بين السياسة والمبادئ
بين السياسة والمبادئ
طلال عبدالله الشواف
إن تغير نبرة حديث المجرمين الداعمين للنظام ( إيران وروسيا والصين) يدل بشكل واضح على تغير في سياساتهم، وهنا لا بد من طرح سؤال غاية في الأهمية (من وجهة نظري طبعاً) ولا بد من الإجابة عليه بمنتهى الوضوح، ولعل التعارض الكبير بين موقف السياسي وموقف صاحب المبادئ هو الذي يعطي الموضوع أهميته.
إيران تطرح مبادرة، وروسيا تدعو رئيس الائتلاف لزيارتها، والأخضر (مكوك الحايك) يحمل مبادرة هذا أو يبشر بأفكار ذاك، وأمريكا التي لا يجب أن نغفل عن دورها لحظة واحدة من وراء الجميع كمحرك أساسي لسياسة الغرب، وكل هذا يجري على أصوات دوي انفجارات البراميل والصواريخ، وأمام مشاهد المجازر التي ما شهد التاريخ لها مثيلاً، وبين أطلال المدن، وجحافل النازحين، وغير ذلك من الآلام.
والحالة هذه كيف يكون التعامل مع (الواقع)؟ المجرم السفاح الذي أمد عصابة الأسد بكل أسباب القوة، وكان سبب طول أمد معانة الشعب وكثرة آلامه، يتصدر اليوم الموقف السياسي وهو يلوح بورقة الحل، والشعب المصابر المكافح تزداد كل يوم تضحياته وآلامه ينتظر يوم الخلاص.
السياسي يقول أنه لا ثوابت في السياسة، ولا قيود على الحوار، وأن عدو الأمس قد يكون صديق اليوم، وصاحب المبادئ يقول إن أي حوار مع أمثال هؤلاء إنما هو في حقيقته حوار مع النظام ذاته دون أي فرق، فإن إيران وروسيا والصين شريكة في جريمة قتل الشعب وتدمير سورية، وكان النظام – المتفق معها المستفيد منها – ينفذ جرائمه بما تمده به من مال وسلاح وإمكانات وخبرات وغطاء سياسي.
صاحب المبادئ يقول أنه لولا أن لاحت في الأفق بوادر سقوط النظام (وقد لا يكون هذا السقوط سريعاً) لما تغيرت مواقف الأعداء، فلماذا لا نكمل الطريق دون حوار مع عدو الأمس؟ وهو طالما غير اليوم مواقفه التي ثبت عليها لسنتين فهو لا بد سيقدم تنازلات أكبر بعد أيام، والسياسي يقول لو حققنا بعض المكاسب من حوار عدو الأمس، لو أنقذنا البلاد من مجزرة جديدة، لو أنهينا هذه المأساة ولو قبل يوم أو أسبوع؟ أليس في هذا كسب للثورة؟
السياسي مقتنع تماماً أن الحل لا يمكن أن يكون دون إشراك صناع القرار، فأنت لست وحدك في هذا العالم، وأنك شئت أم أبيت بحاجة للتآلف والتعايش مع المنظومة الدولية، وهذا يفرض عليك أن تبقي كل النوافذ والأبواب مفتوحة، وأن يكون مقياس تعاملك مع الغير هو كم ستحقق من مصالح وكم ستتجنب من خسائر بغض النظر عن مواقف الأمس فنحن أبناء اليوم، بينما يرد عليه صاحب المبادئ قائلاً ولماذا أكون دائماً تابعاً إمَّعة؟ لماذا أعتبر نفسي دائماً بحاجة للغير ومضطراً لهم؟ ألست أنا أحد أطراف المنظومة وأحد الفاعلين والمؤثرين فيها؟ ألا يمكن أن يكون لي رأي وأن أكون يوماً صاحب قرار؟
كثيرة هي المقارنات بين ما هو سياسي وما هو مبدئي، لكن هناك سؤال يلح على الخاطر، أليس من الممكن الجمع بين المفهومين؟ وأن يكون هناك (سياسي ذو مبدأ)؟ ثم لماذا يحاول السياسيون إفهامنا – نحن المبتدئون في السياسة – أنه لابد من تعارض المبادئ مع السياسة، وأنه في حال تعارضا فإن السياسة حتماً ستكون الفائزة ولا بد من تغييب المبادئ أو تنحيتها جانباً على أقل احتمال، لماذا علمونا وأفهمونا أن الكذب والمراوغة والتحايل والفساد هي صفات ملازمة للسياسي المحنك، وأن الصدق والنزاهة والتمسك بالمبادئ هي صفات مقبولة وحميدة في كل الناس إلا السياسي؟
إن كل علوم الدنيا لها ثوابت وأسس تقوم عليها وتنطلق منها، والسياسة كعلم من العلوم أليس ينطبق عليها ذات القانون؟ فلماذا يستهجن على السياسي أن يكون صاحب مبدأ؟ وأن ينطلق في ميدان السياسة من ثوابت وقيم وأخلاق؟ خصوصاً وأن قيمنا وثوابتنا نحن المسلمين تنظم حياتنا وتفكيرنا وعلاقاتنا، فالإيمان بالله المحيي المميت القاهر القادر الغني المعين الرزاق المعطي من عقيدتنا، والنخوة والمروءة والشجاعة من شيمنا، ونصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم من مبادئنا، والكذب والزور والخديعة والتدليس ونقض العهد من منافيات إيماننا. ألم يحن الوقت لتعلم الدنيا بأسرها أننا قوم أصحاب شخصية متميزة حتى وإن كنا في ضعف وشدة وفاقة، نأنف التقية، ونكره النفاق، ونحذر الخِبَّ أن يخدعنا، ولا نلدغ من جحر واحد مرتين.
في حالتنا وعلى مدى العشرين شهراً الماضية كشفت الثورة السورية بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداءنا أهل ثوابت وأصحاب مبادئ، فقد كلفتهم مواقفهم المؤيدة للنظام المجرم الكثير، خصوصاً إيران الفارسية المجوسية، ألم تهبط قيمة عملتها؟ ألم تكشف عن مخططها المستور الذي كانت تواريه عن المسلمين خديعة وتقية؟ ألم تضع سمعتها في مهب الريح؟ ألم تزج برجالها ومفكريها وساستها في أتون المعركة؟ فإذا كان هؤلاء يتصرفون بمبدئية وحسب ثوابت حاولوا حتى اليوم أن يكونوا أوفياء لها، فلماذا يطلب منا نحن - أصحاب الحقوق - أن نستعد لتقديم التنازلات وأولها أن نحاور أعداءنا الذين شاركوا فعلياً في قتلنا وإطالة أمد معاناتنا، وأن نشركهم في صنع قرارنا؟
ترى .. لو رفعنا رأسنا عالياً، وأعلنا بكل صراحة ووضوح أننا نعتبر إيران وروسيا والصين (أعدى أعداء الشعب السوري) وأننا كثوار لا يشرفنا ولا نقبل أن نحاورهم ولا حتى أن نشارك بحوار هم فيه، وأن لا علاقة معهم ستقام حاضراً، وأن قرار إقامة علاقات معهم سيحال إلى مجلس الشعب في المستقبل ليكون الشعب الذي عانى منهم هو صاحب الكلمة في هذا الأمر، وأنه حتى لو تعاملنا معهم في المستقبل فلن يكونوا أبداً كمن ساعدنا وآزرنا ولو بالكلام، بل لن يكونوا حتى بمستوى من وقف من ثورتنا على الحياد. لو فعلنا ذلك ألا نكون قد نصرنا ثورتنا وشعبنا وتضحياته؟ بل ألا نكون قد شكرنا مواقف من أعلن أنه صديقنا منذ بداية الثورة ولا يزال يعلن؟
أليس هذا من السياسة؟