قضية فلسطين على مذبح المقاومة الأسدية

من قبل تل الزعتر إلى مخيم اليرموك

نبيل شبيب

من قبل مذبحة تل الزعتر التي ارتكبها الأسد الأول جهارا نهارا، بدأ مسلسل „إنجازات“ حكم العصابات الأسدية في سورية على صعيد قضية فلسطين المحورية المركزية، وهو المسلسل الذي نشهد هذه الأيام آخر حلقاته الإجرامية التي ينفذها الأسد الثاني في مخيم اليرموك قبيل سقوطه.

أين هي منظمة „الصاعقة“ الفلسطينية التي نشأت على أرض سورية قبل العهد الأسدي الإجرامي؟..

آين هي معسكرات الفدائيين في أرض سورية؟..

ما الذي صنعه الأسد وحلفاؤه في لبنان عبر حرب المخيمات وتقسيم منظمة فتح إلى قسمين؟..

هل كان إخراج المقاومة المسلّحة الفلسطينية من أرض لبنان بعد أرض سورية إلا حصيلة تكامل الأفاعيل الأسدية والإسرائيلية معا؟..

ألم يكن ذلك -مع تعهدات مستقبلية- „ثمن“ السيطرة الأسدية على لبنان بمباركة دولية وإقليمية؟..

هل تركت العصابات الأسدية مجالا لحمل السلاح تحت شعار „المقاومة“ إلا لمن التقت معهم على أرضية عقدية وفكرية لتنفيذ مشروع هيمنة استبدادية من قلب طهران إلى ضاحية بيروت؟..

هل كان احتضان منظمة حماس في دمشق يتجاوز حدود وجود إعلامي وسياسي بعد أن تأسست حماس خارج الحدود السورية ومع حظر أي وجود مسلح على الأرض السورية؟..

 

لا يحتاج أهل فلسطين الصادقون المخلصون ولا يحتاج أهل سورية وسائر العرب والمسلمين المخلصين لقضية فلسطين، إلى البحث طويلا عن أجوبة، فالأجوبة لديهم، ولم يكن مسلسل الجرائم الأخيرة في مخيمات الرمل واليرموك وفلسطين وأخواتها إلا حلقة أسدية موروثة مجرما عن مجرم.

ويجب أن „نعترف“ بأن الأب كان مبدعا في وضع دوره الإجرامي بحق فلسطين شعبا وأرضا وقضية تحت عناوين مضللة مخادعة، من مقاومة وممانعة وقومية (قلب العروبة النابض) وهو ما بلغ مداه الأكبر الأول في حرب 1973م، التي جعل تضحيات المقاتلين في سورية فيها مدخلا إلى „تحريم“ أي عمل لتحرير الجولان مثلما صنع السادات في مصر فجعل تضحيات المقاتلين مدخلا إلى التبجح بزيارة القدس وفتح صفحة التطبيع مع الاحتلال والاغتصاب.

ويجب أيضا أن نعترف بأن الابن لم يتقن فن التضليل، أو لم تدعه ثورة الأحرار الأبرار في سورية يواصل التضليل، حتى وصل به الإجرام إلى استخدام الدبابات والصواريخ والقنابل والطائرات والشبيحة جهارا نهارا في إراقة الدم العربي، الفلسطيني والسوري معا.. واستمرّ على ذلك حتى بعد أن بلغ به الإجرام لحظة الحشرجة الأخيرة.

 

لا ينبغي في هذه الجولة التي تعانق فيها الدم الفلسطيني والسوري المضيّ مع مقولات تميّز بين فلسطيني وسوري، أو فلسطيني وفلسطيني، أو سوري وسوري، مهما كان شأنها، بما في ذلك اعتبار احتضان الأهل للأهل في المحنة، وحتى تقديم الدعم الواجب المتبادل، „مبررا“ لتشغيل آلة القتل الأسدية على حساب الجميع، فقد وحّدهم التاريخ والحاضر والمصير، ولا ينبغي القبول بتمزيق الجسد الواحد بمنظور التفرقة والتجزئة التي ورثها الاستبداد المحلي عن الاستعمار الأجنبي فأكمل طريقه.. إلى أن اندلعت ثورة الربيع العربي ضدّه.

لقد كانت قضية فلسطين قضية القسام من جبلة في سورية مثلما كانت قضية الحسيني من فلسطين، وكذلك قضية سورية اليوم فهي قضية محمد الدرّة من فلسطين مثلما هي قضية حمزة الخطيب من سورية.

إنّ الذين يعملون على اختطاف ثورات الشعوب العربية ومنها الثورة الشعبية في سورية إنّما يخدمون بذلك اغتصاب فلسطين ويخشون من الربيع العربي على مصير اغتصاب فلسطين، وإن كلّ من يمضي معهم على هذا الطريق، مهما كانت أسبابه، يضعون أنفسهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون في خدمة ترسيخ اغتصاب فلسطين.

ولئن كان هذا متوقعا من كلّ عدو للعروبة والإسلام وقضايا العروبة والإسلام جميعان فلا يمكن القبول به من المخلصين لهذا القضايا وإن تعدّدت المنطلقات وتباينت السبل..

 

ولهذا نتوجّه إلى أهلنا أولا في كلّ مكان وفي كلّ موقع:

يا أهلنا من العروبيين.. من القوميين العرب.. أنتم في مقدمة من تعتبرون فلسطين وقضية فلسطين -كما نعتبرها- هي القضية الأولى، وهي المعيار الحاسم لصدق كل انتماء قومي أو ديني أو حضاري أو فكري إلى هذه الأمة..

يا أهلنا.. حتى متى ترون الدم العربي الفلسطيني والسوري يراق وأنتم لا تعلنون موقفكم صريحا مدويا، كما صنع رائد صلاح من قلب الأرض المحتلة عام 1948م، وهو يرفض المزاعم الأسدية، التي تريد أن تفتري على قضية فلسطين لتبرير الجريمة الكبرى الجارية حتى الآن في سورية، فتلقي فوق الدماء المراقة رداء „تحرير فلسطين“، وآنتم تعلمون -أو ينبغي أن تعلموا- من تاريخ الأسدين المتعاقبين منذ أكثر من 40 سنة، أنه لم يصنع أحد -ربما باستثناء السادات- مثلما صنعا للمتاجرة بقضية العروبة والإسلام والحضارة والإنسانية؟!..

يا أهلنا.. نحن لا نجهل وأنتم لا تجهلون بوجود „مؤامرة دولية“، ولكنها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السياسات الأسدية والساداتية والمباركية والقذافية وغيرها من السياسات الاستبدادية القمعية، التي رسّخت الفرقة والتخلف، فرسّخت العجز عن خوض معارك التحرير في فلسطين وسواها.. فمنذا الذي يرى معالم المؤامرة ثم لا يعمل للتلاقي على قواسم مشتركة من الإخلاص لقضايا التحرر والوحدة والتقدم، لتكون المواجهة ويكون إحباط المؤمرات ويكون العمل لصناعة المستقبل، ممكنا بتلاقي الجهود والطاقات.. مهما بلغ حجم الاختلاف في الرؤى ومهما كان مفعول الشكوك والتشكيك من إرث الماضي وجولاته التي رسّخت الاستبداد الإجرمي مع التفرقة، والتبعية الذليلة مع التخلف، والاغتصاب والاحتلال مع الهيمنة والفساد.

إنّ الثورة في سورية وأخواتها منتصرة، بفضل الله وفضل الضحايا من أبنائها على اختلاف انتماءاتهم وجنسياتهم ومواطنهم ومواقعهم ومخيماتهم.. ولم يعد السؤال: هل يفيد الوقوف مع المستبدين بدعوى المقاومة والممانعة، إنما السؤال هو عن مصير من يمتنع عن المضيّ مع الثوار للمشاركة في بناء المستقبل.. مستقبل المقاومة والممانعة والتحرير والوحدة والتقدم.