البابا الجديد والتمرد الطائفي!
البابا الجديد والتمرد الطائفي!
أ.د. حلمي محمد القاعود
قال البابا الجديد تواضروس الثاني بطريرك الكرازة المرقسية أنه سيكون خادما للشعب المصري كله بمسلميه ومسيحييه, وأن أولوياته في المرحلة المقبلة تتمثل في ترتيب البيت من الداخل في تعاون ومحبة مع الجميع ، وأنه يشعر بثقل المسئولية ويصلي من أجل أن يوفقه الله في تحملها.
وأوضح أن الكنيسة أثبتت في الفترة الماضية أنها كيان مؤسسي يتعاون في إداراتها كل من المجمع المقدس والمجلس الملي والهيئة القبطية للأوقاف وكل الكهنة والخدام بالكنيسة ، وأن دوره يكمن في تنظيم هذا العمل لتقوم الكنيسة بدورها في الخلاص وخدمة المجتمع. كما شكر المتنيح البابا شنودة الثالث مؤكدا أنه سيسير علي نهجه. وعن سؤال حول الاحتقان الطائفي قال تواضروس: متي وجدت المحبة لن تجد مشاكل علي الإطلاق وإن وجدت فسيتم حلها بالحكمة والمودة التي ترضي الجميع ، فنحن نسير في مركب واحدة ، ونرجو أن تصل إلي بر الأمن والأمان.
وهذا الكلام في مجموعه طيب ومقبول ، إلا ما قاله عن نهج شنودة . ربما كان الكلام بحكم المناسبة والخلافة ، ولكن الأمر يحتاج إلى تأكيد أن نهج شنودة كان خطيرا ، لأنه قاد التمرد الطائفي ضد الأغلبية واستغل ضعف الدولة واستبداد السلطة ليتحول إلى زعيم سياسي ينافس رئيس الدولة بل يفوقه في النفوذ والتأثير ، ويصنع من نفسه نجما سياسيا يقود الطائفة إلى الانعزال ، والخروج على منهج الوطنية ، وكان يشي بتصرفاته وتصرفات تلاميذه بأنه يسعى إلى قيام دولة نصرانية مستقلة .
لقد تعددت الدعوات للبابا الجديد أن يبتعد عن السياسة ، وأن يجعل الكنيسة مجالا للخدمة الروحية الخالصة ، وأن يتحرر أبناء الطائفة من الانعزال أو الجيتو ، ويشاركوا إخوانهم المسلمين في العمل المشترك من أجل بناء الوطن في المجالات المختلفة : سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ..
لقد خسرت الطائفة كثيرا حين انصاعت لإرادة شنودة السياسية ، وفقدت كثيرا من التعاطف الذي بذله المسلمون طوال قرون بعيدة ، ، فضلا عما خلفته آثار التحرش بالأغلبية في كل المناسبات ابتداء من الأحداث اليومية العادية ، حتى بناء الكنائس بصورة هستيرية وبالمخالفة للقانون . لقد تصورت الطائفة أو قادة التمرد أن الإكثار من بناء الكنائس في الأماكن الحساسة ومداخل المدن والقري سيحقق تغييرا لهوية الدولة وينقلها من الإسلام إلى النصرانية ..وهذا لن يحدث الآن ولا في المستقبل . لقد استطاع شنودة أن يبني أكثر من ثلاثة آلاف وستمائة كنيسة في أربعين عاما ، في حين أن عدد الكنائس منذ الفتح الإسلامي حتى ولاية شنودة كان خمسمائة كنيسة فقط أي طوال أربعة عشر قرتا من الزمان ، ولم يستطع تغيير هوية مصر المسلمة!
أتصور أن البابا الجديد يدرك أنه لا مفر من التعايش الذي يقوم على التفاهم والمشاركة ، ولنرجئ المحبة التي يدعيها النصارى إلى حين ، وليكن السبيل إلى هذا التعايش تفكيك التمرد الطائفي وخلاياه في الداخل والخارج ..
في الداخل لابد من موقف حازم وحقيقي ضد جمعية الأمة القبطية ومدارس الأحد والصحف الناطقة باسم الكنيسة والقنوات النصرانية الفضائية المحلية والخارجية ...
لم يعد خافيا أن هذه العناصر بقيادة بعض القساوسة والأساقفة تنفخ في نار التمرد الطائفي وتؤجج لصراعات غير مقبولة ، وتتنافي مع الوطنية والتعايش ، فضلا عن المسيحية وتعاليمها . لقد كان ارتياح الشعب المصري واضحا حين استبعدت بعض شخصيات الكنيسة مثل بيشوي ويؤانس من الترشح للبابوية ، ولم يكن معقولا مثلا أن يقبل المجتمع شخصا يقول للأغلبية الساحقة إن قرآنكم محرف ، أو إنكم ضيوف في وطنكم ، أو إن اللغة العربية لغة الغزاة البدو القادمين من الجزيرة العربية !
ولا ريب أن تصريح البابا الجديد عن اهتمامه بمدارس الأحد يثير كثيرا من الشكوك . فهذه المدارس مفارخ للتمرد الذي يتمثل في جمعية الأمة القبطية وأذرعها التعليمية والصحفية والإعلامية ، وأرجو أن يخيب ظني ويتحول تصريح البابا الجديد حول هذه المدارس إلى توجيهها نحو المحبة والتناغم الوطني والمشاركة في بناء المجتمع .
وفي الخارج لا بد من ردع مجموعات الخونة الذين يعيشون في المهجر ويتاجرون باسم الطائفة أمام الكونجرس والبنتاجون ووزارات الخارجية في العواصم الأوربية وأستراليا . لدي يقين أن هناك نصارى مخلصين لوطنهم يعملون في الخارج لرفع راية الوطن ويتفوقون لإثبات أن المصري إنسان يعمل ويكدح وينتج ويبدع في كل مكان يحل به .
لقد كانوا يتحركون بوحي شنودة من خلال لعبة توزيع الأدوار . وكانوا يضغطون على الدولة المصرية لتنفيذ مطالب غير مشروعة ، وشن حملات إجرامية ضد الإسلام ونبيه – صلى الله عليه وسلم – ويعلن شنودة من مصر أن ذلك حرية رأي ولا سلطان له عليهم ، وكثيرا ما كان يلزم الصمت أمام مواقف لا تحتمل الصمت مثل إعلان الحكومة القبطية قي واشنطن التي أعلنها بعض خونة المهجر المعروفين ، وتتواطأ معه في هذا السياق صحف الحكومة والليبراليين و اليساريين التي لا تنطق ولا تتكلم ! مع أن التصدي لهؤلاء الخونة المجرمين مسألة بسيطة للغاية ؛ فالتهديد – مجرد التهديد بالحرمان ! – كفيل بردع هؤلاء ، وإيقافهم عن مواصلة إجرامهم !
لم يعد استمرار خونة المهجر في أداء دورهم الخياني مبررا في عهد الثورة تحت أية ذريعة . ولم يعد السكوت عليهم من جانب النظام الحالي مقبولا ، فالقضاء سيف على رقاب من يهدد وحدة الوطن ، وإذا كانت الدولة تقود جيشا يقاتل بعض الجماعات الإسلامية في سيناء ، فإن محاسبة خونة المهجر ومن يؤيدونهم في الداخل أمام القضاء يعد أمرا طبيعيا للغاية .
أما إثارة المشكلات بين الطائفة والأغلبية بتحدي القانون ، وإقامة كنائس غير مرخصة ، أو إعلان الحرب لأن فتاة نصرانية أحبت ولدا مسلما وتزوجته بملء إرادتها ، فهذا لعب بالنار يحرق أصابع الجميع ، وليت الكنيسة توجه إلى بناء المدارس بدلا من الكنائس ، وتساعد على تزويج الشباب والفتيات بدلا من شن الحرب على المسلمين لأن فتاة هربت أو ولدا أعلن إسلامه . وأيضا نتمنى حل مشكلة آلاف الأسر النصرانية التي تنتظر من زمان بعيد حلا بالزواج أو الطلاق لينصرفوا إلى العمل والإنتاج والاستمتاع بالحياة . ثم نتمنى للبابا الجديد التوفيق في مهمته الصعبة !