حلب في عين الثورة

محمد عبد الرازق

بعد وصول المعارك إلى قلب ( حلب )؛ التي كان بقاؤها خارج المشهد مؤشرًا على تماسك النظام عند كثير من المراقبين؛ أخذَ كلُّ فريق يستنفر جلَّ طاقاته لخوض هذه المعركة؛ التي وصفها طرفا النزاع بحسب ما يتوقعاه؛ فهي ( أمّ المعارك ) عند النظام، و ( أمّ الهزائم ) عند الجيش الحر.

فبعد مضي ( ثلاثة عشر ) يومًا على بدئها مازال النظام يتلمّس الطريق إلى ( حي صلاح الدين )، في الوقت الذي تتمدد كتائب الجيش الحر أفقيًّا في عدد من الأحياء الأخرى، فتمت السيطرة على (60% ) لحدّ الآن، و الأمر بات كبقعة حبر، ففي الوقت الذي يتماهى فيه مقاتلو الجيش الحر مع سكان الأحياء التي يدخلونها؛ نجد أزقة الشهباء تنبذ قطعان الشبيحة بشكل لافت للنظر، و لاسيما بعد اجتياح مضافة بيت ( بري )، و القضاء على أكابر مجرميهم في عملية وصفت بالجريئة، ردًّا على إقدامهم بالنكث بوعودهم بعدم الاحتكاك بالجيش الحر في عملية التحرير التي قادوها للتحرير حلب ( المدينة )، و قيامهم بالقتل غيلة لـ ( خمسة عشر ) مقاتلاً من لواء التوحيد.

لقد اتبعت كتائب الثوار لبسط سيطرتههم عليها سياسة ( تقليم الأظافر )، و شدَّ من أزرهم العملية النوعية التي نفذتها كتائبهم في الريف الشمالي، و تكللت بالسيطرة على حاجز ( عندان ) الاستراتيجي، و كان من ثمارها دخول السلاح الثقيل على خط المواجهة، و هو ما ظهر لاحقًا في مواجهات حلب، و في عملية البارحة عند قصف مطار ( منغ )؛ للسيطرة عليه، أو لتحييده في هذه المنازلة التي أصبح فيها سلاح الطيران أمضى سلاح بيد كتائب الأسد.

إن فشل النظام في إخضاع حلب لهيمنته أمرٌ سيتبعه كثيرٌ من المتغيرات على المستويين: العسكري، و السياسي. و هذا ما يجعل حلفاءه الإقليميين، و الدوليين يتحسبون له كثيرًا؛ و لذلك نجد ( المعلم ) يحث الخُطا نحو ( طهران ) كي تمده بما لديها من طاقات بشرية مضمونة الولاء، عوضًا عن الزج بأبناء سورية الذين أخذت وتيرة الانشقاقات في صفوفهم تزداد ( كمًّا، و نوعًا ) في الأوانة الأخيرة. هذا في الوقت الذي أُرهقت فيه قواتُ النخبة، ذات الولاء الخالص، التي لا تتعدى نسبتها (15% ) من تعداد فرق الجيش السوري.

 لقد واجهت مساعيَ ( المعلم ) مشكلةُ إيجاد الطريق التي سيسلكونها مع معداتهم وصولاً إلى (حلب )؛ فأقلعت الطائرة التي تقلّه لتحط في ( بغداد )، و يختلي بالسيد ( المالكي )، و بماما ( جلال ) من أجل البحث في آمن الطرق البرية الموصلة من ( إيران ) إلى ( حلب ) عبر العراق، و قد استقر الرأي على أن تكون من ناحية ( ربيعة ) في شمال شرق سورية، حيث يسيطر أفراد حزب الوحدة الكردي المتحالف مع الأسد علىى عدد من مناطق محافظة الحسكة هناك. إلاَّ أن الأمر قد اصطدم بقوات البشمركة التابعة لقوات الإقليم الكردستاني بزعامة ( مسعود البرزاني )؛ التي حالت دون وصول القوات العراقية التي تمَّ إرسالها لتمهد الطريق لوصول القوات الإيرانية المنتظرة. فبوابة ( إبراهيم الخليل ) العراقية المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية، و حكومة الإقليم، تحت سيطرة الأخيرة، و هي تتحكم في الحركة فيها. و الأمر آخذٌ في التصعيد بينهما في ذلك.

 و ضمن هذا السياق يمكن تفسير زيارة كلٍّ من وزير الخارجية التركي، و رئيس المجلس الوطني السوري ( عبد الباسط سيدا) إلى إقليم كردستان؛ لتنسيق المواقف مع ( مسعود البرزاني )، و القوى الكردية السورية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد.

و استشعارًا بأهمية هذه المعركة قامت أعداد من مقاتلي ( السيد حسن ) بالتوجه من مناطق البقاع إلى دمشق، ليقوم الأسد من بعدها بنقلها إلى ( حلب ) كقوات سورية من فرق النخبة، و كتائب لجان الحماية الشعبية ( الشبيحة ). و غير بعيد أن تأتي هذه ( الفزعة ) من ( السيد حسن ) بعد أن وصلته رسالة ( ياسر الحبيب ) التي يرجوه فيها أن يجيِّش قواته؛ للتوجه إلى دمشق لحماية مرقد السيدة زينب (عليها الصلاة و السلام ) من مقاتلي القاعدة، و التكفيريين.          

لقد أصبحت الأمور في سورية تُلحّ على أن يرتقي الجميع إلى مستوى الحدث؛ و لا سيما بعد الإعلان رسميًّا عن استقالة كوفي عنان، الأمرُ الذي يعني حكمًا فشل مبادرته ذات النقاط الست، إذ ليس من المعقول أن يتنحى صاحب الخطة، و تبقى هي على الطاولة. هذا فضلاً على أنه لا يوجد مجنون في العالم يقبل أن يحل مكانه ( على حدّ قوله ).

إنَّ على الأطراف التي بات تشكل أضلاع الثورة السورية الثلاثة ( قوى الحراك الثوري، و كتائب الجيش الحر، و المعارضة السياسية في الخارج ) أن تنسق الجهود فيما بينها؛ تهيُّأً للمرحلة القادمة التي ستنبني على هذه المعركة الفاصلة. فإمَّا أن يكونوا على مستوى التحديات، أو أن الأمور سنجرف إلى ما لا تُحمد عقباه.

و ما هو واضح في المشهد يشير إلى أن الضلع الرخو في هذا المثلث، هي ( المعارضة السياسية في الخارج )؛ التي أخذت تناقضاتها تطفو على السطح بشكل فجٍّ، و فاضح، و أخذت تأثر سلبيًّا على الضلعين الآخرين؛ و هو ما جعل الأصوات تعلو محذرةً من تبعات ذلك. فإمّا أن يرتقي هؤلاء إلى مستوى الحدث، أو أن يهيؤوا أنفسهم ليكونوا في مصطبة اللاعبين الاحتياط بانتظار تحسُّن أدائهم؛ الذي يبقى القرار بشأنه رهنًا بما يراه مَنْ كان له الفضل بعد الله في إشعال شرارة هذه الثورة، و ديمومتها.