الشيعة والتشيع 5

الشيعة والتشيع

الحلقة الخامسة

أنور مالك

التشيع... الأسباب والعوائق !!

لقد ظهرت الكثير من المقالات والأحاديث والنداءات والأصوات تحذر وتنذر من ما تسميه بـ "خطر" التشيع في بعض الدول العربية، خاصة المغاربية ومن بينها الجزائر طبعا، ومما أشارت له هذه الخرجات من أن التشيع ينتشر بسرية تامة بين شرائح المجتمع الجزائري، وكما عرفنا من أن القضية لم تشهد مواقف رسمية من طرف السلطات المعنية سوى بعض التصريحات التي تعد على الأصابع لبعض المسئولين مثل أبو عبد الله غلام الله وزير الشؤون الدينية، الذي دعا للإبتعاد عما سماه بـ "التهويل الإعلامي"، أو ما اشرنا إليه من تصريح لرئيس جمعية العلماء في الجزائر الشيخ عبدالرحمن شيبان، إلا ان الصمت كان سيد الموقف في هذا المد الشيعي المدعوم إيرانيا، ومما يمكن الإشارة إليه أنه بعد بداية نشر هذا الملف سجلت بعض التحركات نكشفها لاحقا في تداعيات ملفنا الملغوم، وهذا الذي أعتبر جدية من طرف النظام الجزائري في معالجة القضية التي تضرب الكثير من مكتسبات الدولة وقيمها، ونحن نعرف مدى جديته إن تعلق الأمر بـ "الدعم الأجنبي" في مثل هذه الحالات التي تتعلق بالدين وتدين الجزائريين، خاصة منذ الحرب الأهلية الدامية، وإنتشار ما يسمى حينها بالسلفية التي تحولت في ما بعد إلى سلفية جهادية، وظل النظام الجزائري يتهم أطرافا دينية وحتى رسمية سعودية، وان كانت التهم قد ذاب جليدها بعض الشيء منذ زيارة وزير الدفاع الجنرال خالد نزار ولقاءه بالملك فهد بداية العشرية الدموية، وتم خلالها تحويل الدعم الرسمي إلى حركة محفوظ نحناح، التي كانت حصان طروادة للسلطة الإنقلابية حينها... يرى البعض من الملاحظين أن أهم أسباب هذا "الصمت الرسمي" من طرف النظام الجزائري مرده إلى سببين رئيسيين:

- تحسن العلاقات الرسمية بين الجزائر وإيران بعدما عرفت مراحل عصيبة تحدثنا عنها في هذا الملف.

- حرية المعتقد التي يكفلها الدستور الجزائري ومن خلال المادة 61 التي تنص على (الحرية الفردية لكافة الشعب في إختيار معتقداتهم التي يختارونها)، بالرغم من ان الدستور في الجزائر مجرد ديكور سياسي لا غير...

ونضيف نحن سببا آخرا نراه وجيها ويتمثل:

- أن جهات نافذة في النظام تريد أن تخلق توازن بين شرائح الشعب وتشتته بين مختلف التيارات، حتى لا تعود لهم قوة كما حدث من قبل مع جبهة الإنقاذ المحظورة، فضلا عن جعل الصراع "مذهبي" ويخرج النظام من الحلبة كطرف صراع ونزاع ديني، ونعرف أنه خلال السنوات التي مضت، ظل متهما من طرف المتمردين على أنه نظام "طاغوت وكافر توجب الشريعة محاربته"...

لقد إعترف المسمى محمد العامري وهو المشرف العام على موقع "شيعة الجزائر" في حديث أدلى به، نشره موقع قناة العربية التلفزيونية، من أنه لا توجد ما أطلق عليه لفظ "الممانعة" من قبل السلطات الجزائرية لإنتشار التشيع، وان دعوتهم مستمرة في كامل أرجاء الوطن ويتنقل بقوة بين كل الطبقات الإجتماعية، وإن كان لا يملك إحصائية دقيقة لعددهم، زاعما من أنه توجد إحصائيات سرية لا يمكن نشرها أو البوح بها، غير أن زميله المسمى (أورانيوم) – وهو من أبناء العاصمة الجزائرية - لما تمكنا من الوصول إليه فقد أكد من انه توجد ما يقارب 11.5% من الجزائريين قد أعلنوا ما سماه "إستبصارهم" رسميا، من دون أن يحدد الجهة الرسمية التي أعلن لها بذلك، وإن كنا قد إستنتجنا من خلال حديثه أن النسبة قد تكون من خلال الرسائل التي تصلهم إلى موقعهم، وأكثر من ذلك فقد زعم هذا الأخير من أن نسبة الجزائريين تصل إلى 20% قد تشيعوا من حيث لا يعلمون أو أنهم في طريقهم إلى ذلك، ويوجدون بكثرة في المناطق التي تسمى بـ "المناطق البربرية" وهي تتكون من شاوية وقبائل، ليضيف من أن الجزائريين بلا إستثناء يحتفلون بأربعينية الإمام الحسين في عاشوراء، حيث أنه ورثوا ذلك عن الفاطميين الذين بنوا ما سماها "دولة الإسلام" بالمغرب العربي (910 – 973 م)، وكذلك قبلها الدولة الرستمية التي أسسها الإباضيون وعاصمتها تيهرت (تيارت حاليا)... ليزيد العامري من أن الأمازيغ شيعة بالأصل،ولا شك في ذلك وما تشيعهم إلا عودة إلى الأصل، لتذهب في منحى آخر أحد المتشيعات الجزائريات من أصل بربري وتطلق على نفسها "الجيراوس" حيث راحت تحصي بعض القواسم المشتركة بين الشيعة وما عليه شأن الأمازيغ حاليا، فهم لا يأكلون لحم الأرانب وهو محرم لدى الشيعة، ويتوقفون عن العمل في عاشوراء لأنه يجلب النحس ولا بركة فيه، ويذبحون فيه دجاجا لأجل إسالة الدماء، ولا تجد لدى الأمازيغ إسم "ابو بكر" أو "عمر" ولا "عائشة"، لكن ينتشر بينهم "سيد علي" و "سيد أحمد" وينادون كل من تحمل إسم "فاطمة" بـ "للا فاطمة"، وهذا الذي انكره الكثيرون من أبناء القبائل خاصة ممن يحملون هذه الأسماء نذكر منهم مثلا آيت عمر محمد أحد أبناء مدينة تيزي وزو، الذي إنتفض مفندا هذه الإدعاءات...

من خلال ما جمعناه من معلومات عبر كل الولايات الجزائرية (48 ولاية)، وحسب ما تم إحصاؤه من طرف جهات أمنية تكفلت بهذا الملف، فإن عدد الأشخاص المتشيعين حوالي 1700 شخص أغلبيتهم الساحقة من الأسرة التربوية المعروفة بالدخل المتواضع، اي انه ما يقارب 0,006% من مجموع السكان، وأما النشيطين والقائمين على شؤون الدعوة الذين يتمتعون بمكانة وممن يرتبطون بمكاتب المرجعيات الشيعية في الحوزات العلمية سواء بإيران أو العراق فلم يتجاوز عددهم المئة، وأيضا أن نسبة 73% من هؤلاء المتشيعين الجزائريين قد زاروا إيران أو على الأقل سورية ولبنان... أمر آخر يجب الإشارة إليه أن وجودهم يتمركز حيث "الشاوية" وأيضا الغرب الجزائري، مما يفرض علاقة الحدود بهذا المد، فالغرب مرتبط بالمغرب ويوجد به نسب كبيرة من المتشيعين بل يعتبر أكبر دول المغرب العربي من حيث عدد المتشيعين ويشهد نشاط جمعيات رسمية معتمدة لهم كما أشرنا في بداية هذه الدراسة، وفي الشرق مثلا نجد تبسة المتاخمة للحدود التونسية والليبية والتي تعتبر معبرا للتهريب، ونسجل دور جماعات ليبية وأخرى تونسية تساعد في عمليات تهريب الكتب والمراجع وحتى الفتاوى والتعليمات القادمة من إيران خاصة، أهم الولايات التي تعرف توسع هذه الظاهرة فهي ولاية وهران وعين تموشنت وسيدي بلعباس وتيارت، وفي الشرق نجد باتنة وخنشلة وتبسة، وفي الوسط نجد الجزائر العاصمة، أما في الجنوب فهو يتوزع عبر الولايات في نسب ضئيلة تعد على الأصابع...

توجد عدة أسباب وعوامل ساهمت في تشيع هؤلاء الجزائريين، الدكتور محمد بن بريكة وهو خبير دولي في شؤون التصوف، والناطق الرسمي بإسم المرصد الوطني للزوايا لدى أكاديمية المجتمع المدني، وهو المنسق الأعلى للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا، وهو أيضا مدرس بكلية الفلسفة بجامعة الجزائر، فقد رأى من خلال محاضرة ألقاها في جانفي 2007 عن نشأة الشيعة والتشيع، من أن السبب الرئيسي يعود إلى غياب المرجعية الدينية في الجزائر، إلى جانب ضعف المناعة الثقافية لدى أغلب الجزائريين، مما سهل إحتياح الفكر الشيعي الوافد لهم، وحسب تقديره أن عددهم لم يتجاوز 300 فرد، أما الكاتب الجزائري فريد مسعودي حسب ما نقلته الكثير من مواقع الأنترنيت، من أن إنتشار "المذهب الشيعي" في الجزائر يعد ذاتيا بالدرجة الأولى، وحسب رأيه فان وسائل الدعاية المتبعة تعتمد على الإنتشار السري، بسبب عوائق موضوعية تتعلق بمدى قابلية المحيط لهذا النوع من الفكر، ليضيف الباحث عبدالمالك حداد في مقال له عن التشيع الذي يخترق الشعب الجزائري من أن إنتشاره بفضل الدعاة النشيطين الذين يتواجد اغلبهم بالمؤسسات التربوية، إلى جانب توفر المراجع الشيعية المتداولة كالمجلات والنشريات والكتب، هذا فضلا ما وفرته الجاليات الشيعية من العراق وسوريا ولبنان...

لا يوجد للشيعة الجزائريين مسجدا رسميا خاصا بهم، ولا صحيفة أيضا تتحدث عنهم وبإسمهم، وسوف نتحدث لاحقا عن ما تسمى بـ "الحسينيات" التي يقيمونها في عدة مناطق من البلاد وفي حدود إمكانياتهم الخاصة، التي غالبا ما تأتي بدعم من طرف مرجعيات دينية إيرانية أو من خلال ما يتبرع به تجار لهم علاقات بأوساط تجارية سورية، وأحيانا يجمعون إشتراكات سرية يحددون قيمتها في ما بينهم، وقد إتجهوا في السنوات الأخيرة إلى الأنترنيت التي شكلت فضاء آمنا وفسيحا ومهما لهم من أجل إثبات وجودهم وتبليغ إهتماماتهم، وتحت أسماء مستعارة طبعا ولا أحد منهم تجرأ على تبني المذهب علنا وبهويته الحقيقية، فهم حسب ما تحدث لنا البعض لا يأمنون ما سموه "مكر النظام" و"إرهاب الوهابيين"...

في دراسة قمنا بها من خلال الأحاديث التي جمعتنا ببعض المتشيعين سواء بلقاء مباشر أو حتى عبر شبكة الأنترنيت، فإننا نستطيع إختصار الأسباب والعوامل التي ساهمت مساهمة مباشرة وفعالة في تشيع هؤلاء، في نقاط معدودة نذكرها كالتالي:

- إيران وما يسمى بـ "الثورة الإسلامية" التي قادها الخميني عام 1978، فقد أصبحت إنجازاتها تثير الفضول والسحر لدى الشباب خاصة تلك الأجيال التي رافقت ذلك الإنقلاب الخميني والشعارات البراقة التي ظل يرددها، مما حول منه ومن ثورته إلى أسطورة لدى هؤلاء المتشيعين والمريدين، حتى أن بعض ممن ينشرون "رسائل إستبصارهم" يبرزون ذلك كثيرا، فسجلنا مثلا المسمى جعفر الحسيني وهو من مواليد 18/10/1975 ويحمل شهادة الليسانس في التاريخ - هذا طبعا حسب ما صرح به – وكذلك بريك ياسين من ولاية باتنة، نسيمة – ع من جامعة خنشلة ومرواني نورالدين من وهران... كل هؤلاء أكدوا لنا تصريحا وليس تلميحا من ان "إنجازات الثورة" هي السبب المباشر في تشيعهم...

الحرب الأخيرة على لبنان والمقاومة التي قادها حسن نصر الله وحزبه المسمى "حزب الله"، حيث نال إعجاب الناس والعوام خاصة بشخصيته، ونحن نعرف أن كل من يعلن الحرب على إسرائيل ولو كان يهوديا متمرد ينال الرضا لدى الأوساط العربية المضطهدة، ولعبت الفضائيات دورا بارزا على رأسها فضائية "المنار" التابعة لـ "حزب الله"، في تمجيد المقاومة ورجالها والتشهير بإنتصاراتها، بالرغم من أن البعض ممن تابعوا الحرب يرونها مجرد بريق فارغ، فإسرائيل لم تعلن غزوها لأجل إحتلال لبنان حتى يعتبر الإنسحاب هزيمة لها، بل كانت مجرد حملة من أجل فك الأسيرين، ونحن نعرف أنها عجزت على فك الجندي الأسير في غزة التي تستطيع أن تدخل كل البيوت في يوم واحد، على كل ليس هذا موضوعنا نتركه لأوانه، فكما قلنا أن "حزب الله" أدى إلى تشيع الكثير من الجزائريين، فمثلا نجد الجزائرية والمقيمة بالخليج والتي تسمي نفسها بـ "جواهر الجزائرية" أعلنت تشيعها خلال الحرب بالرغم من أنها كانت مدخنة ومتفتحة ولا علاقة لها بالتدين حسب ما أفادت به في موقع شيعي، حتى أنها أكدت قائلة: (... أنه الحزب الوحيد فوق الأرض الذي يحمل إسم "حزب الله")، لذلك تشيعت له وصارت تنشط في هذا الإطار، والطريف في رحلتها أن نطحة اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان الشهيرة ساهمت أيضا في رحلة تدينها الجديد من دون أن تعطي تفسيرا مقنعا، وإن بررته بغيرة زيدان على الإسلام الذي صار يتهم من دوائر غربية بالإرهاب وبأنكى النعوت... ونجد كذلك يمينة يعقوبي من ولاية قسنطينة وهي طالبة جامعية بمعهد الآداب، فقد عدت حسن نصرالله خليفة المسلمين وبيعته واجبة بلا منازع حسب إعتقادها، بل وصل الحال بجمال عمراني من العاصمة بان جعله هو المهدي المنتظر، بالرغم مما في ذلك من خلاف عقدي بين أهل السنة والشيعة، بل حتى في الفكر الشيعي نفسه...

- ما يسمى أيضا بـ "الإرهاب" والمجازر التي أرتكبت في حق الجزائريين، ونسبتها جهات رسمية إلى "السلفيين الجهاديين" وأتهمت المخابرات بتورطها من طرف ضباط فارين نشروا الغسيل في الخارج، والشيعة ينسبونها إلى ما يسمونهم بـ "الوهابيين" أو "السنيين"... فهذا ما حدث لجزائرية سمت نفسها بشرى، وبالنسبة لأخرى آثرت أن تسمي نفسها "خادمة الزهراء"، وأيضا إلتقينا بعيسى – ج وهو من أبناء منطقة بن طلحة التي حدثت بها المجزرة الشهيرة في 22/09/1997 وكانت محل ضجة عالمية وخاصة بعد نشر شهادة نصر الله يوس في 2000 عن دار النشر الفرنسية لاديكوفارت تحت عنوان "من قتل في بن طلحة، وقائع مجزرة معلنة"، فقد تشيع لما رأى ما جرى من جريمة في حق الإنسانية من طرف من سماهم "السلفيين الوهابيين"، وآخر أيضا تشيع لمجرد أن سمع أحد "الوهابيين" يسب الخميني، ولم يختلف معه كمال الذي سمع آخر يتهم صانع ثورة الشيعة في إيران بأفحش الصفات وأقذرها، دفعه إلى التصدي له وإعلانه للتشيع...

- الوضع الذي آل إليه حال المسلمين في كل العالم من التخاذل والهزيمة، وبروز إيران كدولة "إسلامية" ترفع التحدي من خلال شعارات الخميني ومن جاء بعده، مما دفع الناقمين على هذا الحال إلى الإنتصار لتلك "الثورة" أوصلهم إلى التشيع من دون شك يذكر، مثلا الذي سمى نفسه الدكتور محمد بن يعقوب وهو طبيب جراح حسب ما نشر عنه، إلى إعلان ما سماه "ولاءه لآل البيت"، عل ذلك يرفع الغبن والهزيمة على الأمة الإسلامية كما يعتقد...

- المنام والأحلام والحب والإجتهاد والأخلاق... لها حضورها أيضا في هذا التدين، فقد سجلنا من أن إحداهن سمت نفسها بنت فاطمة، وكانت تدرس في المغرب حيث تشيعت حينها على يد عراقيين، لما رأت في منامها الإمام علي بن أبي طالب ودعاها للتشيع، وأخرى من مواليد 28/08/1982 بولاية عنابة (الشرق الجزائري) وقد سمت نفسها وداد باي العقون فقد تشيعت لأنها رأت في منامها أيضا الإمام الرضا، ولم يختلف عنها المسمى غريبي مراد عبدالمالك فحبه لهذا الإمام ولـ "عقيدة الإمامة" دفعه إلى إعلان تشيعه في مختلف مواقع الأنترنيت، ونجد أيضا المسمى علي مباركية من تبسة قد تشيع بسبب ذكاء وتدين زميل له في الدراسة وكان شيعيا، وآخر سمى نفسه (عبدالحسين الجزائري) قد دفعه للتشيع ما سماه "كذب" شيخ الإسلام إبن تيمية في بعض المسائل وبسبب ما سماه أيضا "إنتقاص" هذا العالم الكبير لدى أهل السنة من شخص الإمام علي بن أبي طالب، ولم يسوق أي نص منسوب لإبن تيمية ولا نحن عثرنا له ما يفيد تلك الإدعاءات الباطلة بلا منازع... أما زرفاوي عبدالدائم وهو من الشريعة (ولاية تبسة) أحد معاقل التشيع الآن وهو طالب في كلية الطب، فقد كان سبب تشيعه حبه لآل البيت، ونجد أيضا ناصري توفيق (ولاية بومرداس) تشيع في سجن الحراش بسبب أخلاق عالية لأحد الشيعة الذي ظل يؤثر الآخرين على غيره بالرغم من حاجته الماسة...

- من أسباب التشيع أيضا هو العلاقات الشخصية في الداخل والخارج، فضلا عن المجلات والكتب التي توزع بطرق سرية، أحدهم سمى نفسه (أبو علي حيدر) تشيع بسبب إذاعة طهران والتي زودته بمجلات "الوحدة" و "الطاهرة"، وقد زار إيران وساعده الملحق الثقافي لسفارة طهران بالجزائر، ومما يجدر تأكيده هنا أن هذا الأخير يقوم بدور تبشيري واسع النطاق، على غرار السفارات الإيرانية في كل العالم وبرعاية مرشد الثورة نفسه، نجد أيضا نورالدين بن جابي من الجزائر العاصمة وهو طالب ثانوي، فقد تشيع بسبب علاقته الوثيقة مع أستاذ يدرسه، وكان يقوم بدور الدعوة للتشيع، بن سعدون جعفر من البليدة فقد تشيع بسبب علاقة جمعته بشيعية عراقية تقيم بهولندا عن طريق الشبكة الإلكترونية، وآخر سمى نفسه (إلياس الجعفري) فقد تشيع بسبب منتديات الأنترنيت التي يدمن عليها...

- الدعم الإيراني ماديا ومعنويا لكل من يريد الإلتحاق بمعاهد الحوزات العلمية في النجف وقم... الخ، وخاصة لدى الشباب العاطل عن العمل الذي أصبح يستغل إستغلالا فضيعا، ومما يمكن ذكره هنا نجد من آثر أن يسمي نفسه (موسى الكاظمي) وقد درس عدة سنوات في قم، ولكنه عاد إلى الجزائر بعدما جمع مالا قدمه له بعض رجال الدين الشيعة، بل أنه أبرز لنا دعم الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية بالجزائر له واستغلاله لظروفه الصعبة التي كادت أن تصل به إلى الإنتحار، وأخرى سمت نفسها نادية من بوسماعيل (ولاية تيبازة) قدمت لها مساعدات لتشتري ماكنة خياطة وتطريز من طرف تاجر شيعي... الخ.

- سجلنا أيضا إنتشار التشيع بين تجار جزائريين يترددون كثيرا على سورية لأجل جلب البضائع، حيث روى لنا تاجر أقمشة سمى نفسه (علي الشاوي) من ولاية باتنة ويملك محلا كبيرا في قلب المدينة، فقد قدمت له مساعدات من طرف مغاربة يقيمون في دمشق، حيث صار يجلب البضائع من دون أن يدفع ثمنها، وبمبالغ خيالية تطورت عبر سنوات قضاها في هذا العمل، وكان من بين ما يقوم به هو الصلاة في معابد شيعية ويجلب الكتب إلى الجزائر ويوزعها لأشخاص محددين ترسل لهم، ويروي الكاتب فريد مسعودي عن أحد تجار الألبسة النسوية الذي قابلهم في ملف أعده، من أن أحد أسباب تشيعه هو ما سماها "أمانة التجار الشيعة" الذين تعامل معهم في سوريا ولبنان، وقد صب جام غضبه – حسب الكاتب مسعودي – على "السنة" الذين وصفهم بأنهم "حمقى" و"متخلفين ذهنيا" و"لصوص"، ليستشهد (ببعض مواقفه مع التجار الشيعة في دمشق الذين كانوا يعطونه سلعهم دون السؤال عن ثمنها إلى غاية عودته من الجزائر وبيعها)...

- تساهل بعض الحركات الإسلامية معهم وتزكيتهم للشيعة من أجل مبررات سياسية في أغلبها، كالوحدة ومحاربة الفتنة والتصدي للعدو والإستعمار... الخ، وهذا الذي نجده في مسيرة ما يسمى بـ "حركة الإخوان" وشيوخها في مصر وبعض البلاد العربية، وفي الجزائر مثلا فقد كان لحركة "حمس" علاقات وثيقة بإيران ولبنان وسوريا وحتى الأردن، حيث يرى الإخوان من ان "التشيع" مذهب خامس من المذاهب الإسلامية والخلاف مع السنة خلاف في الفروع لا في الأصول، وهذا الذي لا يمكن تصوره ابدا، وتم رفضه رفضا مطلقا من أغلب العلماء المسلمين، وخاصة أن الأمر يتعلق بالقرآن والصحابة وعقائدهم الأخرى من تأليه لأئمتهم وعبادة القبور... وهذا الذي إنطلى على العوام عموما، واستساغه دعاة التشيع وحبذوه لما يفيدهم كثيرا في مدهم، ونذكر مجابرية سليم من نواحي ولاية سطيف الذي دفعته مواقف ما يسمى بـ "الإخوان" إلى إعتناقه دين الشيعة، حيث أكد بأنه يحب كثيرا حسن البنا وسعيد حوى ويوسف القرضاوي وآل البيت أولا وقبل كل شيء، دفعه حبه المتيم إلى إعلان ما سماه "إستبصارا" وخروجه من مذهبه المالكي، وقد أكد لنا بعد سنتين رجوعه عما ذهب إليه بسبب إكتشافه لحقيقة التيار الإخواني الذي ينشد السلطة والكرسي على حساب المبادئ والقيم والعقيدة، وهذا ما جعل "المرشدين" من جعل الشيعة الذين يسبون الصحابة ويكفرون بصحة القرآن وينتهكون حرمة بيت الرسول (ص)، مذهبا يساوي مذهب أحمد بن حنبل الذي تصدى لفتنة خلق القرآن كالجبل الشامخ وغيره من جهابذة الأمة – حسب ما باح لنا به -...

- زواج المتعة الذي عده الكاتب فريد مسعودي ونرى نحن أيضا بذلك، من أهم أسباب التشيع المباشرة، خاصة لدى الطلبة والطالبات في الأحياء الجامعية، وسهل للكثيرين إستغلال العواطف الدينية للطالبات والزج بهن في علاقات محرمة لدى الجزائريين ومباحة لدى الشريعة الإيرانية، وهذا الذي سنفرد له حديثا مستقلا في الحلقات القادمة.

هذا البعض مما يمكن استنتاجه من خلال إفادات المتشيعين لنا وفي مواضع مختلفة من الأنترنيت، وأما بالنسبة عن نظرتهم إلى أنفسهم قبل هذا التحول العقدي، فهي نظرة دونية وإحتقار وإتهام وإبتذال وتكفير عند أغلبهم، حيث يرون في "إستبصارهم" هو الخروج من الضلال إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن "الدونية السافلة" إلى "العلو والسمو"، ومن "الشيطانية" إلى "الملائكية"... أما بالنسبة للعوائق التي صارت تقف كحجرة عثرة في طريق هذا المد، فيمكن تلخيصها في مايلي:

- طبيعة المجتمع الجزائري السنية التي ترفض الكثير من العقائد التي يتميز بها الشيعة، وخاصة ما يتعلق بالقرآن الذي يعتقدون بتحريفه، وما يتعلق بالسنة التي يردون أغلب الروايات الصحيحة لدى أهل السنة والجماعة ويتهمون رواتها بالكذب والتدليس، وأيضا بالنسبة للصحابة الذين يعتقد بردتهم باستثناء ثلاثة أو خمسة على خلاف بينهم، ويسبون الخلفاء الراشدين وينسبون لأمهات المؤمنين ما نتعفف عن ذكره...

- بعض الأحداث الدولية التي ساهمت في كشف حقيقة الشيعة وخفايا دعوتهم، نذكر منها مثلا إحتلال العراق والدور الإيراني العميل للمحتل في ذلك، إبادة أهل السنة من طرف الميليشيات الشيعية في العراق وحتى في إيران، إعدام الرئيس العراقي صدام حسين في صباح يوم عيد الأضحى المقدس مما أعتبر استخفافا إيرانيا شيعيا صفويا وأمريكيا بمشاعر المسلمين، وبمختلف مذاهبهم وشرائحهم وإنتماءاتهم... إلخ.

- السلفيون الذين يلعبون دورا بارزا في الكشف عن عقائد التشيع من خلال كتبهم ومراجعهم، وصور ومجلات وملفات ومنتديات عبر الانترنيت، وحتى المناظرات التي توزع عبر قنوات مختلفة من أشرطة ورسائل، حيث استطاعوا أن يميطوا اللثام عن واقع العقيدة الشيعية التي يحاولون دائما إخفاءها عن طريق "التقية" التي تعتبر عصب التدين عندهم...

- حرص بعض الأجهزة الرسمية التي تتخوف من المد الإيراني على التضييق عليهم، وتخويفهم من خلال سماعهم في محاضر رسمية أو توقيف بالنسبة للمعلمين والأساتذة الذين ثبت عليهم نشاطهم الدعوي، كما حدث في الجزائر عندما أقدمت وزارة التربية على توقيف 11 موظفا يمارسون التدريس وتحويلهم إلى مناصب إدارية في نهاية السنة الماضية، وبقرار من الوزير بن بوزيد شخصيا، وأيضا ما يحدث في المغرب من محاكمة لما يسمى بـ "أنصار المهدي"... الخ.

للتذكير فقط من أن الشيعة في كل أنحاء العالم وفي الجزائر بصفة خاصة حيث محدودية تواصلهم، تجدهم يحرصون كل الحرص على حماية أنفسهم من إختراق الآخرين لهم، وهو ما حدث لنا عام 2005 لما طلبنا من موقع الشيعة الجزائريين دعمنا في إنجاز بحث عن الشيعة والتشيع في الجزائر، ليتم منعنا من الدخول والإعلان عبر منتدياتهم المختلفة من أنني "رائد وعميل في المخابرات الجزائرية" أريد الإيقاع بالمتشيعين، غير أن ذلك دفع البعض ممن يبحثون عن الحقيقة التواصل معنا وبفضلهم وصلنا لكثير من الحقائق، بل أن الأمر وصل حد إتصال تلقيناه من دمشق لشيعي قدم لنا نفسه من أنه ممثل لرجل الدين والمرجع الشيعي العراقي الأصل والإيراني الإقامة محمد تقي المدرسي، يقترح الدعم الكامل ماليا ومعنويا لطبع الكتاب بشرط أن تتم مراجعته من طرف شيخه وحاشيته...