باب الحديد

عبد الله زنجير * /سوريا

[email protected]

من هنا يتنفس التاريخ مستقبله ، هو باب من الفولاذ الخالص بناه السلطان المملوكي قانصوه الغوري سنة 1059 ه ، ليكون القلعة المصغرة شمال القلعة الأم ! باب الحديد ، الطاقة الفواحة من الحارات و بينات الأسفار ، في قلبه قبو النجارين ، و الجبيلة ، و المستدامية ، و البياضة ، و الكلتاوية . و على أسواره بانقوسا ، و فرمليك ، و أغير ، وميسلون ، و سواها

كلنا سمع بمجزرة المخبز في أغير - ثالث أيام الفطر1433 - لكن هل من شهود لإحراق التتار المدرسة الأتابكية التي أنشأها شهاب الدين طغرلبك في 618 ه داخل الحي ؟ لقد أضحى التتار أثرا بعد عين و كذلك الأسد

في الشتاء تهطل الأمطار كثيرا و يغرورق الحي بالماء والطين ، و إذ بعروق الورد الأحمر تتفتق من بين خطوط بلاطه الحجري العتيق ، إنها اليوم تفوح برائحة الدم المسفوح من أهالي و أبناء باب الحديد .. مئات قضوا تحت الأنقاض و بين الحرائق و الخرائب والسواطير ، و آلاف ما زالوا يصنعون الحياة و الحراثة بطريقتهم ، نضالا و عنفوانا و صلابة و صبرا جميلا

ألا تذكرون مظاهرة 21 / 4 / 2011 م حين اعتقلوا فيها ، من النساء نجلاء جزماتي و نور جزماتي ، ومن الأطفال عمر نعال ، و ذلك الرجل ( المقعد ) عبد القادر قصير و عشرات غيرهم ؟ هؤلاء هم أجناد الحرية و أولاد باب الحديد

أسأل الشياب و الشباب : هل ثمة من حضر دروس الشيخ عبد الله سراج الدين - رحمه الله - في جامع بانقوسا بعد عصر الجمعة ؟

هل ثمة من زار أو رضع شيئا من معارف ( دار نهضة العلوم الشرعية ) التي أحياها الشيخ الإمام محمد أحمد النبهان عام 1964 م ، على أطلال المدرسة الكلتاوية و صاحبها الأمير طقتمر الكلتاوي ؟

هل ثمة شاد أو حاد على أفنان جامع أبي ذر ، جامع الدعوة و العلماء و الشهداء ؟ هذا الجامع كان ظئرا للبطولة و العلا سنة 1980 ه و ما قبلها ، تصافح جدرانه ذكريات المصطفين الأولين من آل البيانوني و الدباس و القصار و البابللي و الهيب و الكسحة و الاسكندراني و غيرهم و غيرهم من الذين أحبوا الخلود سريعا فاختارهم لجواره رب الخلود

إنه ليس بالحي العادي من بزغ منه فقيه العصر مصطفى الزرقا و محدث الأجيال عبد الفتاح أبو غدة و السياسي الكبير د. معروف الدواليبي ! كان يسكنه أيضا أستاذنا ( عبد الله عيسى السلامة ) شاعر عكاظ العرب .. إنه ليس بالحي العادي من كان يأوي إليه الداعية النقشبندي الشيخ ( أبو النصر خلف ) و من كان مهوى لطلبة العلم يقصدون كلتاويته النابضة و بيوتات مربيه في ( البياضة ) البيضاء ، و معهد فاضلته الشهيرة الآنسة ( مجيدة حداد ) ذات الفكر و الأثر 

نهاية السبعينيات كنت أذهب إلى دار السلام للطباعة و النشر - على مشارف دوار الحديقة - حاملا على ظهري أشرطة أبي الجود ، و رأيت بأم العين جانبا من مظاهراته الصارخة  ضد حكم الأسد الأب . ثم تعرفت على أحباء من أبنائه البررة ، كالشيخ البحاثة الأستاذ مجد مكي - مسؤول موقع الإسلام في سورية - و الشيخ الدكتور الإعلامي محمد بشير حداد ، و الشيخ الأريب  سائد بكداش ، و المنشد الأصيل محمد مسفقة ( أبو راتب ) و شقيقه موسى

اليوم أحصي أبطاله جرحا جرحا ، فيضج فؤادي و تتزلزل فرائصي .. الشهيد عبد المعطي حاضري ، والشهيد قاسم عكورة ، و الشهيد سامر طفران ، و الشهيد عبد القادر حبو ، والشهيد بشير البيطار ، والشهيد محمود واكي ، و الشهيد حبيب برعدلي .. ما هذا و هل يمكن أن أعد نجوم السماء ؟

باب الحديد - في مدينة حلب - ليس حبرا سريا ، إنه بوابة الحكايات و مداد المروءات

               

*عضو رابطة أدباء الشام