من أجل مجتمع ديمقراطي حقيقي

بدر محمد بدر

[email protected]

يتجاوز عدد الأحزاب السياسية الموجودة في مصر الآن أربعين حزبا، وسوف يزداد هذا العدد خلال الأشهر المقبلة، وهذا الرقم في حد ذاته مقبول ومتوقع من مجتمع عانى من الشمولية والتنظيم السياسي الواحد فترة، ثم عانى في ظل سطوة الدولة الأمنية الفاسدة لأكثر من نصف قرن، وبالتالي كان طبيعيا أن يخرج الجميع إلى رحاب التعددية السياسية بقوة واندفاع أكثر.

ومن الطبيعي والمنطقي كذلك أن تبحث هذه الأحزاب الجديدة، والقديمة أيضا، عن التواصل مع رجل الشارع، حتى تحصل على ثقته وتأييده وصوته في أي انتخابات قادمة، لعلها تنجح في تحقيق الأغلبية البرلمانية التي تؤهلها لتشكيل الحكومة، وتنفيذ برنامجها لنهضة الوطن، وهذا معناه أن تعمق رؤيتها السياسية، وتدقق في برامجها التنموية، وتؤهل كوادرها الحزبية، من خلال النزول إلى ميدان العمل الجماهيري، والاحتكاك بمشكلات المجتمع، وفهم الواقع بأبعاده المختلفة.

لكن مشكلة هذه الأحزاب التي نشأت في النصف الثاني من السبعينيات، ووصلت قبل الثورة لأكثر من عشرين حزبا، أنها ولدت بقرارات من السلطة، وبالتالي عاشت في كنفها إن رضيت عنها، أو مزقتها وحطمتها وجمدتها إن غضبت عليها، ولأسباب كثيرة لم تنجح غالبية الأحزاب في تلك الفترة، وإلى الآن، في الوصول إلى نبض الشعب المصري، والتعبير عن آلامه وآماله وأحلامه، فعاشت في المشهد السياسي كخيال المآته، ولفظها الناس مع سقوط النظام الأمني الفاسد.

أما الأحزاب الجديدة التي ظهرت حتى الآن بعد ثورة الحرية والكرامة، في الخامس والعشرين من يناير 2011، فقد ولدت، في معظمها مع الأسف، نخبوية تلتف حول شخصية، وليست وليدة إرادة شعبية حقيقية، تعبر عن منهج خاص أو تيار سياسي محدد، له أهداف وبرامج ورؤى مغايرة للآخرين، وبالتالي لا يكاد يعرفها أحد من الشعب، بل إن المحللين السياسيين والكتاب الصحفيين لا يعرفون عن أسماء هذه الأحزاب أو برامجها أو قضاياها الكثير، وهذا بالتأكيد شيء سلبي.

صحيح أن الوقت ما زال مبكرا للحكم على هذه الأحزاب الناشئة، وأن الفرصة أمامها لا تزال سانحة للوصول إلى الجماهير وإقناعها والتأثير فيها والتعبير عنها، وأن الاختبار الحقيقي لها لم يأت بعد، لكنني أخشى أن تسقط هذه الأحزاب في فخ الشخصنة أو الزعامة الفردية أو توزيع المناصب، دون أن يكون لها رؤية سياسية واضحة، أو برامج ميدانية مدروسة، أو كوادر سياسية مؤهلة، أو ممارسة سياسية ناضجة، وفي هذه الحالة سوف تذبل سريعا وتنهار، وتموت دون أن تحقق الهدف.

إن الديمقراطية الصحيحة التي حلمنا بها وتمنيناها طويلا، وتحملنا وعانينا في سبيل تحقيقها الكثير، هي ديمقراطية البرامج المتعددة، والأفكار المدروسة، والممارسة الراقية، والمشاركة وتداول السلطة، وفق آلية ورؤية واضحة لخدمة الوطن، ولا شك في أن التعددية السياسية هي أفضل وسيلة لإبراز الفكر والجهد والخبرة، ولتربية الكوادر، وتأهيل الكفاءات، وتحميل المسئوليات، واحترام الرأي.

وأعتقد أن التيارات الإسلامية، التي قدمها المجتمع المصري لقيادته في الفترة الحالية، وبخاصة الإخوان المسلمين، في حاجة إلى حياة سياسية وحزبية ناضجة، تقدم البديل بصدق، وتنافس على السلطة بشرف، وتعارض السياسات بنزاهة، بعيدا عن كوميديا الصراخ الأجوف في الفضائيات، أو هزل الدعوة إلى المظاهرات التائهة، أو إطلاق الشائعات وإثارة الفتن والأزمات.

أتمنى من هذه الأحزاب الجديدة أن تنزل بقوة إلى الشارع، وأن تلتحم بالشعب، وأن تتعرف على قضاياه الحقيقية، وهذا هو الجهد الصحيح المطلوب منها الآن، وإلا فما أسهل إطلاق الشعارات البراقة، وإلقاء الاتهامات الزائفة، وهذا بالتأكيد لن يفيد كثيرا في المعارك السياسية.