نعم هي ثورة الشعب السوري

نعم هي ثورة الشعب السوري

عقاب يحيى

هل هي ثورة شعب بكل مكوناته لأجل الحرية والكرامة.. أم بعضه ؟؟...

هل المعني بالثورة فئات بعينها دون الآخرين ؟؟..

هل ما يسمى بالمكونات، أو " الأقليات" جزء منها ؟؟، أم خارجها ؟، أم بالتعارض معها ؟..

هل هي ثورة " أهل السنة" ضد " اهل الأقليات" .. وعلى سورية السلام ؟؟....

***

الثورة في منطلقها، وسيرورتها وجوهرها  هي خلاصة توق السوريين، كل السوريين، للحرية والحياة الكريمة، بغض النظر عن موقف آني لهذا الشخص أو ذاك، تلك الفئة أو المجموعة :  قبولاً أو رفضاً . وهي التعبير الأسمى عن الكرامة والحرية المفتقدتان بفعل طغمة الاستبداد والفئوية والفساد ، وقد جسّدت ذلك في انطلاقتها، وشعاراتها، وسيرورتها على مدار عمرها، خاصة في أشهرها الأولى حين كانت السلمية طابعها ووسيلتها، والحرية غايتها الواضحة .

ـ على مدار البدايات.. استقبلها كثير بالترحاب والأمل، بما فيهم أعداد مهمة من المكونات الدينية والمذهبية، ونعرف هنا أن مدينة سلمية المحسوبة، عموماً، على الطائفة الإسماعيلية، والمختلطة واقعياً، والسياسية بامتياز، التحقت ، بل شاركت بالثورة منذ اليوم الأول، رغم شعور أبنائها بالتجاهل، والغبن الإعلامي وغيره.. ولم يك الأمر أبداً حالة فئوية لأكثرية ضد أقلية ..ولا التحاقاً ثانوياً، أو على الهامش، رغم أنها لم تتعرّض تماماً لما تعرضته المدن الأخرى من تدمير وقتل، وإن نالت حصة لا بأس بها في الشهداء والمعتقلين والمطاردين .

كما أن أعداداً هامة من المسيحيين والعلويين والدروز كانوا في ركبها تحضيراً، وتبشيراً، وانخراطاً... غير أن التطورات التي فرضها النظام المجرم باستخدام العنف الوحشي، واستهداف مناطق بعينها، هي على العموم سنية، وهي الأكثرية في الشعب السوري، ووجود بعض ردود الفعل، وضعف المعارضة المثقلة بأزمات الماضي، وتوابع اللهاث للحاق بالثورة، وتفرق الحراك الشبابي، واغتيال وتصفية واعتقال، او خروج معظم الناشطين الأوائل الذين كانت لهم اليد الطولى في تفجير الثورة وقيادتها، وتفصيح هويتها وشعاراتها..واللجوء إلى الدفاع عن النفس والعرض والممتلكات والمظاهرات.. فظاهرة المقاومة المسلحة الردّ، والفعل.. جميعها عوامل كان لها تأثيرها في تراجع منسوب مشاركة بعض المناطق التي تسكنها المكونات الدينية والمذهبية، ونجاح الطغمة في تعبئة القاعدة الشعبية لدى عموم العلويين، وأجزاء مهمة من المسيحيين والدروز.. وتماسك المؤسسة الأمنية والعسكرية، واصحاب القرار، وتوجيه ضربات لئيمة للمدن والمناطق السنية.. وبعض العمليات الإبادية المبرمجة.. والاغتصاب المنهج، والفتك المجرم بالبشر والمدنيين والبنيان والشجر .. بما رفع منسوب التوتر الطائفي وغليانه لدى بعض الجهات حديثة العهد بالسياسة، أو المصابة بكومة من النكبات وردود الفعل، ودخول قوى متطرفة على الخط راحت تستثمر هذه الأوضاع وتوظيفها في مشروع ديني، أو مذهبي مقابل، خاصة وأن ذلك اقترن مع تطورات مهمة في الجانب التسليحي، وانتشار عديد الكتائب المسلحة بفكر جهادي، ومتطرف يرى فيما يجري معركة ضد الكفر، أو ضد آخر غير مسلم، أو غير سني، بينما تمضي الطغمة في دفع قطعان الشبيحة لارتكاب الموبقات التي تثير ردّ الفعل، وتجعل الدماء تغلي في العروق ..

***

بعيداً عن التبرير، وعن العوامل التي تجعل الكتلة الأكبر من الطائفة العلوية والمحسوبة على الدروز، أو مناطق السويداء وجبل العرب، بما فيهم السنة والمسيحيين، وعموم المسيحيين في البلاد.. في موقف التأييد للطغمة ورفدها بمزيد القتلة والشبيحة، وممارسة الفعل الطائفي المنظم، أو الحياد .. فإن المسؤولية تقتضي ممن يحمل الثورة في أوردته وضميره وصدره، ويمارس فعل القيادة فيها أن يحافظ على الوحدة الوطنية في حدقات العيون، أيّاً كانت التحرشات والأفعال التي تبغي دفع الثوار إلى وهاد وحضيض الفعل الطافي والاقتتال العمودي الذي يشرخ مجتمعنا، ويقسم بلادنا، ويحاصر الثورة في مناطق معينة.. لجعلها ثورة أكثرية ، مثلاً، ضد " أقليات".. وهو ما تريده الطغمة وقوى عديدة إقليمية وخارجية .

ـ وعلى سبيل المثال فإن فهم واقع " الحالة الدرزية" وابناء السويداء، واسباب عدم التحاقهم بكثافة في الثورة.. كانت تحتاج، وبوقت مبكر، إلى الاهتمام الجدي من قبل الثوار والسياسيين، والمجلس الوطني، والإئتلاف ، اخيراً، قبل توزيع الاتهامات والتصنيفات والأحكام، أو الخطابات السطحية، والبيانات الشكلية التي لم تدخل عمق الإشكال، وتخترقه، وكذا الحال بالنسبة لعموم المسيحيين، وبتركيز أكبر فيما يخص الطائفة العلوية وأسباب التفاف معظمها ـ للآن ـ حول النظام المجرم.. وتلك مسؤولية حيوية يجب تستحق تشكيل اللجان المختصة لها حتى لو كان الوقت متأخراً ..

ـ الثورة السورية الأصيلة، التي أفصحت مراراً عن مكنونها السياسي والمجتمعي.. تعاني اليوم من تحديات خطيرة، بعضها منتج من بعض أطرافها المحسوبة عليها، وبعضها دخيل ومُقحم بفعل الضغوط ومحاولات التشويه، والدفع نحو حافة الهاوية من قبل طغمة محترفة بالخبث والعمل الأمني، والتنتيف والتفتيت وزرع الفتن.. لذلك فإن الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة يجب أن ينهض اليوم بمهامه الاستراتيجية في تعزيز بنيان الوحدة الوطنية وفق رؤية سياسية ومهمات عمل مبرمجة، وتفصيح جوهر الثورة، كثورة للشعب السوري، وجوهر مشروعها الديمقراطي في الدولة المدنية، دولة الحرية والمساواة لجميع المواطنين مهما اختلفت منابتهم وأصولهم واتجاهاتهم، والعمل على اختراق واقعي لتلك المكونات في عمقها لضمان التحاقها في الثورة، وتجسيد مبادئ السلم الأهلي والتسامح، ومحاكمة المتورطين بالقتل دون أن يعني ذلك العقوبات الجماعية، أو الاستئصال، أو الاستهداف على أساس الدين والمذهب والقومية .

ـ الثورة السورية، وأمام الافتراءات، والتضخيمات التي تقوم بها جهات عديدة، بما فيها عديد المؤسسات والدول الغربية التي تصف ما يجري بأنه حرب طائفية بين السنة والشيعة، أو السنة والعلويين.. تحتاج ممن يمثلها تقدّم الصفوف بخطاب واضح دائماً لا لبس فيه، ومقاومة التطرف أيّاً كان دوره وتبريره، وطرح مشروع المصالحة الوطنية ونشره على نطاق واسع، وتشكيل لجنة من أعضاء الإئتلاف لتولي هذا الملف الحيوي .