات الشيعية، أو تكون حربا بين الشيعة والسنة". كما إعترف وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيغل بأن الحكومة الحالية في العراق" لم تنجز مطلقا الالتزامات التي قطعتها لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع السنة والكرد والشيعة".

الآن بعد العرض المبسط للمسؤلين الرئيسيين عن نكبة العراق علاوة على الدول العربية سيما دول الخليج، لنوضح صورة العراق القادم وكم نحتاج من السنين الضوئية لإعادة العراق إلى مكانه الطبيعي بين الأمم؟ الحقيقة بلا أدنى شك مرعبة! ولكنها تبقى حقيقة مهما حاولنا الهروب منها! فمصير العراق على كف عفريت أخرق! ربما الصورة غير واضحة المعالم عند البعض، أو غربت عن بال البعض الآخر، وهي على أي حال تحتاج إلى وقفة طويلة وتأمل عميق وبعد نظر ثاقب.

إن إنتهاء داعش في العراق لا تعني السلم والأمن مطلقا! بل هي  تعني بداية الحرب الأهلية المدمرة في العراق، وهي حرب ستتخذ إتجاهات مختلفة سنة ضد سنة، وشيعة ضد شيعة، وشيعة ضد سنة وهكذا، والثمار سوف تسقط في سلة نظام الملالي الذي سيغذي الأطراف المتقاتلة من العراقيين السذج ضيقي الأفق، وبالتالي يضعف جميع الأطراف. ومن المعلوم أن العراق الضعيف المشتت المشرذم هو مطلب إيراني واضح ومعلن.

على سبيل المثال لو إفترضنا تحرر الأنبار من داعش، وسُلمت الأجهزة الأمنية والشرطة والمناصب المهمة حكرا لعشائر البو علوان والفهداوي والبو نمر كما كانت سابقا بإعتبارها وقفت مع الحكومة وإيران والولايات المتحدة في حربها على داعش كما جرى سابقا خلال ما يسمة بالصحوات؟ ما الذي سيحصل؟

ستنتقم هذه العشائر شر إنتقام من العشائر التي وقفت أو هادنت داعش ويثأرون لقتلاهم بشراسة دموية، وستكون معارك ضارية بين العشائر لا يعرف نتيجتها إلا الله تعالى، وكذلك الأمر بالنسبة لصلاح الدين والموصل وغيرها. عندما يعلن حميد الهايس بأنه طلب من القيادة الإيرانية (لاحظ الإيرانية) تزويده بقنبلتين كيمياويتين ليقصف بها بقية العشائر! ما الذي يرتجى من هذا المأفون وعشيرته؟ وعندما يطلب ما يسمى بشيخ عشيرة البو نمر تعاون الصهاينة معه ويهدد عشائر هيت وحديثة بقتلهم! ما الذي تتوقع منه؟ الإنتقام سيجر إلى إنتقام في مجتمع عشائري وقبلي متخلف كالعراق، وستدور الدوائر على الجميع بلا إستثناء. وهذا النموذج ينطبق على بقية الطوائف العراقية كالأكراد والأيزيدية والتركمان وغيرهم. كل من تعرض للظلم يرغب في الإنتقام ممن ظلمه! فالعداء والرغبة في الإنتقام وتصفية الأخر هي اللغة السائدة حاليا في العراق، وقد حلت محل المواطنة والتسامح والأخاء والبناء. وهذا ما ذكره النائب الأوربي ستروان ستيفنسون" إن الميليشيات الشيعية مثل منظمة بدر، عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله يجب أيضا أن يطردوا من العراق من أجل إحياء بيئة دائمة من المصالحة السياسية. في غياب مثل هذه السياسة، فإن الحرب ضد داعش تتحول إلى حرب طائفية بين الشيعة و السنة، وحتى ان توقفت بشكل مؤقت، سوف تبدأ في المستقبل  وتؤثر على المنطقة لعقود قادمة". فهمها الأوربي ولم يفهمها العراقي!

ولا أحد يظن إن الجيش يستطيع أن يمسك زمام الأمور بعد إنتهاء داعش لعدة أسباب منها.

أولا: الجيش طائفي للنخاع، ووزيره خالد العبيدي من جحوش أهل السنة، وهو غير قادر على محاسبة مقاتل واحد من الحشد الشعبي.

ثانيا: الجيش بأمرة نظام الملالي الحاكم في إيران والقائد العام للقوات المسلحة هو الجنرال سليماني ووزير الدفاع الحقيقي هادي العامري، أما وزير الدفاع المحسوب على أهل السنة ، فلا يزيد دوره عن واجهة ضرورية لتلميع صورة الحكومة الطائفية.

ثالثا: أثبت الجيش ضعفه تجاه الميليشيات المسعورة بإعتراف قادة كبار، والدليل هو ما حدث في المناطق التي إسترجعهتا قوات الجيش وسلمتها للميليشيات الشيعية والحشد السيستاني الطائفي ونتائجها الكارثية.

بالنتيجة ستولد داعش جديدة نتيجة الظلم والإضطهاد الذي يمارسه الجيش والميليشيات الشيعية والحشد السيستاني وجحوش الأنبار، ربما تجعلنا نترحم على داعش الحالية! إننا ندور في حلقة مقفلة، ويا ويل العراق من القوادم. نسأل الله تعالى الرحمة فأبواب الأرض مقفلة ولم يبق إلا باب السماء.