أنا امرأة أيها الرجل
خليل الجبالي
وضع الإسلام المرأة في مكانة عالية ،وقدر جهدها، وشكر سعيها وتضحيتها حتي صار سعيها من مشاعر العقيدة ومناسكها التي لا يصح للمسلمين التفريط فيها عند أداء بعض فرائضهم.
فسعي السيدة هاجر بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء لوليدها جعله الله من مناسك الحج والعمرة التي لا غني للمسلمين عنها.
والكلمات التي خرجت من فمي السيدة خديجة رضي الله عنها عندما هرع إليها رسول الله صل الله عليه وسلم يستنجد بها عند أول نزول الوحي عليه فقال لها زمليني دثريني، ثم قال لها الله صل الله عليه وسلم ( والله لقد خفت على نفسي) فقالت له كلمات تُوزن بميزان الذهب بل أقيم من ذلك (كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).
والصحابيات اللاتي كن يخرجن مع رسول الله صل الله عليه وسلم في الغزوات ليضمدن الجرحي، ويسقين العطشي وغير ذلك من المواقف القيمة في دور المرأة في الإسلام والتي حافظ عليها كإبنة وكفل لها حق التربية والتعليم والرعاية وغيرها.
وحافظ الإسلام عليها كأم، فراعي فيها حق الزوجة، وبر الأولاد، وعلاقة الأنساب، ورفع منزلتها في هذا الدور العظيم وجعل الجنة تحت أقدامها.
وحافظ الإسلام علي دور المرأة في الحياة فلم يفتح مجالاً للتعامل مع الآخرين أو الدعوة إلي الله أو نفع الغير أومصلحة المجتمع إلا وحثها عليه.
فهي مطالبة بالأمر وبالمعروف والنهي عن المنكر وأداء العبادات كالرجل سواءاً بسواء.
وهي مطالبة بالإرتقاء بنفسها في كل الجوانب التربوية الفكرية والعلمية والنفسية والمهنية والجمالية والبدنية بالإضافة إلي تزكية نفسها وترقيها إلي كمال الإيمان.
إن تاريخ المرأة الإسلامي المشرف في كل المجالات ضرب أروع الأمثلة لنساء العالم بما قدمه الإسلام للمرأة في العلم والمعرفة والثقافة، فالسيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تقبل علي العلم من كل جوانبه حتي إمتازت في علم الحديث والفقه والطب والشعر فصار المؤمنون يسألونها عن أمور دينهم ودنياهم حتي قال عنها الإمام الزهري رحمه الله ( لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضله).
فقد كفل الإسلام للمرأة جميع الحريات التي نص عليها للرجل سواءاً بسواء، ولذا فإن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه يقول: كنا لا نعدُّ النساء في الجاهلية شيئًا، فلما جاء الإسلام جعل النساء شقائق الرجال (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ(228) سورة البقرة.
إن الإسلام قد أعلى منزلة المرأة ورفع قيمتها واعتبرها أختاً للرجل وشريكة له في حياته، هي منه وهو منها(بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ (195) سورة آل عمران.
ولكن عبء المرأة الكبير في التربية والتوعية والرعاية لأسرتها لابد أن يقيد حركتها مقارنة بالرجل حيث أصبح بيتها هو ميدان جهادها الأعظم والتي لا غني عنها للقيام بهذا الدور فهي مسئولة ، راعية تتحمل ذلك امام الله .
فقد روي البخاري ومسلم” الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها”.
وعلي الرغم من ذلك فإن الإسلام لم يحرمها أن تعمل خارج منزلها في أي مكان يضمن لها الستر والعفاف، ولا يسبب لها الأذى والفتن، فالمرأة وهبها الله العقل والتفكير وأعطي لها المواهب والقدرات التي يجب أن تنميها وتستفيد منها مثل الرجل شريطة أن تكون داعية لربها مطبقة لأحكامه في ميدان عملها.
إن الإمام البنا رحمه الله وضع رسالة كاملة سماها ” المرأة المسلمة” ذكر فيها أن الإسلام يقر بحقوق المرأة كاملة، الحقوق الشخصية والمدنية والسياسية، والإخوان يهتمون بالمرأة كاهتمامهم بالرجل.
إن العلمانيين والليبراليين يتشدقون من حين لآخر مطالبين بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل ويكأن الإسلام أو المجتمعات الإسلامية سلبتها تلك الحقوق.
عندما تغوص في تفكير الليبراليين تجد أنهم ينادون بتحرر المرأة لا بحريتها المنضبطة بالإسلام، وينادون بتحلل المرأة لا بإلتزامها بسلوكيات وأخلاق المجتمع الإسلامي أو الشرقي التي تحيا فيه ، ولكنها الإباحية والتعري التي ورثوها من المجتمعات الغربية لتخدم أهوائهم.
وياليتهم أخذوا من تلك المجتمعات ما يصلح شأن دنياهم بما يخدم أمور دينهم.
وهاهم ينصبون أنفسهم حماة للمرأة ينادون بالمساواة بينها وبين الرجل ، ونسوا أن رب الكون سبحانه وتعالي قد بين حقوقها، وحدد مواريثها، ووضع لها ما يصلح شأن حياتها ليهديها إلي سواء السبيل.
إن نظرة الليبراليين للعلاقة بين المرأة والرجل كالند بالند، وهي علاقة جسدية تعلوها المتعة، ثم بعد ذلك مسئولية عن المصروفات والأعباء الحياتية الخاصة بها، فهم يسعون لتدمير حقيقة المرأة ككونها إنسانة كرمها ربنا وبين حقيقة علاقتها بالرجل فقال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا(21) سورة الروم.
إن مؤتمرات عديدة في دول شتى من أوربا وأمريكا أقيمت لتتحدث عن حقوق المرأة ولكنها لم تنصف لها حقاً ، ولم تضع لها مكانة حقيقة في تلك المجتمعات حتي الآن.
إن المرأة لم تجد حريةً حقيقةً ولا حقوقاً فعلية، ولا حماية مصونة لها إلا في ظل الإسلام الذي جعل كل ذلك أمراً شرعياً لا يحق لإنسان أن يعتدي عليه أو يتعدى عنه.
يقول الدكتور محمد بن عبد الله بن صالح السحييم في كتابه الإسلام أصوله ومبادؤه [ بلغت المرأة في الإسلام مكانة عالية، لم تبلغها ملة ماضية، ولم تدركها أمة تالية، إذ أن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة و الرجل على حد سواء، فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء, كما أنهم أمام ثوابه وجزاءه في الدار الآخرة سواء، قال تعالى( ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ 70 ) سورة الإسراء.
وقال عز من قائل (لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ ولِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (7)) سورة النساء].
إن المرأة في ظل الإسلام يحق لها أن تفتخر بنفسها فترفع صوت الحق عالياً لتقول بملأ فيها ( أنا إمرأة أيها الرجل).