الإصلاح الثقافي !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
على مدى ستين عاما كانت وزارة الثقافة والإرشاد القومي (
الإعلام ) ، وسيلة النظام المستبد الفاشي لتدجين المثقفين ، وحَوْكمَتِهم – أي
يكونوا حكوميين لا معارضين - وقد نجحت في ذلك نجاحا كبيرا ، حيث استقطبت في العهود
الثلاثة ( الناصري – الساداتي – المباركي ) أعدادا غفيرة من المثقفين الذين اندمجوا
معها ، وصاروا بحكم تحولاتهم مثقفا مأجورا ، وليسوا مثقفا عضويا أو مثقفا تقليديا
وفقا لمفهوم الشيوعي الإيطالي أنطونيو جرا مشي ، والمثقف المأجور على استعداد أن
يبيع كل شيء بدءا من بلاده حتى نفسه ، وهو ما رأيناه في مثقف الحظيرة طوال ربع
القرن الماضي . لقد أفسدت الحظيرة كثيرا من المثقفين ، وجعلتهم مجرد دمى تحركها
حيثما أرادت ، نظير فتات لم يحلموا به قبل قدومهم إلى العاصمة أو انتمائهم إلى نادي
الحظيرة ! والمفارقة أن إفسادهم للثقافة في ربع
القرن الأخير ، مهد لهم الطريق ليكونوا أصحاب مبادرة ما يسمى الإصلاح الثقافي . ومن
أين ؟ من المجلس الأعلى للثقافة ! نشرت بوابة الأهرام في 24-9 – 2012
حوارا مع أمين المجلس الأعلى للثقافة أشار فيه إلى أن الوضع الحالي ملتبس، علي
المستويين الثقافي والسياسي، هناك حالة من الحراك الثقافي في أوساط المثقفين بسبب
صعود التيار الإسلامي، والتخوفات فيما يتعلق بالهجمة غير المبررة علي حرية الفكر
والإبداع، وهناك شواهد عديدة تدعم وتبرر هذه المخاوف، مثل ملاحقة الفنانين قضائياً
وازدراء رموز الأدب في مصر مثل نجيب محفوظ والتهكم علي أعماله. ثم تكلم عن حالة
الانقسام بين المثقفين كما يسميها ،وتصنيفات المثقفين بناء علي علاقتهم بالسلطة،
وطالب المثقفين ألا يكونوا في حالة عداء مع المؤسسة الرسمية، لأنها ترعاهم دون أن
يكونوا تابعين لها. وذكر أن من يتعامل مع السلطة من المثقفين ليس خائنا ، وأن
المجلس يسعى كي يزول حاجز عدم الثقة لدي قطاع من المثقفين. أمين المجلس يتحدث عن مقترح إصلاحه لا
ليكون المجلس بديلًا لوزارة الثقافة وإنما ليكون راسماً للسياسات الثقافية للوزارة
من خلال أعضائه، وهم من الشخصيات الثقافية كما يقول بالإضافة إلي الممثلين لوزارة
الثقافة، المنوط بهم رسم السياسات الثقافية ووضع إستراتيجية للثقافة. ويصل أمين المجلس إلى نقطة مهمة تتلخص
في أن السياسة الثقافية يجب أن تتمثل في تقديم الدعم والرعاية للمثقفين وليس فرض
أيديولوجية معينة علي الثقافة والمثقفين وليس تطويعهم لخدمة النظام، وهذه هي الصورة
المثلي كما يتخيلها ويتصورها وكما يحاول أن يحققها ويطبقها كما يزعم ،إلي أن تتبلور
هذه السياسات وتصبح رسمية ومقررة قانوناً. وفي النهاية يخبرنا السيد الأمين أن
مقترحات الإصلاح كما يتصورها ستتم مناقشتها ويتم تصعيدها للرئاسة للتصديق ، ويرى
أنه يكفي جداً نحو مائة مثقف يجتمعون علي مدار ستة أشهر لدراسة المقترحات وبلورتها.
والسيد الأمين مسكون بالفوبيا التي
يشيعها رفاق الحظيرة تجاه الإسلام والمسلمين ، فهو مثل رفاقه يدعي أن هناك هجوما
على الإبداع وازدراء للفنانين ، ورفضا لنجيب محفوظ ، وهذا الكلام لا أساس له من
الصحة ، ولا وجود له في الواقع ، فمازالت عناصر الحظيرة تكتب ما تريد وتقبض ألوف
الجنيهات مقابل كلامها الغث والرديء من عرق الفقراء والكادحين دون أن يعترضهم أحد ،
ومازال أهل الفن يقدمون تجارتهم الحرام التي لا علاقة لها بالفن بشهادة نقاد غير
إسلاميين ، ومازال نجيب محفوظ يحظي بالاحتفالات والتكريم والندوات والمؤتمرات دون
أن يوقفها أحد . بل إن صعود التيار الإسلامي أتاح لمن هاجموا الإسلام وشوهوه
وشيطنوا الحركة الإسلامية وجعلوا حسن البنا عميلا للإنجليز ، فرصة الحصول على أعلى
جوائز الدولة وقلادتها ، ثم الخروج للتعيير عن تشاؤمهم وعدوانيتهم تجاه الإسلام
والمسلمين ..أين هي الهجمة على الإبداع ؟ وما هي مسوغات الخوف الذي يدعيه أمين
المجلس الأعلى للثقافة ؟ ثم يحاول السيد الأمين أن يدافع
بطريقة ما عن مثقفي الحظيرة الذين خدموا الاستبداد وكانوا عونا له على ممارسة البطش
والإرهاب ضد الشعب والإسلام ، فيطالب بعدم معاداة المثقفين للسلطة ، هو لا يقصد
سلطة الحكم الحالية ، ولكنه يقصد السلطة الثقافية التي صنعها الطاغية المخلوع
ومازالت قائمة على الولاء له والدفاع عن منهجه الإجرامي ضد الحرية والثقافة
الإسلامية والمسلمين . إن الحظيرة مازالت تسب الإسلام ومن يمثلونه في السلطة ، وقد
وصل الأمر ببعضهم إلى وصف صعود الإسلام إلى الحكم من خلال الانتخابات الحرة النزيهة
بالاحتلال الإخواني ! إن السلطة الثقافية التي تعتمد على
حظيرة فاروق حسني ليست سلطة شرعية ، ولا تمثل المثقفين الحقيقيين ، والاعتراف بها
يعني التنصل من ثقافة الأمة الإسلامية ، والانحياز إلى أعدائها . أما ما يقال عن
رعاية المثقفين من جانب السلطة ، فهو رشوة مقنعة لكسر أعين المثقفين وضمان ولائهم
للحظيرة بكل ما تمثله من عار ، وتعبير عن المثقف المأجور الذي لم يتحدث عنه جرامشي
، بحكم أنهم في بلاد الغرب أيا كانت معتقداتهم واضحون ومخلصون لما يؤمنون به أيا
كان صوابه أو خطؤه . لقد تحققت النهضة الثقافية في النصف
الأول من القرن العشرين دون وجود لوزارة ثقافة أو مجلس أعلى للثقافة وظهر نوابغ
الأدب والشعر والفكر بعيدا عن أبواب الحظيرة التي تدعي رعاية المثقفين ، وهي في
الواقع تستأجر مجموعة معينة على استعداد أن تفعل أي شيء في سبيل مصالحها ومنافعها
الخاصة ، ولو كان العقاد موجودا بيننا الآن لما اعترفوا به ، ولوصفوه بالنكرة !
إن ما يسميه أمين المجلس بمقترح
الإصلاح أو مقترحات الإصلاح لا يعدو أن يكون كلاما على الورق ، لسبب بسيط هو أن
المائة مثقف المفترضين لمناقشة هذا المقترح كلهم أبناء الحظيرة الذين تربوا على
منهجها وتشبعوا بأسلوبها ، وانفصلوا عمليا عن واقع الأمة والشعب ، ويصعب على هؤلاء
أن يكونوا مثقفا عضويا أو مثقفا تقليديا ، فمصالحهم أهم وأبقى ! لقد انهارت الثقافة في مصر مثلما
انهار التعليم ، والإعلام وغير ذلك من نواحي الحركة والحياة في المجتمع ؛ بحكم
الفساد والاستبداد والطغيان ، ولا أظن أن الإصلاح الثقافي يتأتي عن طريق المجلس
الأعلى للثقافة الذي يعد امتدادا لزمن الفساد الأكبر في زمن الثورة ، فالفاسد لا
ينتظر منه إصلاح ، ومن يحيا في زمن قديم لا يصلح أن يعيش في زمن جديد. هل من شجاع يأمر بإنهاء عصر الحظيرة ؟