لا لمليونية الشريعة!!

حسام مقلد *

[email protected]

أزعم أن أي مصري يحب بلده لن يتردد لحظة واحدة في رفض تجدد المليونيات وحشد الجماهير وشحنهم على هذا النحو الذي نراه؛ فمصر بحاجة ماسة للاستقرار والعمل وزيادة الإنتاج، والناس بعد نحو عامين من الانتظار يريدون أن يجنوا ثمار ثورتنا الميمونة التي أطاحت بمبارك ونظامه الفاسد.

الشعب يريد أن يلمس شيئا من الرخاء ويُسْر العيش، ولا أقول الرفاهية ورغد العيش، أجل المواطن المصري يريد أن يرى تغييرا حقيقيا في حياته، يلمس أثره الإيجابي في: التعليم الجيد، والخدمات الصحية المناسبة، ووسائل المواصلات المريحة، وحل أزمة البطالة والسكن، وتوافر الحد الأدنى من الحياة الكريمة!!

لقد ضج الشعب المصري بمبارك وحكمه الظالم وزمرته الفاسدة؛ فثار عليه وأسقطه طلبا لحقه في الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمساواة والعيش الشريف، ولم يقم المصريون بثورتهم الشعبية المباركة لإدخال البلد في هذه المتاهات من الصراع والنزاع والاستقطاب السياسي الحاد بين الليبراليين واليساريين والعلمانيين والفلول من جهة وبين الإخوان المسلمين والسلفيين من جهة أخرى!!

نعم لم يقم المصريون بثورتهم من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، كما لم يقوموا يها من أجل عيون اليسار المصري وأفكاره المهترئة البالية التي عفا عليها الزمن وتجاوزته الدنيا بأسرها، وبكل ثقة وتأكيد لم يقم المصريون بثورتهم من أجل استمرار التوحش الرأسمالي وهيمنة حفنة من رجال الأعمال الجشعين على اقتصاد البلد، ولا من أجل تقنين الدعارة وإباحة العري والانحلال والشذوذ الجنسي...!!!

وأؤكد أن المصريين لم يقوموا بثورة يناير المجيدة من أجل تقطيع الأيدي ولا من أجل تغطية التماثيل والآثار بالشمع، كما لم يقوموا بها من أجل الحفاظ على الفاسدين والمفسدين الذين تستروا على مبارك، وحموا ظهره وغطوا فضائحه باسم القانون والدستور، ولم يقم المصريون بثورتهم للإبقاء على منظومة الفساد في الدولة العميقة من خلال الإبقاء على اللصوص والمرشين وناهبي المال العام المسيطرين على دولاب البيروقراطية المصرية العتيقة.

ومن هنا أقول بكل وضوح وحسم:

لا لمليونية الشريعة!!... ولا لأية مليونية أخرى الآن تحت أي شعار... لا لتقسيم البلد إلى فسطاطين أو أكثر... لا للاستقطاب السياسي الحاد الذي سيمزق الوطن... لا للمظاهرات الفئوية في هذا التوقيت...!!

نعم للاستقرار... نعم للحوار... نعم للمصالحة الوطنية... نعم لِلَمِّ الشمل... نعم للتنافس السياسي الشريف... نعم لطرح البرامج السياسية والاقتصادية المختلفة التي تنهض بمصر... نعم لتنوع الرؤى التي تثري الساحة، وتنعكس إيجابيا على مصلحة البلد والمواطنين...

قد يتساءل البعض: كيف لمسلم يرفض تطبيق الشريعة؟!! وماذا سيقول لربه غدا وكلنا ميتون وملاقون الله لا محالة؟!!

وإذا كان المقصود بتطبيق الشريعة الاقتصار على تطبيق الحدود فقط فأقول بوضوح تام لا لتطبيق الشريعة بهذا المفهوم، فالشريعة الإسلامية كما أفهم عبارة عن وحدة متكاملة تشمل: (العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، والحدود) ويجب قبل تطبيق الحدود التأكيد على ترسيخ الأمور الأخرى في بناء الإنسان وبناء المجتمع.

وأتمنى من دعاة تطبيق حدود الشريعة أن يطبقوها في أخلاقهم ومعاملاتهم اليومية مع الناس ليحببوهم في الإسلام، بدلا من أن ينفروهم منه ويكرِّهوهم في الدين برمته!!

وأحسب أنني بإذن الله تعالى على صواب وأنا أرفض إجبار الناس على تطبيق الشريعة، وأعتقد أنني محق في رفض أية مليونيات باسم الشريعة لأسباب وجيهة من وجهة نظري، من بينها:

·   أولا: تسعى قوى الثورة المضادة لاستدراج الإسلاميين للوقوع في هذا الفخ؛ فيقولون للشعب إن ثورته قد اختطفت واغتصبت، وانحرف بها الإخوان والسلفيون عن مسارها وأهدافها المعلنة لتحقيق مآربهم الخاصة.

·   ثانيا: يريد الفلول ورموز الفساد وكل المنتفعين من النظام السابق إفشال الثورة وإبعادها عن تحقيق أهدافها، والاستمرار في الانقسامات والصراعات السياسية، وإغراق البلد في حالة من الفوضى والقلاقل والاضرابات عدة أشهر أخرى لإيجاد مبرر كافٍ لانقلاب عسكري، أو نجاح الثورة المضادة في إرجاع منظومة الفساد السابقة بأوجه وأقنعة جديدة.

·   ثالثا: يرغب أعداء مصر في الداخل والخارج في إجهاض تجربة الإسلاميين في الحكم وإفشال الرئيس محمد مرسي شخصيا، واستنفاد الوقت أمامه دون إنجاز شيء يذكر في أرض الواقع، وبالتالي يثور الشعب عليه ويسقطه فتسقط معه ـ لا قدر الله ـ التجربة الإسلامية، ويتلاشى أمل الإسلاميين لعقود طويلة أخرى في تطبيق نموذجهم الحضاري النهضوي على أرض الواقع بعد أن يكفر به الجماهير!!

·   رابعا: ما الذي يمكن أن تحققه مليونية الشريعة لمصر؟ وما الرسالة التي تريد توصيلها؟ وماذا يحدث لو نادى العلمانيون والليبراليون بمليونية بعدها لرفض الشريعة وحشدوا الناس لذلك؟

·   خامسا: إذا كنا نريد لثورتنا أن تنجح، ولدولتنا أن تنهض فلابد من الهدوء لاستكمال بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، ويجب علينا الإسراع في إنجاز الدستور، وانتخاب مجلس شعب جديد؛ لتحقيق الاستقرار وجذب الاستثمارات وحدوث قفزة اقتصادية عملاقة.

·   سادسا: لو بقينا على هذه الحال من تضييع الوقت، وإهدار الفرص، وتأزيم الأوضاع السياسية والاقتصادية وهدم كل ما يُبْنَى، ونقضِ كل ما يُنجز فسنجر البلد في النهاية إلى فوضى عارمة، ونُدْخِلُها في نفق مظلم، ونفتح على أنفسنا صندوق الشرور، وأبواب جهنم، ولنا في السودان والصومال والجزائر وأفغانستان... وغيرها، العظة والعبرة!!

               

 * كاتب إسلامي مصري