جناحا الثورة (بين السياسة والجهاد)

جناحا الثورة (بين السياسة والجهاد)

أبو طلحة الحولي

تمر ثورتنا المباركة في سوريا في مرحلة الاقتراب من النصر ، وهي كانت وما تزال تواجه كل إمكانيات القوى العالمية في الحرب ضدها .. وهي لا تملك إلا الحق الذي تؤمن به .. رافعة شعار " ما لنا غيرك يا الله "

ومن هنا وجب على الثوار وعلى الجيش الحر وعلى الائتلاف الوطني ، وأخص بالذكر الائتلاف الوطني أن يكونوا على وعي بالمرحلة التي هم فيها ، وعلى قدر كبير من الممارسة السياسية الصحيحة للثورة والتي من أهم الممارسات الإدراك الصحيح لواقع الصراع الذي تحياه الثورة .. فالصراع ليس محصورا بين الثوار والنظام الوحشي بل الصراع صراع مفتوح بين الثوار وبين قوى العالم ، والنظام جزء منها .

إن الثورة تطير بجناحين احدهما يمثله الجيش الحر ، وهو الجناح الأقوى ، وجناح السياسة ( الائتلاف الوطني حاليا) ويجب أن يكون قويا كالجناح الأخر  ، بحيث يكون هناك توازن لتحلق الثورة .. وتكون هناك ثوابت لتقف عليها الثورة ..فلا تحيد عن مسارها ولا تنجرف بعيدا عن راية الفطرة التي صدحت "الله اكبر " .

إن الجيش الحر ( الجانب الجهادي) والائتلاف الوطني ( الجانب السياسي) وحدة متكاملة مترابطة شاملة ليس بينهما فرق ، أو فصام ، بل كل منهما يكمل الآخر .. ومن أجل فهم واستيعاب هذه الوحدة والتلاحم والترابط نذكر بعض الأصول التي تشكل أرضية صلبة تربط ما بين الجانب الجهادي والجانب السياسي :

1- شمولية العمل : الإسلام دين الفطرة ، وهو دين شامل يشمل الروح والجسد ، ويشمل الدنيا والآخرة ، ويشمل الحياة والموت ، ويشمل الجهاد والسياسة ، فالجهاد من الإسلام ، والسياسة من الإسلام ..ولا يمكن العمل لبناء الإنسان الصالح ذو الفطرة السليمة إلا بهذه الشمولية .. وبالتالي لا تنازل عن احدهما في أي مرحلة من مراحل العمل الإسلامي . وقد يغلب جانب على جانب أخر بحسب ظروف الواقع ولكن لا يقصيه ، فالجهاد والسياسية جناحا الثورة وبهما معا تطير .

2-  الاعتصام بالله : قال تعالى { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال : 46) وهذا الأصل يحتم على الجانب الجهادي والسياسي ان تتسع صدورهم ، وأن يمتد أفقهم الفكري والتنظيمي ليشمل الجميع ليحلوا اشكالياتهم ، ويكون هناك تقارب وتفاهم للوصول إلى المصلحة العليا للمسلمين .. ومما يتعلق بهذا الأمر التخلص من كافة المقاييس والموازين المتأثرة بأعداء الإسلام ، ما بين وسطي معتدل وإرهابي متطرف ، فالجرح والتعديل هو الميزان العادل المستنبط وفق الكتاب والسنة .

3- الخلاف لا يمكن إنكاره ، ولكن هناك ثوابت ومتغيرات ويجب التمييز بينهما ، وبلغة أخرى معاصرة التمييز بين الاستراتيجي والتكتيكي .. والخلاف في التعامل مع القضايا الكبرى في وجود النصوص المؤيدة لكل منهما يمكن حدوثه .. ولكن تقدير الموقف وتحديد الثابت من المتغير ( الاستراتيجي والتكتيكي) هو الذي ينهي الخلاف ، ويأتلف الجميع تحت راية الحق .

4- التعامل السليم مع الفتن والملاحم : إن على الجانب الجهادي والسياسي استيعاب التحولات الدولية ، وطبيعة التحالفات الإقليمية واستثمار كل فرصة تلوح لهم من اجل دفع صراعهم إلى ساحة التمكين ، وهذا الاستيعاب ليس مفتوحا على مصراعيه بل مضبوط بضوابط  منها : عدم التنازل عن أي مسألة من مسائل العقيدة . عدم التفريط في قضية الولاء والبراء ، والصراع موجه للأخطر فالأخطر من الأعداء .

5- دعم كل جانب للجانب الأخر : وعلى الجانب السياسي العاتق الأكبر من هذا الدعم ، فمن المعروف أن الجانب الجهادي تقع عليه كافة الضغوطات من قبل الأعداء ، والتي لا تقف عند حد معين ، فالعدو لا يريد الإنسان المسلم القوي بل يريد الإنسان المتخاذل التابع ، كما يتعرض الجانب الجهادي لأنواع شتى من حملات التشويه والمؤامرات  حتى يترك سلاحه ، ولذا يجب على الجانب السياسي توجيه كافة أنواع وأشكال وألوان الدعم للجانب الجهادي والذود عنه والدفع عنه في كافة الأصعدة والحوارات .

6- إن هدف الجانب الجهادي والجانب السياسي هو  تغيير الواقع من فاسد إلى صالح ، ومن عبودية للإنسان إلى عبودية لرب الإنسان ، ومن ظلم إلى عدل ، ولن يتحقق هذا التغيير إذا لم يكن تغييرا شاملا وليس تغييرا ترقيعيا ، ولذا لا أنصاف حلول ، ولا تصالح بن الصحة والمرض .. وعلى الجانب السياسي أن يلعب دورا بارزا وكبيرا في توضيح هذه الأصل في كافة تواجده ، وأمام أي إنسان . فكلا الجانبين في حرب ، فإذا كان الجانب الجهادي يحارب بالسلاح ، فالجانب السياسي يخوض حربا بالقلم والسياسة والمواجهة لأي مستهدف يستهدف عقيدة وأخلاق واقتصاد المسلمين .

إن تغيير الواقع لا يتم تغييره لكي يتلاءم مع الديمقراطية الأمريكية ومتطلبات أوربا ، حتى يقولوا عن الجانب السياسي انه معتدل .. فالبلاد العربية ليست بحاجة إلى استبدال طاغوت بطاغوت .. ونظام علماني بنظام علماني آخر ذو مسمى آخر .

7- التربية مهمة لكل من الجانبين  ، بحيث تكون تربية شاملة متكاملة متوازنة ايجابية لكل من الجسم والروح والعقل ..

8- يجب على كل جانب أن يكون واعيا بطبيعة الطريق الذي يسلكه وفي كافة حركاته تصرفاته ، حتى لا يكون عونا لإنجاح مخططات العدو سواء شعر بذلك ام لم يشعر ، وعليهما ان يفقها جيدا ان مخططات العدو لا تنجح بسبب ما يقدمه الآخرون لهم { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } (آل عمران :112)

فالعدو ماذا يقدم للإسلام وللوطن وللناس عندما نعهد إليه تطوير اقتصادنا وجيوشنا ؟

وماذا يقدم العدو للإسلام وللوطن وللناس عندما نستشيرهم في أمورنا الداخلية ؟

وماذا يقدم العدو للإسلام وللوطن وللناس وهو عدو لهم يحاربهم في أفكارهم وتوجهاتهم وتصوراتهم ومبادئهم وأخلاقهم ؟

9- إن الإسلام ليس عدوا للغرب ، وليس عدوا للبشرية بل هو دين الهداية والسلام والعدالة والحرية ، بل العكس الغرب هو عدو للإسلام وللمسلمين .. والإسلام هو الدين الوحيد الذي يملك المنهج ليصحح أخطاء وتخبطات الغرب في كافة المجالات  السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية ، ويجب توضيح هذه الحقائق لهم بالقدوة أولا وبالتبليغ ثانيا .

إن الأحداث العالمية ، والحرب الوجهة ضد الإسلام سياسيا وإعلاميا واقتصاديا وفكريا وتشعب الصراع أدت إلى التداخل ما بين السياسة والجهاد ، وحدث نوع من الفصام النكد بينهما ، بل وصل أحيانا إلى التصادم بينهما ، وهذا ما يريده أعداء الإسلام ، ولهذا نحتاج في هذه المرحلة إلى التواصي بهذه الأصول وتطبيقها ، والالتفاف حولها فلا يوجد في بناء بلادنا سوريا الحضارة .. وسوريا الكرامة .. وسوريا العزة .. وسوريا الإسلام جانب سياسي منفصل عن الجوانب الأخرى ، ولا يوجد جانب جهادي منفصل عن الجوانب الأخرى .. فالإسلام دين شامل متكامل لا يقبل منا ان نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض.{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (البقرة :85)