بين البنا مؤسسا .. ومرسي رئيسا

محمد عبد المجيد الصاوي

الإخوان المسلمون

الحلقة الأولى : البنا أستاذ الجيل وإمامه

محمد عبد المجيد الصاوي

 غزة ـ فلسطين

[email protected]

أقف اليوم بين يدك يا سيد الشهداء في زماننا وحالي معك : من أين تأتي بالحكمة والقوة والبصيرة ، التي أجلت ظلماء وأحيت أمة .

أرتد إلى سنوات البناء والتشييد ، سنوات البذل والتضحيات الجسام ، فأراك قد عدت من مدرستك إلى بيتك بعد ساعات التعليم لنشء تزرع فيه حب الحياة في رؤية مصر والأمة وقد عادت إليهما النور والإشراق ؛ لتحاور أبناءك والزوج الرؤوم وتمدهم دفئا شمل الوجود أربعين عاما وأنت تتناول طعام الغداء الذي قاتلتك عليه الملوك .

أراك سيدي بعد ساعة من القيلولة ، وقد ارتديت عباءتك والعمة ، لتبدأ رحلتك الدائبة في الدعوة ، لا تني لك قناة ولا يلين لك عزم ، وفي العطلة تجوب الأقاليم ، النجوع ، القرى ، الكفور ، تبني وتؤسس ، تغرس في النفوس الطيبات زرعا مباركا طيبا .

أعبر الأزمان إليك ، لأعيش زمن الرواء ، أنتشي بفيض حب أدركته همسات الروح منذ عقدين .

ها أنت في العيد قد اعتليت المنبر قبيل صلاة العيد ، وقد جبت بمن حولك الأفاق وحلقت فيهم بمحبة الله ، وبينت لهم علل الضعف ، مشردا لهم لأسباب القوة ، تكون أنت لهم القدوة الحية في البذل بالمال والنفس .

تسير بعد الصلاة ، وقد أقبلتَ على الناس ، تذكُرهم بالاسم واللقب وبأحب ما يودون أن تناديهم به ، وتذكِّرهم ، بشأنهم وتسألهم عن أبنائهم ، كما لو كنت واحدا منهم ، فتقبل عليك القلوب ، التي تلمستها لا بكبر أو خداع ، بل بروح المحب ، الذي من طبعه أن يكون مكسورا .

تصل بيتك برفقة الأب الشيخ والأخوة الأحبة ، لتبدأ يوما مباركا ، تستهله بالنحر .

أذكر عيدك ، وأنا أعيش عيدي ، فرق كبير بيننا يا سيدي ، ليس في الزمان أو المكان .. بل في روح إيمان سكنتك ، ونحن أبينا إلا أن تفارقنا .

وتمضي بك رحلة الدعوة وتستمر على يد المخلصين من الرعيل الأول مسيرة البناء لصرح إسلامي فريد ، منيع ، يأبى الله إلا أن تمتلئ أركانه بالخير والنور .

سيدي ، كنت حجة لمن جاؤوا بعدك ، في تواضع وبساطة ، في حكمة وبصيرة ، في حب ملأت به من حولك اثنين وأربعين عاما ، هي سنوات عمرك المخملي ، في صبر وأناة ، وعدم استعجال قطف الثمار ، حتى تستوي على أمها ، في الدعوة لله بنور مستمد من قرآن وسنة وموروث أمة وسطية خيرية ، في التفاف الناس حولك وإقبالهم عليك ، وأنت الفقير الذي يجالسه علية القوم على أريكة عادية في بيتك البسيط الأنيق بتواضعه .

أقمت علينا الحجة ، بأن البناء : لن يهدم ، إن أنتم واصلتم وضع اللبنات ، وإعلاء الصرح ، ببذل الدماء وتقديم فاتورة المحنة الكبرى برضى نفس مطمئنة ، وقلوب على الله مقلبة ، غير مدبرة.