شيء عن الطائفية
عقاب يحيى
التحليلات كثيرة، وأكثر منها التفسيرات عن " الحالة"، او الطائفة العلوية، وهل هي حاكمة فعلاً وبالتالي مرتبطة بالطغمة ؟؟..
ـ هل هي " بلوك" واحد، او كتلة صماء لا يمكن اختراقها أو النفاذ منها ؟؟ ..
ـ هل هناك تنظيم قديم تستر بالبعث فاخترقه، وقاد الأمور إلى الحكم المكين، وإلى ما يظهر من تماسك بنية الطغمة ؟..
ـ هل المعارضة المحسوبة على الطائفة لها سقف لا يمكن أن تخترقه، أو ترتفع فوقه إلا لحا لات نادرة تعد
على الأصابع ؟؟..
هل هناك قيادة موحدة لما يسمى بالطائفة، تخطط وتقرر وتنفذ ؟؟.
ـ هل.. وهل .. وأسئلة كثيرة تقتحم واقعنا، وتفرض على الجميع التعاطي معها ..
****
زمان.. يوم كان المشروع النضهوي، القومي، الحداثي.. يجوب آفاق الحلم والآمال.. بدت كل المركبات ـ ما قبل قومية ـ ضامرة، او لا تقدر على منافسة الموج الكاسح، فقبعت في الظلال كجزء من تراث تاريخي ومكونات دينية ومذهبية تصنع مبررات استمرارها بعديد الطروحات، ومحاولات التمايز، وتقتصر على كبار السن، وبعض الوجهاء والمتنفذين، والقاعدة الشعبية.. بينما ظهرت النخب قافزة فوق كل تلك الحدود، طامحة إلى تجاوزها ولو بالشعارات، والانتماء لأحزاب ما فوق دينية ومذهبية وجهوية..
ـ لأسباب كثيرة، منها محاولة البعث وراثة مشروع النهوض الذي تكسّر ، وتبعثر، وتفتت بعد موضعة " مؤامرة سايكس ـ بيكو" على العموم، وهزيمة الجيوش والحكومات العربية في حرب ال 1948.. التي أنتجت ما يعرف بنكبة فلسطين، والتي فتحت شهيى العسكر لولوج الانقلابات العسكرية تحت رايات الثأر، وتحرير فلسطين .
ـ البعث الذي طرح جوهر شعارات المشروع القومي النهضوي : الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية، وتحرير فلسطين وبقية ديار العرب، وبقالب أكثر جدّة، وتطوراً ..انتشر بقوة في الريف السوري ومناطق ما يعرف بالأقليات المذهبية..خاصة بعد اندماج البعث العربي بالعربي الاشتراكي/1952/.. ودور الزعيم أكرم الحوراني في استقطاب كثير الفلاحين في ريف حماة وغيرها ..والذين وجدوا فيه تحقيقاً لذات محاصرة، وخروجاً من ضيق حدود المذهبية إلى حدود الوطن العربي الفسيح ..
ـ كثيرون حملوا إرثهم وثقافتهم وبيئتهم.. وأحلامهم أيضاً، فاختلط كل ذلك في مناخات انحسرت فيها الديمقراطية، ونما دور العسكريين : بكل مواصفاتهم ومنطقهم وفلسفة القوة والحسم ..
ـ بعد الثامن آذار 1963.. وبروز ضباط بعثيين غالبيتهم من الريف . وبعد تصفية الحلفاء من الناصريين والمستقلين . وبعد التصفيات المتتالية التي عرفها البعث في صراعاته الداخلية ..تمركزت أكثر فأكثر قوى عسكرية معظمها تنتمي للطائفة العلوية، حتى أن انقلاب الطاغية الأسد على رفاقه / تشرين ثاني 1970/ استند بشكل رئيس على مجاميع عسكرية معظمها من الطائفة العلوية، وإن طعّمت، وإن لوّنت بضباط آخرين.. وفتح ذلك المجال واسعاً لكومة من الأسئلة الثقيلة عن الذي جرى.. وكيف حدث ذلك لحزب يرفع شعارت مخالفة جداً، ويرفض الطائفية، بل وحتى القطرية.. وهل تكفي التبريرات والتعليلات المزوقة كي تجيب وتشفي غليل الاتهامات .. والإبهام ؟؟..
***
سنوات طويلة والنقاش يحتدم بين النخب المعارضة : اليسارية بكل تصنيفاتها، عن طبيعة النظام الذي قام، هل هو حالة فرز طبقي : برجوازي بيرقراطي، كما كان يحلو للكثير التعكيز عليه؟؟، ام هو اختلاطي .. أي طائفي ؟؟.. وما هي الحدود؟؟.. وأين الطائفة العلوية من ذلك ؟؟.. وأسئلة كثيرة كان واقع ممارسات الطاغية، ولسان حال المواطن البسيط يردّ عليها دونما حاجة لقراءة ماركس والصراع الطبقي وتفسير الذي يجري وفقاً لذلك ..وفقط .
ـ وكان نصراً جريئاً الإقرار بأن النظام طائفي في أحد وجوهه، وقد أسفر عن ذلك بوقاحته سنوات ما يعرف بالصدام مع " الحركة الدينية" وتنصيب نفسه حامي حمى الطائفة، ووكيلها، وممثلها.. رغم وجود آلاف المعارضين له، والذين قبعوا في السجون عقوداً، وقدّم بعضهم حياته ثمناً لموقفه .
*****************
في بداية الثورة شارك فيها عدد من الناشطين المحسوبين على الطائفة، لكن الخلاف كان واضحاً في جوهر المطلوب، بمعنى واضح : هل يمكن لنظام موصوف بأنه طغمة، واقلوي، ودموي، وأمني، ومغلق أن يستجيب لمطالب إصلاحية ؟، أم أن الثورة يجب أن تمضي قدماً لانتزاع حقوق الشعب في الحرية والكرامة بزخم التصميم والثبات والتضحية ؟..
هنا يجب التأكيد على أن التمايز العام في المواقف والسقوف بدأ قبل كل ما يحكى عن قصة التسلح، و"خطف" الثورة، أو "انحرافها"، وسرقتها .. ففي حين قادت تطورات نهج النظام الدموي إلى رفع شعار إسقاط النظام، كانت تلك الأغلبية من المعارضة تراهن على إصلاحات داخلية، ويتأمل كثيرها ب"كرم" رئيس الطغمة وقابليته للاستجابة.. ومحاولة وضع اللوم في نهج القتل والعنف على آخرين .
ـ مع تطورات الثورة التي فُرض عليها حمل السلاح دفاعاً عن النفس والعرض والحياة.. وبروز ظاهرة المقاومة المسلحة بكل تفرعاتها واختلاطاتها.. ظهرت الخندقة أوضح فيما يمكن تسميته جبهة المعارضين، واصطف الكثير في ساقية الحل السياسي، والرهان على التسويات السياسية، وعلى إعلان مبادرات تُبقي على القاتل في منصبه حتى نهاية ولايته.. بينما تباطأت تطورات المواقف السياسية لتقع في ذيل الأحداث، وبشكل متأخر.. الأمر الذي كان يطرح أسئلة مشككة في جوهر تلك المعارضة وحقيقتها، ومدى خدمتها للطغمة .
ـ هذا على صعيد أطياف المعارضة عموماً، دون إغفال تمرد بعض المناضلين على هذا المألوف، وانخراطهم الكامل بالثورة منذ البداية، وتقدّم الصفوف في فضح الطائفية، وما تقوم به الطغمة من أفعال منهّجة على هذا الصعيد.. رغم قلتهم، ورغ ما تعرضوا له من ضغوط وتهديد ..
ـ الملفت هنا حالة التماسك في بنيان النظام، ونعني أصحاب القرار في الأجهزة الأمنية وقيادات الجيش الذين يتبع معظمهم للطائفة العلوية، وهو ما يثير الأسئلة الجدية عن موقع الطائفية فيهم، ونواياهم القاتلة، حتى إذا ما ذهبنا للحالة الشعبية في عمومها، ضمن الطائفة، سيسترعي الانتباه ضعف الانفكاك عن الطغمة حتى الآن، ووجود أغلبية، ولو مظهرية ما زالت تؤيد الطغمة وتمدها بالشبيحة والمقاتلين.. رغم كل تواتر الأخبار عن وجود ململمة وقلقلة وخوف..وشيء من النقمة..
ـ هنا ترتفع أصوات احتدام النقاش في الأسباب والمسؤولية.. وهل هذه الحالة" التعبوية" العامة نتاج حالة تنظيمية تقود هذا الوضع، وتنجح في الإبقاء على تماسكه؟، أم حالة تعميم الخوف من آخر يجري النفخ كثيراً وكبيراً في قادم ممارساته كالقتل على الهوية، والثأر، والانتقام، وجميع المعزوفات التي تجد تأثيرها وصداها في وسط شعبي مرتجّ وقلق، آخذين بالاعتبار دور وأثر بعض التصريحات المتشددة وكيف يتمّ استغلالها ونشرها وتعميمها وكأنها إنتاج جماعي "لأهل السنة"، وكذلك بعض ردود الفعل الانتقامية.. وغيرها من أعمال منفلتة .
ـ إن الشعارات العامة، وتعابير الطائفة الكريمة وغير الكريمة، ومقولات التطمين ورفضه.. تبقى خارج دائرة الفعل ما لم نملك الوعي الموضوعي لهذه الظاهرة ومفاعلاتها، وما لم تقوم الجهات الحريصة على الوحدة الوطنية ومستقبل بلادنا الموحد سياسيا وجغرافيا بدورها المسؤول في وضع الخطط الصحيحة لتفكيك هذه الحالة واختراقها في صميمها، وتعرية نهج النظام ومخططاته.. والتوجه بخطاب ناضج وفق مخطط مدروس كان على الهيئات السورية، خاصة المجلس الوطني، إنجازه وممارسة خطواته، وليس الاكتفاء بالديكور والمّظهرة .