نداء أخوي ثان من الدكتور محمد الزعبي

د. محمد أحمد الزعبي

نداء أخوي ثان

من الدكتور محمد الزعبي إلى:

أصدقائه السابقين في سورية

د. محمد أحمد الزعبي

إن دماء الشعب السوري ، التي تسيل صباح مساء ، ليل نهار ، في كافة مدن وقرى بلدكم سورية  ،

إن عشرات ألوف الشهداء ، من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ،

إن عشرات ألوف المفقودين ،

إن عشرات ، بل مئات الألوف من معتقلي الثورة والرأي ،

إن ملايين الذين هجروا بيوتهم ومدنهم وقراهم  خوفاً من بطش النظام  ،

إن أخواتكم وبناتكم اللواتي يعتدى عليهن ، ويهنً ، بل ويغتصبن من قبل شبيحة النظام  ،

إن  مساجدكم و كنائسكم ، التي قام النظام الهمجي بتدميرها وتدنيسها ،

إن بيوت أهلكم وإخوانكم  الذين هجّرتهم منها طائرات وصوارخ بشار الأسد بعد أن سوتها بالأرض

إن كافة مدنكم وقراكم ، التي دمرها نظام عائلة الأسد وشبيحته ، زرعاً وضرعاً وشجراً وهواء وماء ،

إن الحيوانات التي أعدمها جنود بشارالأسد ( الأشاوس !! ) رمياً بالرصاص أمام سمع العالم وبصره،

إن فضيحة براميل المتفجرات ، والقنابل العنقودية والفراغية والصواريخ والطائرات بمختلف أنواعها

والدبابات ، والراجمات ، والأسلحة المحرمة دولياً وإنسانياً التي يستخدمها بشار الأسد وشبيحته ضد

أبناء الشعب السوري ،

 إنّ ... وإنّ ... وإنّ .

إن كل هذه المجازر والمذابح والفضائح الوطنية والقومية والدينية والإنسانية البعيدة عن الكرامة والمروءة والأخلاق ،التي مارسها ويمارسها نظام عائلة الأسد  منذ 1970  في سورية بصورة عامة ، ومنذ 1982 ( أحداث حماة ) و 2011  ( ثورة آذار)  بصورة خاصة ، تفرض على كل مواطن شريف ، أن ينأى بنفسه ، قلباً وقالباً ، عن هذا النظام ، فلقد باتت كتائب الجيش السوري الحر ، كتائب الحرية والكرامة ، على أبواب القصر الجمهوري ، وباتت نهاية النظام ، أقرب من مرمى حجر .

أنني أخص بهذا النداء الأصدقاء الذين انطلت عليهم أكاذيب النظام في الممانعة والتصدي، والتي ( الأكاذيب ) تولت الممارسة العملية تفنيدها ، بصورة لامجال فيها لأي شك أو التباس ، ولا سيما بعد أحداث غزة الأخيرة ، التي وضعت وقائعها الملموسة كلاًّ من نتنياهو وبشار الأسد في سلة واحدة .

إن الهدف الأساسي لنتنياهو من هجومه الأخير على غزة ، هو ــ برأينا الخاص ــ : من جهة  محاولة القضاء على البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية الباسلة  ، بشقيها العسكري والمدني ، ولاسيما ، تدمير الأنفاق ، ومن جهة أخرى الحيلولة دون وحدة المقاومة بين فتح وحماس ، وذلك قبل أن يقف الجيش المصري ، جيش ثورة  25 يناير 2012، على قدمية ، وقبل أن تصل المعارضة السورية إلى الحكم في دمشق ، ويقف الجيش السوري بدوره على قدميه ، ويصبح هذان الجيشان قادرين على قول كلمة "لا" في وجه إسرائيل وحلفائها ، وعلى فرض السلام العادل عليهم ، ورحم الله أبو القاسم الشابي القائل : 

لاعدل إلاّ إن تعادلت القوى ... وتصادم الإرهاب بالإرهاب .

هذا مع العلم أن سعي نتنياهو لتحقيق هذين الهدفين الكبيرين ، يمكن ( وفق حساباته الخاطئة ) أن يؤمن له الفوز في الإنتخابات المقبله ، على الطريقة الديموقراطية الإسرائيلية ، التي يعرف الجميع ، أن الناخب    " الإسرائيلي " ، لايعطي صوته عادة ، إلاّ لأكثر المرشحين كرهاً للعرب ، وبعداً عن السلام العادل ، بل ولأكثرهم  ولوغاً في دم أبناء فلسطين ، وخاصة الأطفال منهم ( بوصفهم رجال المستقبل )  فيالها من ديموقراطية إسرائيلية بائسة !! . 

لقد قدر لي ان ألتقي بأحد المسؤولين السوريين في نظام عائلة الأسد ،  في إحدى العواصم العربية في أواخر ثمانينات القرن الماضي ،وبما أنه من الأصدقاء القدامى ، فقد أبلغته  ، أنني بت مقتنعاً الآن بعد كل ماسمعت وما شاهدت ، أن تحالفاً استراتيجياً يربط  بين نظام حافظ الأسد ، والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلّة . انتفض صاحبنا المسؤول مستنكراً، وسألني مادليلك على هذا الكلام  ؟ ، فكان جوابي له قو الشاعر : 

فليس يصح في الأفهام شيئٌ       إذا احتاج النهار إلى دليل

وها أنا اليوم ، وبعد كل ماجرى ويجري في سورية وفلسطين منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ،  أجدني أكثر اقتناعاً في أن أكرر على مسامع ذلك الصديق القديم وعلى مسامعكم أيضاً أيها الأصدقاء السابقين ، ماسبق أن قلته له بالأمس ، ولاسيما أن أربعة عقود ونيف من حكم عائلة الأسد لسوريا ( حافظ وبشار ) ، قد أسقطت حتى حاجة المرء إلى مثل هذا الدليل . فالبديهيات ـ وبحكم إسمها ـ  تحمل دلالتها في ذاتها ، دونما الحاجة إلى أيّ  برهان أو دليل إضافي  .

إنني أعرف أن هناك بعضاً من شبيحة القلم والسياسة والصمت في سورية ، مايزال  يزعم أن يداه  " لم تتلطخا بدماء الشعب السوري " كما هي حال الآخرين ، ولذلك فهو شخص مختلف عنهم ! .

 بخٍ بخٍ ياأيها البعض ، ولتعلموا أن جريمة  " الرأس / المخ / الفكر/ اللسان " الملطخ بالعمى الذاتي  هي أكبر من جريمة " اليد " الملطخة بالدماء ، ذلك أن الرأس هو من يعطي أوامره لليد لكي تضغط على الزناد  ، هذا من جهة ، أما من جهة أخرى ، فإن شبيحة القلم والسياسة والصمت ، من هذا البعض ، يعرفون بالتأكيد القول المأثور والمتواتر ، في أن " الساكت عن الحق شيطان أخرس ". وإني لأربؤ بمن أعني من الأصدقاء القدامى ، الذين مازال لهم في قلبي بعض مكان ، أن يرتضوا لأنفسهم  أن يحشروا    ( بضم الياء ) في عداد هؤلاء  الشياطين الخرس ، بله  الشبيحة  القتلة  .

ألا بادروا إلى الإلتحاق بركب ثورة آذار المجيدة والعظيمة ، أيها الأصدقاء ، " فتيتانك " عائلة الأسد على وشك الغرق ، بعد اصطدامها بجبل ثورة الحرية والكرامة الشامخ والصلب ،ثورة آذار العظيمة .  قوا أنفسكم وأهليكم لعنة الله ولعنة التاريخ أيها الأصدقاء ،  قبل فوات الأوان . ألا هل بلّغت اللهم اشهد .

ـــ انتهى ـــ