لماذا لا نكون على قلب رجل واحد؟؟؟
د. موفق مصطفى السباعي
إني أستأذن السيدة الحمصية الأصيلة الفاضلة .. سهير الأتاسي ..بنت العائلة الأشهر ..ليست في حمص فحسب ..ولا في سورية سايكس بيكو ..وإنما في سورية الطبيعية – الشام – حيث كانت تتنافس مع آل السباعي ، منذ أيام السلطان عبد الحميد ، رحمه الله تعالى ، في تخريج أعظم الرجال ..وأمهر القادة الأبطال .. وأنبل بني البشر على الإطلاق .. وما سميت حمص عاصمة الثورة .. عاصمة التحرر ...عاصمة الإستقلال عن عبث ..ولا عن دعاية رخيصة ..بل عن دعاية مدفوع ثمنها أغلى ما يملك البشر طراً .. ولأنها صانعة الأبطال ..صانعة الرجال ..نساؤها أجمل ..وأبهى ..وأتقى ..وأعظم نساء الدنيا طراً ..لاينبت في أرحامهن إلا الذكي الطاهر ..فيخرج منهن عباقرة الرجال ..وجهابذة الأيطال ..الذين سطروا بفكرهم ..ودمائهم ..وعقولهم النيرة المنفتحة .. ونفوسهم الطيبة المرحة .. وذكائهم الذي لايدانيه ذكاء في العالم .. أبهى صفحات التاريخ ..وخرج من هاتين العائلتين بالذات – السباعي والأتاسي – من قادوا الأمة سواء بالفكر أو بالسياسة ..طوال المائة السنة الأخيرة ..
أقول إني أستأذنها في إستعارة عنوان هذه المقالة ، في المعنى وليس الحرف ..من مقالتها التي نشرتها قبل أيام ..وكانت معنا في القاهرة ..وشاركت بشكل فعال في المؤتمر – كما هي ذكرت – وإني أشهد للتاريخ ، أنها كانت أول من اعترض على الجملة السقيمة ..البالية ..العتيقة ..المتهافتة..التي وضعها شخص معتوه ..مخبول قبل مائة سنة ( الدين لله ..والوطن للجميع ) وذلك لأن اسمها كان مسجلا في قائمة المتكلمين أولا ..ثم حينما جاءني الدور في الكلام ، وأكدت على نفس الإعتراض بكلام آخر ..واعترض آخرون ..وأخرون ..وعليه تم إزالتها من الوثيقة في النسخة المعدلة ..
نعود إلى السؤال الكبير المطروح ..لماذا لا نكون على قلب رجل واحد؟؟؟
لماذا لا نتآلف ..ولا نتعاون مع بعضنا البعض..ولا نتكاتف ..ونضع أيدينا ببعض ..ونطبق مقولة ..تعالوا يا قومنا إلى كلمة سواء بيننا ، ألا نعبد إلا الله وحده ..وألا نخون دماء شهدائنا ..ونزيف جراحنا ..وعذابات مسجونينا ..وآهات ثكلانا ..وصرخات مغتصباتنا ..وبكاء أيتامنا ..واستغاثات محاصرينا ومهاجرينا ...
لماذا لا نركز همنا الأول ..ونشغل فكرنا بهدفنا الأساسي ..وهو إسقاط النظام الأسدي ..وتحرير سورية من سطوته وجبروته ؟؟؟
لماذا لا نزال نتذلل ..ونستجدي العبيد الصعاليك ..المهابيل – الأمريكيين والأوروبيين – للتدخل لحمايتنا والدفاع عنا ..وهم قد أعلنوها مئات المرات صريحة واضحة ..لن يتدخلو في سورية لإسقاط النظام الأسدي ..لأنهم يعتبرون هذا شأناً داخلياً ، لا علاقة لهم به ..علاوة على ما فيه من تهديد ، لسلامة وأمن الجالية اليهودية ، المسيطرة على فلسطين ؟؟؟
وكنت قد وجهت كلمة في المؤتمر بهذا المعنى ...أعيد ذكرها هنا للفائدة .. وأملا في أن يستفيد منها قومنا :
قلت :
أتكلم بإسم الضحايا ... بإسم الدماء المسفوكة .. بإسم الأطفال المذبوحة .. بإسم النساء الأرامل والمغتصبة .. بإسم الأرض المحروقة .. بإسم حمص الشهيدة المدمرة...
أنادي ضمائركم ... أنادي أخلاقكم .. أنادي إنسانيتكم .. أنادي قلوبكم المكلومة ..أناشد حبكم لسورية الجريحة ..
إننا نتهم الآخرين بأنهم قساة قلوب ..لأنهم لا يتحركون لمساعدة شعبنا المذبوح ..
ألسنا نحن أشد قساوة منهم .. لأننا نختلف على أشياء جزئية ..تافهة ؟؟؟
يا قومنا .. لنضع دائما في الآخرين حسن النية .. ولا نسئ الظن بهم وبنياتهم ..
لنردد معاً قول أحد عظماء صانعي التاريخ الحديث : ( لنتعاون فيما اتفقنا عليه .. وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ..)
أقول لكم .. وقلبي يتفطر ألماً .. ويتقطع حزناً .. وكذلك قلوبكم ..
أقبل أياديكم .. بل حتى أرجلكم .. أن تتفقوا على أدنى مقومات الإتفاق .. تعالوا نتفق على الأساسيات ، وهي إسقاط النظام الأسدي .. وندع الإختلاف في الجزئيات ، إلى مرحلة ما بعد التحرير ..
إذا كنتم حريصين على الإنتصار ..فيجب أن تلغوا كلمة الأنا .. ونقبل جميعاً على الله تعالى ، بقلوب صافية خالصة .. وإلا سنُعتبر نحن المسؤولون الأول عن الهزيمة .. وعن المذابح ..وسنحظى بلعنة الله والتاريخ والناس ..
انتهى
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه (تجدون الناس معادن . فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا . وتجدون من خير الناس في هذا الأمر ، أكرههم له . قبل أن يقع فيه . )
إن أعظم ميزة يتمتع بها الناس ، ويتفاضلون على أساسها ، هي فقه الحياة ..فقه أولوياتها ، وأهدافها ، ومراميها ، ومغزاها ، وسر الوجود فيها ...وكلما زاد الفقه ، والوعي ، والإدراك لحقيقة الحياة ، لدى الناس ، كلما زاد التقارب بينهم ، والتلاحم ، والتفاهم ، والعكس صحيح ..ومن هنا يأتي دور الطاغوت ، الدكتاتور المستبد في القضاء على هذا الفقه ، وترك الناس يعيشون في جهالة وضلالة .. وبالتالي في تمزق وتفرق وتشتت ..
وحالما تنطلق الثورة ، ضد هذا الطاغوت ..يبدأ الناس في استعادة الوعي ، والفقه ، لما يقومون به .. ويبدأ التقارب ، والتواصل ، والتوافق بينهم ...غير أن هذا لا يحصل فورا ، بين كل الناس .. وإنما يحتاج إلى زمن ..وكلما كان الطاغوت شديدا ..واستمر لفترة طويلة يهيمن على عقول الناس ..كلما احتاج الأمر إلى وقت أطول ..
وهذا سر تطاول فترة الثورة السورية ...وسر تأخر التوافق بين أبنائها ..وتأخر الإنضمام إليها ، وتأييدها ، ودعمها ..
ومن هنا نجد ، أن العاملين فيها ، ليسوا كلهم سواء .. وليسوا على درجة واحدة من المساهمة ، والمشاركة ، والتضحية ، والفداء ..
ولمجرد التوصيف ، والتصنيف ، نجد أن أبناء الثورة على أقسام :
القسم الأول : الثوار في أرض الميدان ، الذين يواجهون الرصاص بصدورهم العارية ، وهذا يشمل المتظاهرين ، والإعلاميين ، والعاملين في القطاع الطبي ، والإغاثي ، فمنهم من يُستشهد ، ومنهم من ينتظر ، ويواصل ، ويقاوم ، ويتحدى ، وما بدلوا تبديلا ..
القسم الثاني : جنود الجيش الحر ، الذين خرجوا على الطاغوت الأسدي ، وانحازوا إلى شعبهم ، وأخذوا يدافعون عنه ، فيَقتلون ويُقتلون ، دفاعاً عن الحق ..
القسم الثالث : الذين يقدمون الدعم المالي ، والإغاثي الطبي ، والإعاشي ، من خارج الميدان ، ويوصلونه إلى داخله ..
القسم الرابع : العاملون في الحقل السياسي ، ويقومون بعرض القضية وشرحها ، والدعوة إلى تأييدها ومناصرتها في المحافل الدولية ..
القسم الخامس : العاملون من الخارج في الحقل الإعلامي ، والذين يسخرون أقلامهم ، وفكرهم ، وعقولهم ، للدفاع عن الثورة ، ويوصلونها إلى كل العالم ، عبر شبكات التواصل الإجتماعي ..
إلا أن هناك صنفاً من الناس ، لا أستطيع أن أضعه تحت صنف الثوار ، وإن كانوا يحسبون ، ويزعمون ، أنهم من أنصار الثورة والداعمين لها .. ولكنهم هم العدو ، بل أشد أعدائها ، يسخرون أقلامهم ، وفكرهم ، للتثبيط ، والتوهين ، ويعملون على تمزيق الصف ، وتشتيته ، بلوثات عقلهم المأفون ، وليس لهم همٌ ، إلا نشر الأكاذيب ، والأراجيف ، والأباطيل ، وتصيد الأخطاء ، والهفوات ، وتضخيمها ، والتهويل منها ، وتسفيه أحلام الأشخاص والجماعات ، وتصويرهم بصور مزرية مهينة ، وتوصيفهم بأوصاف أشد سوءً من النظام الأسدي .. وزيادة في السوء والضلال ، يدعون إلى محاربتهم قبل محاربة النظام الأسدي ، وإسقاطهم قبل إسقاطه..
وكل الذي أرجوه من إخواني جميعا ، المذكورين ضمن الأصناف الخمسة ، أن يحذروا من الصنف الآنف الذكر ، واعتباره مريضا عقليا ، وفكريا ، ونفسيا ، وتجنب محاورته ومناقشته ، وتهميشه وتطنيشه ، لأنه سليط اللسان ، وأحد من السيف الصارم ، ولا يتورع عن الجرح بل القطع والبتر ، وهو لا يعرف له صديقا ، إلا من يوافق هواه ..
وما أقول هذا الكلام إلا عن تجربة مع بعض عناصره .. الذين وجدتهم في منتهى السفاهة والفجور على مبدأ ( إذا خاصم فجر ).