سورية الثورة: المشهد السياسي
هيثم المالح
لايمكن لأحد من المعارضة ـأحزابا أو أفرادا ـ الادعاء بأنه المحرك او الدافع للثورة!
هذه الثورة كالشجرة ماهو ظاهر فوق الارض نراه أحيانا أخضر مزهرا يضج بالحياة وأحيانا يتعرى فيظهر فاقدا للحياة، أما الجذور وهي التي تمد ما فوق الارض بالحياة، فهي ضاربة في أعماق الارض تخترق طبقاتها واحدة بعد أخرى، غير عابئة بما يعتورها من صخور أو بقايا صخور، وهي التي تمثل أحزابا أو تجمعات هنا وهناك، لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا قد أرخى عليها الدهر بكلكله فشاخت أو تحجرت فلم يعد منها فائدة تذكر، هذا ان لم تكن متواطئة مع طاحونة الانظمة التي تداعت على الشعب السوري .
فمنذ انقلاب 8 اذار الذي قاده الضابط ـ الخارج عن القانون ـ زياد الحريري وماتلاه من ركوب موجة فلول حزب البعث والناصريين ثم تفرد الأول بالسيطرة على الحكم، بدأ الشعب يعلن رفضه لهذه السلطة الانقلابية، فوقعت أحداث 1964 في حماة والتي استعمل فيها أمين الحافظ القوة العسكرية لاخمادها، وهدمت هذه القوات جامع السلطان واعتدت على المواطنين، وتلا ذلك أحداث دمشق عام 1965 والتي أضربت فيها نقابة المحامين وكذلك الهيئة القضائية، والتي تسبب في أحداثها الضابط البعثي سليم حاطوم الذي دخل المسجد الاموي، وقد اعتصم فيه مواطنون احتجاجا على أعمال السلطة، فكسر عتبة المسجد ودخله بالألية العسكرية واستعمل الرصاص الحي ضد المعتصمين دون أن يكون لدى أحد منهم أي سلاح، واقتيد نحو من عشرة الاف شخص الى السجون، بينما وقف أمين الحافظ على شرفة قصر الضيافة في ابي رمانة ليقول : 'ان النساء تلدن كثيرا سنقطع أيديهم وأرجلهم ونرميها للكلاب' وهو يقصد من اعتقل من المسجد .
في عام 1978 بدأت حركة النقابات العلمية والتي تزعمتها نقابة المحامين في دمشق واستمرت الحركة ـ التي كانت بحق ـ من أبرز حركات المجتمع المدني في سورية الحديثة حتى مطلع عام 1980، فقابلها نظام حافظ الاسد بحل النقابات واعتقال النقابيين والمثقفين وشنت السلطة حملة شعواء على الشعب السوري تمركزت في حماة وحلب وجسر الشغور وغيرها من مناطق شمال سورية وارتكبت السلطة أبشع جرائم القتل والسرقة والاغتصاب، وتدمير وسرقة أثار حماة من خلال تدمير ثلث المدينة بتفجير الابنية بالديناميت فوق رؤوس اصحابها .
بلغ عدد ضحايا سلطة الاسد الاب في الثمانينات نحوا من سبعين الف شهيد ومصادرة عشرين ألف مسكن وتهجير ربع مليون مواطن سوري لايستطيعون العودة الى وطنهم بقوة السلاح لابقوة القانون .
سنت السلطة الحاكمة قوانين مناقضة للعدالة وللدستور وللمعاهدات الدولية واستعملتها من أجل قمع المواطنين السوريين .
من خلال حكم الاسد الاب سيطرت الاسرة الحاكمة وحواشيها على 85' من الدخل القومي وسرقت البلد وأصبح حوالى 60' من المواطنين السوريين تحت خط الفقر وبلغت نسبة البطالة 30' من القوى العاملة .
هذه الحالة من القمع غير المسبوق ونهب ثروات البلاد ارخت بظلالها عن المواطن السوري الذي بات يحاول استرداد حقه المسلوب وأضحى المجتمع السوري كبرميل بارود جاهزا للانفجار .
لقد توقعت هذا الانفجار منذ أكثر من أربع سنين وصرحت بذلك أمام العديد من المسؤولين الذين قابلتهم في تلك الفترة وحذرت من أن الدماء سوف تجري انهارا في شوارع سورية ما لم تبادر السلطة لتدارك الامور واجراء الاصلاح قبل فوات الاوان، الا أن السلطة بقيت سادرة في غيها موغلة في امتصاص دماء الشعب .
هذه الحالة التي رانت على سورية منذ استيلاء حزب البعث على السلطة بواسطة العسكر وحتى قيام الثورة هي التي مهدت لها وهي التي غذت جذورها ودفعتها للتحرك حيث غطت الاحتجاجات كامل تراب الوطن بصورة متسارعة، الى ذلك أود أن الفت النظر الى أنه لا يوجد في سورية احزاب بالمعنى الحقيقي ولعل أبرزها هو حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الشعب الذي انبثق عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وبقايا المكتب السياسي الذي رفض التحول الى حزب الشعب وبعض الاحزاب ذات الطابع القومي الكوردي وأحزاب اخرى صغيرة والجميع من هذه الاحزاب ليس لها أي تأثير على الشارع السوري، ثم تجمع بعض المواطنين تحت عنوان اعلان دمشق، وبالتالي فشجرة الثورة السورية تستمد قوتها من جذورها الضاربة في أعماق الارض ومن التاريخ النضالي للشعب السوري ومعاناته طوال عقود من الزمن، في حين كانت أطياف المعارضة في غاية الضعف تجلى بمحاولاتها التواصل مع السلطة لغايات هي تعرفها، ولم يكن في برنامجها في أي يوم من الايام التوجه نحو الثورة .
ما ان تحرك الشارع السوري وبدأ شبابنا وشاباتنا الابطال يسطرون أروع الملاحم والبطولات حتى بدأنا نرى اجتماعات وتجمعات، وطفت على السطح فقاعات هنا وهناك، وبرزت وجوه عديده ليست لها سابقة نضال تريد قيادة المركب، وزعم الكثير تمثيل الثورة او تمثيل الشعب السوري، وهرول العديد منهم تجاه شركاء العصابة الحاكمة في سورية في قتل الشعب السوري وانتهاك حرماته، وزعم البعض زورا وبهتانا بأن مفاتيح الحل بيد روسيا أو غيرها وتناسى أو نسي أن شبابنا الابطال هم من يملكون مفتاح الحل وليس غيرهم .
والمؤسف أيضا أن لافروف صرح منذ أيام على شاشات الفضائيات أنهم يستقبلون جماعات من المعارضة، ونتساءل كيف قبل المكتب التنفيذي للمجلس الوطني على نفسه أن يصنف تحت اسم المجموعات المعارضة تماما كغيره من الاطياف؟
وفي المؤتمر الصحافي لوفد المجلس الوطني سمعنا تصريحات عطف فيها بعض المتحدثين الى الوثائق السياسية التي أقرت في مؤتمر القاهرة وكان الكلام بعيدا كل البعد عن هذه الوثائق وتصدى بعض المتحدثين لامور لا يملك هو ولا غيره بالتحدث عنها، ومع ذلك فما كانت النتيجة؟
لم يحصل أي ممن زار موسكو (المحج) وهي أحد أهم عاصمة في محور الشر وأكثر من ساهم بقتل الشعب السوري وذلك، سياسيا بالتدخل في شؤون السوريين حين أعلن وزير الخارجية لافروف بتمسكهم بزعيم العصابة التي تقتل الشعب السوري (بشار الاسد) ورفضهم لفكرة تنحيته عن السلطة، ثم الدعم غير المحدود لهذه العصابة بالسلاح بجميع أنواعه، في الوقت الذي يتشدق فيه بعدم جواز تسليح الجيش الحر أو المعارضة على حد قوله وتماهت روسيا مع حليفتها في محور الشر (ايران) التي ترسل مجموعات من شبيحتها بمعاونة زمرة القتلة ـ حلفاؤها ـ في سورية، وتمارس الضغط على المالكي في العراق وعلى حسن نصر الله في لبنان فيقدم الجميع ما يستطيعون من دعم لهؤلاء القتلة المجرمين .
لقد كشفت دولة الملالي في طهران كذب دعاويهم بأنهم ينتصرون للحسين (رضي الله عنه) باعتباره من المظلومين ومن أن مواسم اللطم والنواح التي يرددونها في مواسمهم ماهي الا كذب وادعاء فارغ، كما كشفت الاحداث في سورية كذب هؤلاء عندما جاءت مجموعات من الشباب الملتحين الذين يضعون عصابات على جباههم مكتوب عليها (ياحسين) فجاثوا خلال الديار وقاموا بقتل المواطنين السوريين في حمص وماحولها ومارسوا تقطيع الأوصال، وهنا اتساءل كيف يمكن لمعارضين سوريين أن يتوجهوا نحو أحد أعمدة الشر في المعادلة السورية ليطلبوا منه أن يكف عن شراكته ودعمه النظام القاتل في سورية ؟
لا يظن أحد من المعارضين أن شباب الثورة وشاباتها ورجالها ونساؤها اللواتي مورس عليهن الاغتصاب الممنهج من قبل ازلام العصابة الحاكمة وشبيحتها غافلون عما يجري خارج سورية، وخاصة من هؤلاء الذين يتوجهون زرافات ووحدانا نحو قبلة الحل في موسكو! بل بلغ بهم الاستهتار بأنفسهم فلم يفكروا بتنظيم وفد واحد ليذهبوا الى كعبتهم بمظهر واحد غير مشتت، وحتى لا يتركوا المجال لوزير الخارجية لافروف ليقول بأنهم يلتقون بمجموعات من المعارضة .
لقد أثبتت روسيا المافيوية بزعامة بوتين فشلها في كل الاحداث العالمية التي جرت بدءا من مذابح كوسوفو والبوسنة والهرسك وليبيا فوقفت هذه الدولة دائما ودائما ابدا الى جانب القتلة ضد الشعوب فهل سيعي المعارضون ذلك؟
رضي الله عن علي بن ابي طالب الذي خاطب شيعته قائلا لهم 'لقد ملأتم قلبي قيحا'.
' ناشط سياسي سوري