العروبة ضرورة لحماية دولة المواطنة

العروبة ضرورة لحماية دولة المواطنة

د. سماح هدايا

حملت الثورات العربيّة العروبة على الرغم من إطاحتها بالمفاهيم القومية التقليدية السائدة، مفهوم العروبة على نحو جديد عفوي ومصيري .

فقد أصبح الآن جليّا، أنّ مشروع العروبة هو ضرورة كبيرة لحماية أي ثورة عربية

من  الاندثار، وأي دولة عربيّة من التفكك والانقسام، وذلك في ظلّ التحديات الجديدة الخطيرة الاستعمارية والاستغلالية والعنصرية الفئوية. ونحن عندما نتكلم عن مشروع العروبة، فإننا لا نعني العنصرية السياسية أو الفكريّة، بل نحدّد مفهوم العروبة على أنّه الهوية الثقافيّة الوطنيّةالجامعة والموحدّة والضروريّة لدول الوطن العربي.

إنّ محاربة مشروع العروبة كهويّة ثقافيّة وكمشروع وطنيّ يضمّ جميع المواطنين على اختلاف مواقفهم الفكريّة والسياسيّة من خلال اعتماد هويّات أخرى جزئية، ومشاريع بديلة؛مثل المشروع القطريّ، ومشروع تسييس الدين، ومشاريع العولمة والأمميّة، يُسقط الدول العربيّة؛ دولة، فدولة، في خطر أزمة انتماء وهويّة، تهدّد بتفتيتها وإبقائها في حالة من التوتّر والصراع. كما يسهم في زعزعة تماسك كل دولة بإثارة مخاطر الفوضى وتحريك المكوّنات الدنيا الخطيرة: العشيرة، الطائفة، العرق والأصل.

وقد حقّقت الثورات العربية في جوهر دعوتها إلى عدالة المواطنة تطوّراً كبيرا وملحّا وجديدا من خلال تعزيز ارتباط فكرة المواطنة بآفاق العروبة. ومن الضروري ان يظهر في بعض الدول العربيّة، مع الثورات وقبلها قلق وطني كبير ناجم من الإيمان الناضج بالوطن وأرضه ومواطنه، لكي يعتمد مفهوم المواطنة الجديد،ويحارب الصورة الفوضويّة الفئوية الانعزالية التي يعمل عليها أعداء الثورة والشعب والوطن، بمكرٍ شديد، ليثيروا الفتن، ويهدّدوا وحدة الوطن وأرضه ويزعزعوا تماسك المجتمع وأمن الأمّة.

إنّ المواطنة تبنى على أساس الانتماء للوطن وللدولة وفق العلاقة المحكومة، بين المواطن والدولة، بواسطة القانون، لا باعتماد الطائفة، أوالعشيرة، أو العائلة، أو الأصل القومي الفرعي. لذلك، ومن أجل تحقيق رفعة الدولة وتماسك بنائها الوطني ووحدتها؛ توثّقت الصّلة بين مفهوم المواطنة ومفهوم العروبة؛ فأصبحت العروبة هي الهويّة التي تمنح القطر تماسكه ووحدته السياسيّة والحضاريّة، وفي غيابها يبرز ويتعزز ويتفشّى الانتماء الضيّق المدمر، فينتهي الوطن وتنتهي المواطنة 

العروبة ضرورة لحماية دولة المواطنة

عقاب يحيى

تناولت الدكتورة سماح هدايا، بإيجاز وتركيز مفهوم، وموقع العروبة في الثورات العربية، وفي أفق القادم، واعتبرت أن تلك الثورات حمتها من الاندثار..

الواقع أن الأمة كلها، ناهيك عن العروبة، كمحتوى، كانت تعاني مخاطر الاندثار بفعل ممارسات ومآل نظام الاستبداد والفساد العربي، والذي يتحمل مسؤولية مباشرة، وكاملة في خيانة أهداف الأمة، ونحر وتقويض مشروع النهوض العربي، واستباحة الأرض الأرض والسيادة والثروات العربية لكل طامح وغاز، فراحت تصول وتجول فيه المشاريع الاستراتيجية للآخرين، بدءاً من المشروع الصهيوني ومكا فعله ويفعله، والإيراني، والتركي، وصولاً على مشاريع الدول الغربية وغيرها، بينما يغيب أي مشروع عربي عن الوجود في حالة أقرب للسديمية.

ـ إن من مظاهر مخاطر الاندثار تلك يأس، وهجرة، الأجيال المتعاقبة، ووصولها حد الكفر بالعروبة والانتماء، وبالوطن..في حالة استنزافية قلّ نظيرها، وكذا ما جرى لفلسطين : القضية المركزية، وللعراق.. وغيره.

ثورات الربيع العربي تعيد الكرامة والعزة للمواطن. تشعره بموقع الانتماء للعروبة وفخره بذلك، وللوطن، ترفع رأسه بعد عقود الذل والهوان وتضعه في موقع القرار لبناء غد آخر مختلف.

ـ ورغم أن التحديات التي تواجهها تلك الثورات كبيرة، وضاغطة، خاصة إرث ومخلفات عقود الاستبداد والفساد، والأمن والاقتصاد.. إنما تجعل الاهتمام الرئيس بها، بما يُظهر وكأنها غير مهتمة بالعروبة، والمسائل القومية الوحدوية.. إلا أن المتمعن في جوهر تلك الثورات : مفاعلاتها، وسيروراتها وصيروراتها يدرك أن العروبة الحداثية، وعروبة المواطنة، والانتماء، وعروبة الهمّ المشترك حاضرة بقوة، وستأخذ مدياتها الطبيعية .

ـ العروبة المطروحة اليوم، وكما تقول الدكتورة سماح، تتجاوز العنصرية السياسية والأقوامية والفكرية، والدينية والمذهبية وغيرها، كوعاء انتماء، وكهوية تحتوي ضمنها جميع المكونات المختلفة على قاعدة المواطنة المتساوية المحمية بدستور عصري، وقوانين تنظم الحقوق والواجبات.. وهي بذلك ردّ واقعي على دعوات القطرية، والانعزال، والفصم، وما دون الدولة القطرية .

العروبة المبتغاة لا تقوم على عنصر عربي، مثلاًن وتستثني الآخرين، وإنما هي هوية الدولة التي ينتمي إليها المواطن بغض النظر عن رأيه، وقوميته، ودينه، ومذهبه، كما أن الأفق التوحيدي يجد مناخاته الخصبة في بناء الديمقراطية، وتحرر الإنسان من معيقات تطوره، ومن مشاركته المباشرة في صنع حاضره ومستقبله، فحين تتحرر إرادة البشر، ويحسّ المواطن أنه جزء من الدولة، وله حقوقه الكاملة، وأنه حر في التعبير والاعتقاد..سيكونم قادراً على تحقيق الأهداف الكبرى، وصياغة مشروع النهوض العربي، الحداثي، الواقعي.