الإحساس بالعجز أمر من العجز نفسه
أحمد الهواس
كانت الثورة السورية حلما يداعب مخيلة أجيال عبر عقود عجاف مرت على بلادنا , ومبررات عدم الثورة معروفة لدى الصغير قبل الكبير ...
وشاء الله سبحانه أن تنكسر تلك المبررات أو الذرائع على أقدام أطفال درعا , لتنطلق أعظم ثورة في تاريخ البشرية , وكلما أمعن النظام في القتل والبطش ازداد الشعب إصرارا وقناعة بأن فجر الحرية آت آت بإذنه تعالى .
إن من يقود هذه الثورة الآن هم شباب بعمر الزهور , بدأوا بألسنتهم وصدورهم العارية فأمطرهم النظام بالرصاص , حملوا أغصان الزيتون والورود فازداد بطشا وعنجهية , ورغم آلاف الشهداء ما فترت الهمة , حتى حمل هؤلاء الأبطال السلاح بعد أن يأسوا من صمت العالم المخزي تجاه ما يجري في سورية من مذابح يومية .
وكل ثائر من الثوار كان يقول : كيف صبر آباؤنا على هذا الظلم أربعين سنة ..؟ فهل كان عجزا في النفوس وتقاعسا أم أنه شعور بالعجز نتيجة أحداث الثمانينات , وسمعة معتقلات المزة وتدمر , وظلم الأجهزة الأمنية ..؟
ولكن لا صمت بعد اليوم , وخرج المارد السوري من قمقمه , ولم تهن العزائم رغم الجراح مدن دمرت , أطفال يتمت , آلاف الشهداء والمفقودين , ملايين المهجرين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض , والثورة تتصاعد يوما بعد يوم والعالم المحكوم ماسونيا يتفرج على هذه المجازر , فكل المشكلة أن أمن الصهاينة مهدد بسقوط حامي جبهة الجولان , وهذا يفترض أن يُعطى النظام الفرص لكي يحقق أحد أمرين إما أن يسحق الثورة , أو يدمر البلد ومن ثم تسحقه الثورة ولكنه يخلف بلدا ضعيفا مدمرا يحتاج عقودا حتى يلملم جراحه .
ولهذه الأسباب منعوا السلاح عن الثوار , وتركوا للنظام حبلا سريا تغذيه روسيا وإيران , وتضع إسرائيل يدها على وجه المجتمع الدولي فتغمض له عين , فيبدو كالأعور الدجال يرى بعين واحدة .
وبعد عشرين شهرا من صمت العرب وتآمر الغرب , الثورة تزداد عنفوانا فالسلاح الذي ُمنع عنها بات الثوار إما يغنمونه أو يصنعونه , ومناطق الحظرالجوي باتت أقرب للواقع وكذلك المناطق الآمنة كلها جاءت بعد توفيق الله بجهود هؤلاء الرجال .
لقد علمتنا الثورة أن الإنسان إذا ما فجر طاقاته فهو يصنع الأعاجيب , وأن الصمت العربي مرده للتسول على أبواب الدول الكبرى لأن لدى العرب إحساسا بالضعف أو بالعجز , وأن ضعف المواقف لدى بعض الحكومات العربية , وعدم إقدامهم على مد يد العون للثوار السوريين لا يعفي الشعوب من المسؤولية , وأن من يظن أنه لا يستطيع مساعدة الثورة في الداخل فهو شعور بالعجز واستصغار للنفس , وهو ينظر إلى أخوانه السوريين في الداخل بلاطعام ولا ماء ولا مأوى , وإلى الأبطال الثوار الذين يدافعون عن عقيدة الأمة أمام الحلف الصفوي وهم لا يملكون ذخيرة أو سلاحا أو تمويلا ماليا يسمح لهم بشراء السلاح من ضباط النظام الذين يبيعون مخازن سلاح مقابل الأموال , ماذا يقول لنفسه هل يتذرع بأنه فقير أو أنه لا يملك ما يكفي للدعم وأن هذا واجب الحكومات العربية والإسلامية ..؟ وينسى هؤلاء أن كل إنسان يقدم بما يستطيع ولو كان شيئا يظنه زهيدا وقد يكون عند الله كبير , ويستطيع الفرد المسلم - لو أنه وجه من علماء الأمة التوجيه الصحيح – أن يقدم الكثير من خلال القليل والأمثلة على ذلك كثيرة :
المسلمون مليار ونصف نحذف من هذا العدد الروافض ,يبقى نحو مليار ومئتا مليون في كل صلاة جمعة نفترض أن 800 مليون يذهبون للصلاة ماذا لو خُصصت جمعة واحدة في كل البلاد الإسلامية تسمى جمعة الشعب السوري؟ وتحت تلك العبارة تبرع بدولار واحد لأهلك في سورية .! سيكون لدينا 800 مليون دولار في ساعة واحدة هذا على فرض أن كل شخص تبرع بدولار فكيف إذا تسابق المحسنون في هذه الجمعة ..؟ قطعا سيكون لدينا أضعاف هذا المبلغ , فهل نحتاج لدعم حكومات أو ننتظر أغنياء ؟ وكل يرمي الحمل على جهة أو حكومة أو مؤتمر أو فرد ثري..! فهل أنت أيها المسلم تظن أن هذا التبرير أو الشعور بالعجز سيكون ردك حين تقف بين يدي الخالق وتسأل عما قدمت أمام دماء أخوانك في الشام ..؟ ولكن كثيرا من الناس لا يعلمون أن كل واحد هو عند الله فرد مكلف فلا تغني تلك التبريرات عند الله شيئا .
ومن الأمثلة الأخرى : نحن الآن في عيد الأضحى المبارك وفي لحظة النحر هناك مئات من السوريين ينحرون , والفارق أن الأنعام تذبح بطريقة مهذبة كما أوصانا سيد الأنام ( إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ) بينما شبابنا يحرقون بعد قتلهم وذبحهم , ولا يستطيع أهاليهم دفنهم في المقابر ..!
في هذا العيد قيل إن توسعة الحرم استوعبت ثلاثة ملايين حاج , ونحن نقول : ماذا لو أن القائمين على الحج وضعوا على كل حاج 100 دولار فقط تحت عنوان – أضعف الإيمان لأخوانكم السوريين في الداخل – هل سيمتنع الحجيج عن ذلك ..؟ لا وألف لا ونقسم على ذلك . فكم سيكون لدينا إذا علمنا أن ضعف هذا العدد يكون في وقفة عرفة ...؟
حقيقة الأمر أن السوريين أسقطوا من حساباتهم العجز , ورفضوا أن يكون الإنسان إنسانا ولديه شعور بالعجز , ونظروا إلى العاجزين من هذه الأمة أنهم غئاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وهناك عشرات الأمثلة التي تغنينا عن انتظار المجتمع الدولي , ولعبة الفيتو الروسي الصيني التي جعلت انتظار البعض لإقرار أي قرار هزيل كالمنتظر لضربات الجزاء الترجيحية في نهائي رياضي مهم لفريقين مهمين , ليكون السؤال أي الكرات ستعبر وأيها سترد ولمن ستكون الغلبة في النهاية ..؟ انتظر السوريون أطول مبارة في التاريخ وهم ينظرون كيف تنتقل الكرة من ملعب روسي لآخر أمريكي , بحكم صهيوني , وفي النهاية السوريون يدفعون ثمن اللعبة وتذاكر الحضور , ويخرجون من هذا الملعب الدولي خاسرين , وعليه فلتكن اللعبة داخل ملعبهم وعلى أرضهم وبين جمهورهم فهم الغالبون .