الحرية السياسية في الإسلام

الحرية السياسية في الإسلام

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

لا تكون الحرية السياسية متاحة أو مأمونة، ما لم تكن السلطات أو الأنظمة مقيدة بضوابط دستورية وقانونية وقيم مقننة، والتزامات محددة، وواجبات يناط بالسلطة أداؤها، وإلا كانت الحرية السياسية من باب الدعاية الإعلامية التي تُحسّن بها السلطات صورتها، وتضلل بها المراقبين لسياساتها، في داخل الوطن وخارجه، كما هو الحال في معظم الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث.

جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)، ويقول: (من غشنا فليس منا).

إن هذا الكلام النبوي الكريم الشديد الوضوح، يبقى لدى كثير من الأنظمة والحكومات للتبرك دون أن تكون له صلة بالواقع، مثله كمثل الذين يرفعون الآية الكريمة: "وأمرهم شورى بينهم" عند مدخل البرلمان ومجالس الأمة والشعب التي ليس لها من الأمر شيء، وإنما هي غطاء لأشد ألوان الاستبداد والظلم والحكم المطلق، ما لم تأخذ هذه التعاليم القرآنية والنبوية طريقها إلى التنفيذ بالأدوات القانونية والنظامية الفاعلة، وما لم يرفع ميزان العدل في المجتمع ليشمل الراعي والرعية، أو السلطة والشعب، تنفيذاً لأمر الله في كتابه: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً".

ولشدة حرص الإسلام على إنصاف الناس، وتطبيق العدل بينهم وعليهم، وتأمين حقوقهم وحاجاتهم وأسباب معيشتهم، اعتبر القرآن الذين يهملون الأيتام ولا يقومون بأودهم، ولا يرعون المساكين في طعامهم وأسباب معيشتهم كالذين يكذبون باليوم الآخر ولا يؤمنون بالحساب "أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين".

ثم أوضح الإسلام بجلاء أن العبادة ليست مقتصرة على الصلاة والصوم والحج وسائر العبادات فحسب، وإنما جوهرها وفي الأولويات من سلمها: العدل والإنصاف وإحقاق الحق في المجتمع، ولكل أفراده دونما استثناء بسبب من الكره أو الشنآن.

في هذه الأجواء أو الأوساط التي تسودها العدالة والإنصاف وإحقاق الحقوق وإسعاف الجميع، يستطيع المواطن أن يمارس حقوق السياسة، فيجهر بالحق، ويعترض على الخطأ –أي يملك حرية النقد - التي هي في نظر الرسالة الإسلامية جهاد وفريضة على كل مواطن، أو هي من فروض الكفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، وفي مقابل ذلك فإن المداهنة والتملق والنفاق وتزيين الباطل بدوافع بخسة، هي إيذان بانتهاء الدول الرسالي للأمة، ينذر بزوالها وأفول نجمها، يقول نبي العدل والرحمة: (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم إنك ظالم فقد تُوُدّع منها).

وترسيخاً لهذه الأسس وتلكم الدعائم، وضماناً لاستمرار هذه الأجواء التي تسودها الحرية والعدالة والإنصاف والتحرر من الخوف، يحذّر من أرسله الله رحمة للعالمين ذوي السلطان من ممارسة الضغوط على عباد الله، من تخويف أو ترويع أو تعذيب أو كبت أو سجن أو تضييق عليهم في الرزق وأسباب المعيشة، فيقول: (لا يحق لمسلم أن يروع مسلماً، إن روعة المسلم ظلم عظيم)، ويقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)، ويقول: (من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)، ويقول (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق، أخافه الله يوم القيامة).