صرخة استغاثة لمجلس القضاء الأعلى

حسام مقلد *

[email protected]

شهدت ساحة القضاء المصري قبل أيام جريمة نكراء زلزلت ضمير كل مصري يحب هذا الوطن ويخشى عليه، فقد قام نفر من رجال النيابة العامة بمحاصرة معالي النائب العام السيد المستشار (طلعت عبدالله) في مكتبه بدار القضاء العالي، وأجبروه على تقديم استقالته «تحت تهديد السلاح» وهذه السابقة الخطيرة في تاريخ القضاء المصري تُعَدُّ بكل المقاييس جريمة منكرة يندى لها الجبين، وتستوجب من السادة القضاة جميعا وقفة حازمة وقرارا صارما للتصدي لها، لكن العجب العجاب أن بعض أعضاء نادي القضاة رحبوا بهذه الجريمة البشعة التي تدشن لشرعة الغاب، بل ودعوا للاحتفال بها!!

إن جميع الأمم تحرص على أن توفر للقضاء كافة الضمانات التي تحقق له الاستقلال والكرامة والنزاهة والحصانة وحرية الإرادة، وهذا طبيعي لتحقيق العدالة وتوفير مناخ الثقة المطلقة في القائمين عليها حتى لا ينال نزاهتهم أي جرح أو تشكيك بأي شكل من الأشكال، فهل يمكن أن يكون بين أوساط القضاة ورجال النيابة العامة التي تنوب عن الشعب في التصدي للجرائم من يمارس مثل هذه الجريمة التي يمارسها البلطجية والخارجون على القانون؟! وماذا لو أصبح ذلك المسلك المشين أسلوب ومنهج أي مجموعة في مصر تريد إقالة مديرها أو رئيسها في العمل؟!

لقد قدم لنا نفر من رجال النيابة العامة ـ أيا كانت مسوغاتهم وبغض النظر عن محتواها ـ منهجا جديدا في الاعتراض على أية إجراءات أو قرارات يتخذها أي مسئول في أية جهة وهو منهج القوة وفرض الرأي تحت تهديد السلاح، فلو اعترضت أي مجموعة على أي قرار اتخذه رئيسها ما عليها إلا أن ترهبه وتجبره تحت تهديد السلاح ليتراجع عن قراره وإلا (...!!) وطبعا سينصاع لها ويفعل ما تريد(...!!) وعندئذ تتحول البلاد إلى فوضى، وتصبح مصر غابة يقطنها ملايين الوحوش يأكل فيهم القويُّ الضعيف!!

إن شعب مصر يستصرخ ضمائر الأغلبية الساحقة من قضاة مصر الشرفاء ومجلس القضاء الأعلى (حصن العدالة المصرية) ويسألهم:

هل يجوز إكراه أي موظف أو أي شخص في مصر على تقديم استقالته تحت تهديد السلاح أيا كانت مسوغات ذلك؟! هل تقبل العدالة المصرية الموقرة أن يشارك بعض أبنائها في عمل خارج عن القانون كهذا؟! ثم كيف يسمح المجلس الأعلى للقضاء بأن تمارس قلة من القضاة السياسة وتزج بالقضاء في المعترك السياسي بهذا الشكل المزري، وتتصرف دون مسئولية منطلقة من قناعاتها السياسية فتناصر فصيلا سياسيا معينا على حساب آخر؟! ألا يقدح ذلك في حيدة القضاء ونزاهته؟! ألا يسيء ذلك إلى الجموع الغفيرة من القضاة الشرفاء؟!

يا قضاة مصر وتاج عزتها وفخارها هل ترضون أن تتعدى قلة من أبناء القضاء المصري على النائب العام وتحاصر مكتبه وتجبره على تقديم استقالته تحت تهديد السلاح؟! هل يسكت القضاء المصري الشامخ على هذه الجريمة ويقبل النتائج المترتبة عليها؟! وماذا لو أصبحت هذه سابقة يقتدي بها المجرمون وتجار المخدرات والجواسيس والخونة وغيرهم؟! ماذا لو اعترض أحد على حكم أي محكمة فلجأ أنصاره للسلاح لتهديدها وإجبارها على حكم معين واحتج بأن هذا هو عين شرعة القضاة التي استخدموها فيما بينهم وارتضاها وسكت عنها شيوخهم؟!

ماذا لو اعترض طلاب جامعة ما على رئيس جامعتهم ثم لجؤوا للعنف لإجباره على الانصياع لهم تحت تهديد السلاح؟! وماذا لو ظن طلاب فاشلون أن أستاذهم يضطهدهم أو يتعنت معهم فأرهبوه وهددوه بالسلاح؟! ماذا لو اعترض جمهور أحد الأندية الرياضية على نتائج مباراة ما فاستخدموا العنف وتهديد السلاح لإلغائها؟!

ماذا لو ظن أهل مريض ما توفي في المستشفى أن سبب وفاته إهمال أو خطأ طبي فحاصروا المستشفى واعتدوا على الطبيب واستخدموا العنف معه؟! وماذا لو استخدمت مجموعة من المراهقين أسلحتها لتهديد وإرهاب الفتيات؟! وماذا لو...؟! وماذا لو...؟! وماذا لو...؟!

هل يرضى مجلس القضاء الأعلى أن يتم تدشين عصر البلطجة وشريعة الغاب في مصر على أيدي نفر من القضاة وباسم استقلال القضاء؟! أترضون أن يتم ذلك بموافقتكم وباسم العدالة؟! وكيف سيحكم التاريخ عليكم؟!

إن النيل من القضاء وهدم هيبته لن يستفيد منه أحد في مصر، فإذا لم تحترم هيبة القضاء من رجال القضاء أنفسهم قبل غيرهم فالبديل هو الفوضى وسيادة شريعة الغاب فهل هذا هو ما يريده أولئك النفر من القضاة الذين تورطوا في السياسة وغرقوا في بحارها المتلاطمة الأمواج فافتعلوا المعارك عبر الصحف والفضائيات ووسائل الإعلام؟! وماذا يريد هؤلاء؟! هل يريدون تقويض أسس الدولة وهدم القانون ليكون هذا هو الباب الذي يلج منه أعداء مصر لإشاعة الخراب والفوضى في أرجاء الوطن؟!

إن احترام القضاء وهيبته هو الضمانة الحقيقية والوحيدة ليعيش الناس بأمان مطمئنين على أرواحهم وذويهم وممتلكاتهم لا يتعدى أحد على حقوق أحد، ويُطبَّق القانون على الجميع دون أي استثناء، ومن هنا يرجو المصريون أن يصدر مجلس الأعلى للقضاء بيانا يستنكر فيه بشدة هذه الجريمة التي ارتكبها قلة من رجال النيابة العامة، ويندد بها وبمرتكبيها فنحن لا نعيش في غابة، كما يجب التحقيق فورا في هذه الجريمة الخطيرة وإنزال أقسى العقاب بمرتكبيها لبث الطمأنينة في نفوس المصريين جميعا.

أيها السادة الموقرون الشرفاء (مجلس القضاء الأعلى) ترجوكم جموع الشعب المصري للوقوف في وجه البلطجة باسم القضاء... ويدعوكم جميع أبناء الشعب المصري لرفض استقالة معالي النائب العام السيد المستشار (طلعت عبد الله) حتى لا ندشن عصر الفوضى، ولا نكرس منطق فرض الرأي (بقوة الدراع) تحت تهديد السلاح.... أيها السادة مستقبل مصر وأبنائها أمانة بين أيديكم، ونحن نثق فيكم وفي نزاهتكم ونقاء وطهارة ضمائركم... وفقكم الله لنصرة العدل وحماية الحق وفعل الخير والصواب للحفاظ على مصر وشعبها من قانون الغاب... اللهم آمين.

               

 * كاتب إسلامي مصري