العلمانية والثورة
أبو طلحة الحولي
انطلقت الثورات في البلاد العربية وشارك فيها جميع الأطياف من العلمانيين والإسلاميين ، وكان من المفترض أن تخفف هذه الثورة المباركة حدة العداء بينهما ، وتشق قنوات جديدة للاتصال بينهما ، وخاصة أن العلمانيين يتشدقون بالديمقراطية والحرية ، ولكن أثبتت الأيام أن هذا التزاوج بين العلمانيين والإسلاميين لا يكتب له القبول ، مهما تلونت المسميات وتعددت الفلسفات في التقارب بينهما ..
وذلك أن الشعوب بشكل طبيعي مسلمة .. في قيمها وأخلاقها وتصوراتها ومبادئها وحياتها وأكلها وشربها ونومها ..
والعلمانية هي التي أفرزت أولئك الحكام الظلمة والطواغيت ، فكانت تحتكم إلى العلمانية وان لم تكن تتشدق بذلك .. إذ أي حكم لا يحكم بما أنزل الله فهو حكم علماني بغض الطرف عن مسماه ، فحزب البعث في سوريا حزب علماني .. يفصل بين الدين والدولة ، وينتهج منهجا بعيدا عن خصائص الإسلام ومقوماته وتصوراته ومبادئه وأحكامه ..
وعندما تم تشكيل لجنة تعديل الدستور في مصر برئاسة المستشار طارق البشري لتعديل ما أجمع عليه الثوار من مواد كانت سببا في إفساد الحياة الاجتماعية والسياسية ، حدثت الانقسامات وطفت على السطح العداوة المدفونة بين الصدور ، وانطلق العلمانيون في تأجيج الصراع وإثارة الإعلام بشأن هوية مصر الإسلامية ، بحجة أنها تعارض مبدأ مدنية الدولة .
وما نراه الآن في مصر من الوحدة والالتحام بين الفلول ( ضد الثورة ) والعلمانية ( التي سارت مع الثورة) ، دليل على أن العلمانية لا تعرف وطنا بل هي أبعد الناس عن الوطنية والمواطنة ، وليس لها مبدأ سوى مبدأ التبعية فهي والفلول منطلقهما واحد وان تعددت المسميات والطرق !!!
إن الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين ليس خلافا سياسيا وان بدا ذلك في ظاهره .. إذ لا توجد سياسة ـ مهما كان نوعها ـ من غير هوية ..
إن هوية الثورة أمر ذو أهمية كبرى في حياتها ومستقبلها ، والسبب الحقيقي لعدم تدخل العالم لإنقاذ سوريا هو هويتها الإسلامية السنية ، فلو كان غالبية الشعب السوري ذو هوية علمانية لتدخل الغرب بقوة ، ومنذ أول يوم ، ولكن لأن الشعب السوري مسلم سني لا يتدخلون ، وهاهم يتفرجون على الدماء والمذابح والمجازر بلا أدنى مبالاة ينتظرون البديل المناسب لهم ..
ووضوح هذه الهوية منذ البداية أمر مهم جدا في كتابة تاريخ مستقبل الثورة ، ومستقبل الاجيال القادمة ، ومستقبل العالم .
فلا تنازل عن الهوية .. ولا أنصاف حلول حول إبعاد الهوية من أي حراك او نقاش او وثائق ..
فالثورة التي تحمل صفة العلمانية لا تثمر الا استبدادا لأنها تصب في مصلحة الغرب ومتوافقة معه .. والغرب وان تشدق بالديمقراطية إلا انه عدو للإسلام .. ويحاربه بمسميات مختلفة .. والمحصلة النهائية لهذه الثورة العلمانية هي الضنك والشقاء للمواطن والإنسان ..
أما الثورة التي تحمل صفة الإسلامية لا تثمر إلا عدلا لأنها تصب في مصلحة الإنسان كإنسان وليس كمصالح ، وبالتالي لا توجد تبعية ولا عبودية إلا لله الواحد الذي خلق الإنسان .. فلا يتجه للغرب ولا للشرق .. فعلمانية الغرب وشيوعية الشرق هي التي دمرت حياته ومزقت روحه وجسده ، فعاش في اغتراب نفسي ، وكذلك المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع مغترب عن الواقع الفطري للإنسان ، منفصل عن معتقداته وأخلاقه ومبادئه ..
والمحصلة النهائية لهذه الثورة الإسلامية السعادة والحياة الطيبة للمواطن والإنسان في أي مكان في العالم .
فكيف يلتقي ثوار العلمانية وثوار الإسلام في خندق واحد ؟
وقد يقول قائل إن هذا إقصاء للطرف الأخر !! وحجز على حريته وفكره !! وهذه مقولة حق أريد بها باطل .. فالخلاف لا يكون في الجوهر وإنما في الشكليات .. فإما أن تكون مسلما أو لا!! وإما أن تحتكم إلى الشريعة أو لا !! وإما أن نتوجه إلى الكعبة المشرفة فنصلي معا أو لا !!
هناك أسس وثوابت وهناك متغيرات .. في الأولى نتفق وفي الثانية نختلف فنبني الحضارة وننقل الإسلام الحنيف إلى المعمورة كلها ليعيش الإنسان في سلام الضمير وسلام المجتمع وسلام العالم .