سورية بين غُرَّتين لرمضان

محمد عبد الرازق

للمرة الأولى يكون في سورية غرتان لشهر رمضان بشكل معلنٍ على القنوات الفضائية، في هذا العام؛ فالنظام يقرر أن يكون ذلك يوم السبت من دون دول الجوار قاطبةً، و المجلس الوطني، و الثوار يعلنون أنه يوم غدٍ الجمعة.

وفي هذا أكثر من دلالة، أهمها ولادة مرجعيات أخرى للشعب السوري على الصُعد كافة، و منها مرجعية الإفتاء الشرعي. فما عادت مرجعية مفتي عام الجمهورية تعنيهم بشيء، فلقد أضحى لهم مرجعيتهم المستقلة في هذا الباب.

فلهم مناطقهم المحررة بنسبة تكاد تصل إلى سبعين بالمائة، هذا فضلاً على الشعور بالتحرر الذي يعمُّ السوريين قاطبة في عموم المحافظات؛ لأن شعورهم تجاه النظام بأنه ما عاد يمثلهم بعد أن فقد شرعيته الأخلاقية؛ التي هي أهمّ من أيّة شرعية أخرى تتعامل بها الدول فيما بينها.

و هذا يوجب عليهم أن يتصرفوا على أرض الواقع كدولة لها مرجعياتها، و أطرها القانونية، و المؤسساتية التي تتحاكم إليها في قضايا الحياة اليومية. و هذا ما يحصل في الواقع اليومي المعاش؛ فلقد تشكلت في عموم المحافظات المحررة مجالس لإدارة شؤون الناس، و تمشية مصالحهم، و هناك مرجعيات قضائية تفض الخصومات، و هناك شرطة مدنية تأخذ على يد من يتجاوز على الآخرين، و هناك محاكم مدنية، و سجون، و جهاز شرطة لضبط حركة المجتمع حفاظًا على الحقوق، و تنفيذًا لأحكام القضاء الذي له رجالاته من أبناء سورية الأحرار، و المعمول به في تلك المناطق.

إنَّ هذا الذي كان اليوم من إثبات غرتين لهذا الشهر الفضيل يؤشر على أن النظام و هو في النزع الأخير ما زال يرنو بطرف عينه إلى الشرق، كعادته في كل المواقف التي كان يتخذها؛ و حتى الدينية منها. و أخذ السوريين رهينة في تلك المواقف بناء على الشرعية الرسمية الممنوحة له برضى ظاهري من لدن الشعب السوري.

أمَا و قد خلع السوريون هذه الشرعية الزائفة، و رمَوْها في وجهه الكالح بعد فقدانه الشرعية الأخلاقية؛ ما عاد له في ربقتهم ذِمَّة، و لا عهد؛ فحقيقٌ عليهم أن يوجدوا لهم مرجعياتهم المستقلة، و قد كان لهم ذلك في مواضع كثيرة على امتداد عمر ثورتهم المباركة.

فسورية الشعب تولد من جديد، و من حقها على أبنائها أن يأخذوا على عاتقهم تشكيل مرجعيات أخرى منبتة عن هذه الحقبة المظلمة من تاريخها، التي كان فيها الأسد نظامًا عليها، و سيصبح جزءًا من الماضي في وقت لن يتعدى رمضان هذا العام بعون من الله و تأييد.