الفوضى الخلاقة والفوضى المستبدة

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

سوف لن يمضي وقت طويل حتى تعض الولايات المتحدة على أصابع يديها وحتى قدميها ندماً على ما فعلته وتفعله من سياسات حمقاء تجاه العرب والمسلمين. بالأمس قرأت خطاباً للرئيس أوباما، يطالب فيها بالكف عن الفوضى المستبدة، نعم قرأت وفكرت وتعجبت ...!

أولم يكن الرئيس بوش (سلف الرئيس أوباما المباشر) هو من أطلق العنان للفوضى الخلاقة، نعم هكذا أسماها الرئيس العبقري عندما دمر عامداً متعمداً مع سبق الاصرار والترصد بلداً علم العالم الحضارة ..! بلد يعرف القراءة والكتابة والفلك والفن والموسيقى وحتى العزف على آلة الهاربHarp  (القيثارة السومرية) المعقدة، قبل أن يكتشف الزمن الملعون أميركا ..!

ولكن الرئيس أوباما الذي قال عن سلفه الرئيس الثالث والأربعون جورج جونيور بوش الذي يصنف بين الرؤساء الأمريكان أكثر الرؤساء الأمريكان جهلاً وبلادة، و مرتبته ما قبل الأخير، (وفي المرتبة الاخيرة بعده، الرئيس العشرون جيمس جارفيلد الذي حكم لأشهر معدودة 1881)، فالرئيس بوش يكاد لا يجيد حتى  اللغة الإنكليزية، قال عن فعلته الشنعاء الرئيس أوباما : " لننسحب من العراق بشجاعة كما دخلنا بحماقة ".  جميل من أوباما الاعتراف بحماقة سلفه، ولكن ليس الجميل إدعاؤه بالانسحاب، فهذا للأسف غير صحيح، هم انزووا في معسكرات وقواعد لهم، يتستر عليهم من يتعاون معهم من أبناء جلدتنا .... يا للأسف ... ياللأسف.. وليس جميلاً عدم الاعتراف أن مطارق مقاومة الشعب العراقي هي من جعلهم يختبئون في جحورهم، وتلك سنخرجهم منها أيضاً.

وغير جميل أيضاً أن الرئيس أوباما يتضجر من الفوضى التي أطلقها رئيس قبله، الرئيس أوباما الذي أطلق على فعلته بالحماقة (الفقرة أعلاه) فوضى أعادت بلداً خرج أو كاد من قائمة البلدان النامية إلى العصر الحجري، تماماً كما هدد وزير الخارجية (جيمس بيكر) في عهد والد الرئيس الجاهل أو الاحمق (كما يقولون).

ترى هل معقول أن يفرز النظام الأمريكي هذا العدد الوفير من الرؤساء الأمريكان الذين تنقصهم اللياقة العقلية ..؟

للديمقراطية عيوبها، فكما أوصلت صحافياً مثقفاً ذكياً، قتله طموحه، مثل بنيتو موسولويني ليحكم إيطاليا العريقة، وأوصلت قائداً ذو كاريزما صاعقة مثل أدولف هتلر للحكم(جنونه أودى به)، والرئيس السابق المرحوم رونالد ريغان، الذي  جاء إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من حاكم لولاية كاليفورنيا، التي أمضى فيها عمره ممثلاً من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولم يمثل دور البطولة إلا عندما دخل القصر الأبيض رئيساً، وأراد نكاية بالمخرجين الذين لم يعطوه قط دور البطولة، أراد أن يمثل فلماً وهو رئيس الولايات المتحدة الامريكية، ففي أحدى خطاباته، قال بلهجة جدية للغاية " خلال دقائق ستنطلق الصواريخ باتجاه الاتحاد السوفيتي. ومرت ثوان مرعبة لمن كان حاضراً، ومن لم يكن حاضراً من المسؤولين،  ومن الألمان والإنكليز والروس واليابانيين والناس أجمعين، وبعد مرور ثوان، أنفجر الرئيس الممثل ضاحكاً ليعلن أنها كانت نكتة ...! لم يضحك لها أحد غيره.

الرؤساء الأمريكان ينتخبون ديمقراطياً، ولكنهم يحبون الفوضى، لغيرهم، وزعلوا على العرب أيما زعل عندما لم تكن فوضتهم في تونس وليبيا ومصر خلاقة كما كانوا يتأملون كفوضى العراق يحبون، يأملون ويتأملون والله في خلقه شؤون ..!

شجعوا الفوضى، بل سعوا لها، واعتقدوا أن بضعة أزلام لهم سيحيلونها لفوضى خلاقة، وعندما خاب فالهم، ضجروا من هذه الفوضى التي أخرجت الأمور من نطاق الريموت كونترول. هذا الشعب خرج من عقاله، ومزق ستائر الخوف، وقرر الدخول إلى التاريخ، والرئيس أوباما من جانبه قرر أنها فوضى مستبدة وليست خلاقة، حسناً هذه فوضى في سوريا، ماذا عنها ؟ يبدو أنها هي الاخرى مستبدة وغير خلاقة وإلا لكانت حضيت بتأييدكم. 

يا لشماتة الناس فيكم يا أمريكان، هل قرأتم ماذا كتبت عنكم إحدى صحف المقدمة في ألمانيا (Süddeutsche Zeitung)عشية تظاهرات غضب الناس (نؤيدها، نؤيد الغضب والتظاهر ولكن لا نؤيد القتل والتدمير): كتبت تقول: لم يعد للولايات المتحدة من لم تأثير يذكر في المنطقة، وهي تواجه مشاعر معادية لأمريكا، إذ لم يعد أي ديكتاتور يسيطر عليها. وفي الوقت نفسه، هناك قوى جديدة تتقدم المشهد السياسي، والولايات المتحدة تريد أن تستخدم هذه القوى وتستهين بها في الوقت نفسه، وها هي تحصد ثمار بل شظايا سياستها ".

مقدم برنامج في إحدى القنوات التلفازية بألمانيا شاء مرة أن يمازح أحد ضيوف برنامجه، فقال له: ولا يهمك، تخيل نفسك أمريكي وتسير في إحدى شوارع الشرق الأوسط ..! (وكانت هذه بعد أن ذاق الرئيس بوش طعم الأحذية العراقية) فضجت القاعة بالضحك ..!

أيها السيد الرئيس باراك أوباما : نحن نعيش ونموت على أرضنا راضين مرضين، ولكن لماذا تموتون أنتم بالآلاف في بلاد غريبة، ولا يحبكم أحد في العالم إلا نفاقاً ورياءً  .

أنتم مخطئون من الأساس. المسرحي النرويجي هاينرخ أبسن قال: لا يمكن أن يكون هناك نصر في قضية جذورها من جريمة.

أتمنى أن تصلك كلماتي هذه.