الليبرالية وألوان الطيف
الليبرالية وألوان الطيف
خليل الجبالي
تعددت الليبرالية في صور مختلفة تشبه ألوان الطيف في عددها وتغيير ألوانها حتي تتماشي مع كل الإتجاهات الإقتصادية والدينية والسياسية والثقافية.
وتغيرت الليبرالية حسب المكان والزمان اللذان تمران بهما، فاعتبر جوك لوك أبرز الفلاسفة الليبراليين في القرن السابع عشر الميلادي أن الليبرالية السياسية تقيد السلطة بقبول الأفراد لها ولذا يحق لهم سحب الثقة منها ، وهي نظرية كلاسيكية تنطلق من فكرة الترابط الإجتماعي في تصوره لوجود الدولة، أي أن ليبرالية الدولة السياسية مقيدة برأي الأفراد الذين منحوها السلطة والحكم، وهذا أيضاً ما ذكره المفكر الليبرالي فردريك باستيا.
وفي القرن التاسع عشر تغير مفهوم الليبرالية عند كثير من الليبراليين فأصبح التفكير في حرية إنتهاز الفرص أكثر من التقيد بمبادئ تم موضعها من قبل المفكرين الليبراليين.
فالمنافع الشخصية لهم يعتبرونها من مبادئ تنظيمهم المعاصر الذي يبنون عليه أسس علاقتهم مع الآخرين.
و بعض الليبراليين صنف الليبرالية تبعاً لمصادر المنافع الخاصة بهم فأطلقوا عليها الليبرالية الإجتماعية التي تعتمد علي توطيد العلاقات مع الأفراد دون التقيد بعادات أو تقاليد أو جنس أو مستوي إجتماعي أوعلاقات أسرية، فهم يعتبرون ذوبان العلاقة الإجتماعية مع بعضهم البعض من قمة الليبرالية التي يحيوها في هذا الزمان.
ويطلق الليبراليون إسم الحركة الفكرية علي الليبرالية الفكرية والتي هي ضمن البروتستانتية المعاصرة حيث أنها تعتمد على حرية التفكير، وانتهاج الفكر العقلاني في التعامل مع النصوص الدينية، والتمرد عليها وعدم الإلتزام بها صراحةً ،وقد بين" براتراند رسل " أن هذا نتيجة رد فعل علي الإضطهاد الديني في دول أوربا وخاصة هولاندا وإيطاليا.
فالليبرالية الفكرية تنادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله ، حتى لو كانت متعارضة مع المبادئ الدينية أو الأفكار المذهبية، فالليبرالية الفكرية عندهم تعني:
حرية الاعتقاد ؛ حرية الإلحاد، حرية سلوك الفرد في المجتمع ، حرية العلاقات وغيرها من الحريات التي لا يتقيد خلالها الفرد بضوابط أو حدود أو شرائع أو عادات أو تقاليد.
وهناك الليبرالية السياسية التي تنادي بالتعددية الأيدلوجية والتنظيمات الحزبية علي أساس الفكر التحرري الذي يؤدي إلي الحرية المطلقة للفرد في السياسة والإقتصاد وغيرها من المجالات التي دفعت الليبراليين إلي نشأة إتحاد عالمي تحت إسم " إتحاد الأحزاب التحررية العالمي" عام 1947.
وقد ارتبطت الليبرالية العلمانية بعدم الإعتراف بمرجعية الدين والخروج عن مقدساته والثقة فيه، فهي تهدف إلي عزل الدين عن الحياة العامة للأفراد ، فالعبادات والأخلاق والسلوكيات لا تتعدي كونها إلتزامات شخصية تتم في أضيق الحدود ليقوم الفرد بتحقيقها، فالتدين أو الإلحاد يعتبرونه من الشئون الشخصية التي لا يحق لأحد الخوض فيها أو التحدث عنها .
وهناك الليبرالية المسيحية التي ظهرت في بداية القرن التاسع عشر الميلادي وتعني بالفلسفة الدينية المبنية علي التغلغل في العقيدة لتخرجها عن مضمونها الديني إلي معاني دنيوية سطحية مما أدت إلي تدمير المبادئ وكسر قواعد الأخلاق.
والليبرالية اليهودية نشأت في القرن الثامن عشر الميلادي والتي تؤكد علي الجانب الإنساني فيما بينهم ، وعلي الجانب العدائي للمسلمين بعدما حذفت من التوراة كل ما يمت بحقيقة الدين الإسلامي.
ومن الأحزاب المصرية التي تتبني الليبرالية : حزب الغد، حزب الوفد، حزب الجبهة الديمقراطية، الحزب الجمهوري الحر، حزب مصر الحرية، حزب المصريين الأحرار وغيرها من الأحزاب التي تم إنشائها بعد ثورة 25 يناير.
إن الليراليين مهما أتوا من تغير في وسائلهم، وتلون في برامجهم وإئتلاف في تجمعهم لتحقيق أهدافهم الوضعية لن يكون لهم سند أو ركن يركنون إليه عندما يكشف الله أمرهم بعد أن وضعوا الدين وما فيه من شرائع وأحكام وأخلاق وسلوك وأداب فوق أرفف مكاتبهم ليتشدقوا بها وقتما أرادوا في وسائل الإعلام التي هي جزء منهم أو تحت سيطرتهم.
(ومَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِىَاءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ (46) سورة الشوري
وللحديث بقية.