ماذا بعد وحدة الثوار في سوريا؟
ياسر الزعاترة
الذي لا شك فيه أن الحصيلة النهائية لما جرى في الدوحة قبل يومين كانت رائعة، لاسيَّما أنها جاءت إثر تخوفات كثيرة من أن تؤدي الضغوط الأميركية والغربية على قوى المعارضة السورية إلى إخراج صيغة باهتة لا تمثل الثورة ولا فعالياتها، الأمر الذي يعني تأكيدا لحالة الشرذمة القائمة.
وفي حين كانت موجة الهجاء بحق المجلس الوطني قد بدأت قبل أسابيع بتصريح هيلاري كلينتون ضده، فقد أثبت المجلس مسؤولية عالية، أولا بإصراره على الانعقاد واختيار مناضل (مسيحي) رئيسا له؛ هو جورج صبرا، وثانيا بقبوله الانضواء تحت لواء الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية كي تخرج الثورة من مأزق الاعتراف العربي والدولي الذي يتخذ من مسألة الشرذمة ذريعة له.
من المؤكد أن التوافق على شخصية قيادية مهمة للائتلاف ممثلة في الشيخ أحمد معاذ الخطيب كان خطوة مهمة إلى حد كبير؛ أولا لما حظي به من إجماع بين جميع الحاضرين من ممثلي قوى الثورة، وثانيا لأن هويته الإسلامية (غير الحزبية) تجعله مقبولا من الفعاليات العسكرية الكثيرة التي تتحرك على الأرض، والتي كان من الصعب عليها؛ وغالبيتها ذات هوية إسلامية أن تقبل برجل آخر من لون مختلف مع كل الاحترام للمنضويين تحت لواء الثورة.
واللافت أن تراث الشيخ الخطيب في الفكر والممارسة كان أكثر ميلا للوسطية، وأكثر قبولا للتعددية داخل المجتمع دون إقصاء أو تهميش، الأمر الذي أهَّله لكي يكون موضع إجماع بين سائر الحضور، من دون التقليل من شأن المناضل جورج صبرا الذي طالما عبَّر عن الثورة أفضل تعبير رغم أن غالبية الطائفة التي ينتمي إليها ما زالت تتخذ منها موقفا سلبيا، وهو ما يزيد من أهمية موقفه، لأن مخالفة الفضاء الاجتماعي ليست مسألة سهلة.
إلى جانب الشيخ الخطيب جاء نواب من شتى الأطياف عكس التوافق عليهم روحا منفتحة وموقفا إيجابيا إلى حد كبير. ويسجل هنا للإخوان الذين طالما اتهموا بالهيمنة على المجلس الوطني قبولهم بقدر لا بأس به من التهميش من أجل تمرير صيغة ائتلاف يفضي إلى اعتراف عربي ودولي بالثورة وممثليها.
حضور رياض سيف وسهير الأتاسي ومصطفى الصباغ كان عنوانا لتعددية الائتلاف، لاسيَّما أن جورج صبرا سيظل رمزا من رموز المعارضة بترؤسه للمجلس الوطني، وإن انضوى تحت لواء الائتلاف، بدليل حضوره لاجتماع مجلس الجامعة العربية إلى جانب الشيخ الخطيب رغم عدم وجود صفة معينة له داخل الائتلاف. وكان لافتا الإبقاء على موقع في القيادة للأكراد الذي يأمل المخلصون أن يتخلوا عن روحية الانفصال التي تحكم سلوكهم منذ شهور طويلة.
الآن، وبعد هذا الإنجاز السياسي لم يعد للأطراف العربية والدولية من أعذار لكي تواصل موقفها المتفرج على نزيف الدم السوري بيد نظام بالغ البشاعة، وقد آن أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم في وقف النزيف.
عربيا جاء موقف الجامعة العربية معقولا، وإن لم يصل إلى مستوى موقف مجلس التعاون الخليجي الذي اعترف بالائتلاف ممثلا شرعيا للسوريين، ويتوقع الجميع أن يكون الموقف الدولي معقولا أيضا، وإن يكن من الصعب التعويل عليه، ولا شك أن الموقف التركي كان داعما بامتياز للإنجاز الذي تحقق.
اليوم، وفيما يتقدم المسار الثوري على الأرض بشكل جيد، يأتي الإنجاز الجديد ليمنح الثورة زخما أكبر، وإذا ما صدقت الوعود، وجرى تزويد الثوار بأسلحة نوعية بعد كف واشنطن عن الضغط على القوى الداعمة للثورة، فإن الحسم لن يطول كثيرا، اللهم إلا إذا وعت الدول الداعمة للنظام الدرس وجاءت بمشروع مقبول للحل عنوانه رحيل بشار الأسد والإبقاء على الجيش وحل الأجهزة الأمنية ذات التراث السيئ في التعامل مع المواطنين. وقد كانت رسالة الائتلاف واضحة في استثناء الجيش من رؤية الحل، الأمر الذي ربما شجع بعض أركانه على الانقلاب على بشار وإجراء تسوية مع الائتلاف، وهو مسار ربما دعمته الطائفة العلوية أيضا حفاظا على نفسها من استمرار الوقوف خلف نظام يتهاوى.
أيا ما يكن الأمر، فما جرى في الدوحة يشكل محطة بالغة الأهمية تقرب الحسم في سوريا، أكان حسما عسكريا عبر سلاح نوعي يحصل عليه الثوار، أم عبر حل سياسي يقبل به الائتلاف ويرضى عنه الشعب السوري. حل لا بد أن يتضمن رحيل بشار الأسد وعائلته عن سوريا.