المسلمون وأوروبا
كتاب جديد:
التطور التاريخي لصورة الآخر
بدر محمد بدر
ثمة علاقة متعددة الجوانب بين العالم الإسلامي وأوروبا، تغيرت على مر القرون حسب الظروف، وتركت بصمات على صورة "الآخر" لدى كل منهما، ويناقش هذا الكتاب، الذي أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرًا في 244 صفحة, أبعاد هذا الموضوع، ويلقي مؤلفه الدكتور قاسم عبده قاسم الضوء على حقيقة الوحدة الحضارية التي تجمع بين البشر، منذ فجر التاريخ وحتى الآن، ردًا على مزاعم صراع وصدام الحضارات، التي انطلقت من رحم الرأسمالية الغربية.
ردود سلبية
وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام؛ الأول يتناول المشهد المسيحي قبيل الفتوحات الإسلامية ثم علاقته بالمسلمين بعد الفتح, حيث يشير المؤلف إلى تفاوت ردود الفعل السلبية من رجال الكنيسة، في المناطق التي فتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي، نتيجة الجهل بحقيقة الدين الإسلامي أحيانًا، وبرغبتهم في تشويه حقائقه أمام رعاياهم في أحيان أخرى، أو تتلون هذه الردود بحسب مواقفهم من الإمبراطورية البيزنطية، ولكنهم جميعًا رأوا في قدوم المسلمين عقابًا من الرب جزاء خطايا أصحاب المذاهب المسيحية المخالفة.
ويلفت المؤلف النظر إلى أن الحكم الإسلامي هو الذي أنقذ الكنائس الأرثوذكسية من الاضطهاد والعداء البيزنطي، وضمن بقاءها حتى وقتنا الحالي، كما أن السلطات الإسلامية أقامت علاقات طيبة وناجحة مع الكنائس المحلية التي دخلت تحت سلطانها, وكان الأساس الشرعي لهذه العلاقات قائمًا على اعتبار أنهم من "أهل الذمة"، الذين تتعهد السلطات بحمايتهم وحماية أموالهم وممتلكاتهم.
أوروبا والعالم الإسلامي
ويتحدث القسم الثاني من الكتاب عن التطور التاريخي لصورة الآخر عند كل من العالم الأوروبي الكاثوليكي، والعالم العربي الإسلامي طوال الفترة التي امتدت من القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي, وحتى العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ويشير إلى أن أوربا والعالم الإسلامي في تلك الفترة كانوا أسرى الجهل بالآخر على المستوى الإنساني، ورغم معرفة المسلمين بالمسيحية، فإن ذلك لم يكن يعني معرفتهم بـ "الأوروبي" في حياته الاجتماعية/ الإنسانية، ومن ناحية أخرى، فإن الصورة الخيالية التي رسمتها أقلام النخبة الأوروبية عن الإسلام والمسلمين كانت تعني أيضا عدم معرفة أوروبا بالمسلمين، وهكذا كان الجهل والوهم يطبع صورة الآخر بطابعه على الجانبين.
ويؤكد المؤلف أن العداء كان يميز الموقف الأوربي خاصة في مناطق التماس مع العالم الإسلامي، حتى بدأت الدعاية الصليبية تتصاعد بشكل هستيري ضد المسلمين تبريرًا للحرب ضدهم، ثم نتاجًا للهزائم التي ألحقها المسلمون بالمشروع الصليبي فيما بعد، وعلى الجانب المسلم تكونت صورة سلبية قبيحة للفرنج الصليبيين، الذين عرفهم المسلمون عن قرب أثناء الحروب الصليبية.
وعلى الرغم من هذا فإن العلاقات مع "الآخر" على الجانبين لم تكن سلبية وعدائية في جميع الأحوال, فقد كانت الرغبة في "المعرفة" أقوى من مشاعر العداء، وهذا ما يفسر لنا نمو حركة الترجمة التي صاحبت قيام الحضارة العربية الإسلامية من جهة، والنهضة الأوروبية أواخر العصور الوسطى من جهة أخرى.
التسامح بين ثقافتين
أما القسم الثالث من الكتاب فيتناول مفهوم التسامح بين أوروبا والعالم الإسلامي، حيث يؤكد أن الثقافة العربية الإسلامية قبلت "الآخر" على أساس حقه في الوجود والتعبير الفكري والإسهام الثقافي، ونجحت في الإفادة من إنجازات هذا "الآخر"، ولم تكن حركة الترجمة لنقل علوم القدماء من الهنود والصينيين والفرس وغيرهم سوى نوع من "التسامح" الذي يقبل "الآخر" ويستفيد من خبراته وتجاربه وعلومه, أما على الجانب الأوروبي فقد فرضت التطورات التاريخية مفهوم "التسامح" على الثقافة الأوروبية, حين استطاعت القوى السياسية والاجتماعية والفكرية أن تقوض الزعامة الكنسية على أوروبا.