خطاب التراب
أحمد توفيق
هذى البلاد أضحت خشنة الأسرار, تخشى المرايا, تنثر كلما فر طير ألف احتمال في أقصى التأويل ولاعتبارات شتى, إلا للوصول إلى الحقيقة أو المواجهة, تضجرني حين تستكين إلى اقل الفتات, أو تخط ابتسامة في سخرية خارج السياق.
خطاب الإدانة لا يوارب, لذا نساق إلى هزيمتنا فرادى في قبليتنا,ونظن بان النشيد الوطني هو حصري في دقة المهباش خاصتنا وما سوى ذلك فائض عن التصور والانتساب.
ولا زال تجار الخردة يجوبون العالم من أقصاه إلى أقصاه يفتشون بملقط صغير عن رذاذ سقط تحت غبار السنين ويلصقوه إلى سلالة النسب المقدس , ونحن مغمورين بديوان العشيرة وبانتظار أن يصبح مقر دولة في عالم يتكئ فيه مارد على كتف آخر , واذما حزنا قليلا نستحضر الألوان , لن تكن ألوان كهذه ما لم ننفض هذا الغبار المعشش في حجرنا الآتي من كوة من زمن عثماني غابر بحلة عروبية , يا للمفارقة!.
عار أن نكون في أفضل أحوالنا حشود لورنس في تكبيرة الهجوم والغوغاء والجهل والتبعية وان تقدمنا قليلا نعود منتشين بانا أرسلنا الرسالة, يلفنا الحبور بانا نجيد الخطابة وان كانت خارج السياق وبفقه المزادات والرفل , لا يتبختر الوطن في ليل عاصف ويوم صاهد مغبر. علام هذا؟ ولم؟ ولمن ؟ولماذا؟ والجدوى؟ لا أجد سوى( كلا الرفض )ومن بعدها الصدى. من يضع يده على قلبه الطيب مرة على الأقل كل صباح ويقرا تعويذة البلاد يفهمني...
من باب الرمزية والمفارقة الفارهة ما كان يوسف بحاجة الذئب ليبرهن على أفضليته التي لا يعيها أصلا, بل كان الذئب لعنة إخوته ليدانوا بكرههم وحقدهم الدفين, عدا أن الذئب لا يشرب من بئر سيارة. يا للغباء والتواطؤ !
ليس من باب الترف بل لضرورة الحاجة , الغناء إن صدق يؤمن مرور سليم للمرحلة وحده الغناء فحسب , من يدري ربما على الأقل أو حتما سيصمت النشاز , والى أن تدرج الأرض على قدميها قليلا كي تكمل النشيد المر حتى يكون الماء في صحراء أنهكها الضجيج ورواد الكرنفالات.
المجاز إن صدق سيد نفسه والاقتضاب وان أجيد رديف نبوءة يغني عن الحشو العضال, ما دمنا نراهن على اللغة, لغة الصواب لغة الصراحة التي لا تواري ولا توارب.
متى سيكف البعض عن التعامل مع مصائبنا على أنها تذكرة ولوج إلى نادي( صفوة) وميدان (بطولات) أهل كان ما نستند إليه من موروث كالنخوة والمروءة والمباشرة في الحديث الصريح رهن مقابل أو لقاء مردود على شتى الأصعدة والتي للأسف غدت متن اليومي وباتت قضاياه على الهامش؟لا اعتقد هذا.
لم اعهد مجتمعا بنى رقيه واحتل منزلة تليق به بين المجتمعات وفقا لفلسفة الكهنوت ورؤى الوصاية ,التي أصبحت واقعا معاشا وان كانت بشكل موارب , كهنوت القبيلة , القبيلة التي اقر واعترف بايجابياتها اذما نقحت بل أطالب بتهذيبها وتقنينها وإلا سنغدو " مقبلنين" وكأن كل قبيلة امة وثقافة قائمة بحد ذاتها . سنكون غبارا. في عالم عاصف لا يرحم وصيرورة تاريخية ماضية إلى حتميتها بلا توقف.
لم يعد مفهوم البطولة فرديا وان ألفنا ذلك. للانجاز إيقاع جماعي لا فردي. للانجاز سواعد تبني اذما ما اتحدت . البناء تراكمي النزعة والقوة الخارقة موئلها الأساطير ومآبها الخرافات في هذا العالم الواقعي جدا حد الفظاظة. أهل لدينا من الجرأة الإدراك ما نصارح به أنفسنا ونتصالح معها بما يتسع لهذه الجدلية ويفكك مركباتها بروية وتعقل وتواضع؟.
كلنا يجمع على استحقاق التغيير في شتى المجالات , هل تغيرنا كقناعات لنغير كواقع ؟
لم تكن الشكوى أبدا فعل تبرير , والمبرر لا ينوب عن الاستحقاق, لان للاستحقاق حججا لا يضاهيها أي مبرر وعليه وجب ألا نستكين إلى عصرنة زائفة واستهلاك يستنزفنا حتى الهزال.
نحن مطالبون اليوم قبل الغد كمجتمع بتوحيد الصفوف والنأي بأنفسنا عن اختزال ادوار البطولة والتفكير بشكل عمودي, الأفقية بلغة التعاون والمشاركة هي المفتاح, كي يكون كل هذا الذي ملته حتى حناجرنا دونما جدوى على امتداد مراحل من الفشل .
العمل الملتصق بالواقع والبناء على واقعنا القبلي بشكل ايجابي وتهذيب ما لا يصب في مصلحتنا كجماهير بما يتيح خلق مشهد شعبي متكامل وتطوير الخطاب والقاموس السياسي والاجتماعي والثقافي لنا كتجمع قومي في اقل تقدير هو وحده الكفيل بالنهوض والارتقاء بالراهن على شتى الاصعدة ويؤمن مواكبة سليمة لكل مستجد والتكيف مع كل مرحلة مهما كانت معطياتها.
دمتم بخير