"اقتراب التفعيل" / "اقتراب رفاعي سرور"

"اقتراب التفعيل" / "اقتراب رفاعي سرور"

محمد جلال القصاص

[email protected]

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:ـ 

في بحث الظواهر الاجتماعية (ومنها الظواهر السياسية)، يوجد "المنهج"، و"الاقتراب"، و"الأسلوب"، و"الأداة". هذه أربعة تختلف عن بعضها، وتستعمل كلها في عملية البحث. ولا يعرفها الهواه، فقط المختصون.

ويعنيني هنا "الاقتراب"، وهو : (نموذج نظري، صاغه باحث أو أكثر في تخصصٍ ما، به عدد من المقولات (المفاهيم)، بينها ترابط وتصلح لتفسير الظواهر في ذات المجال).

ومن خلال الاقتراب يتم فهم الظواهر، أو دراسة الظواهر الفكرية. فهو كالقالب، أو كالميكنة التي يتم استعمالها لتفكيك الظاهرة وتحليلها، وإيجاد المتغيرات البحثية، وتعليلها.

وكان أول كتابٍ كتبته معالجة للكذاب اللئيم زكريا بطرس (وهو منشور على الشبكة باسم الكذاب اللئيم زكريا بطرس/ ينظر الطبعة الثالثة)، وقدَّم للكتاب الشيخ رفاعي سرور - رحمه الله رحمة واسعة - وكتب في مقدمة الكتاب يتحدث عن الفرق بين الرأي والحرب، وذكر أن التفريق بينهما يكون بالنظر في السياق، والنظر في الفعل والنظر في القول، فلا نستطيع الوقوف على حال المخاطب وتبين حقيقة أمره هل هو محارب للشريعة أم صاحب رأي يقدمه إلا من خلال تعاطي هذه الثلاث: "الفعل"، و"الفاعل" و"السياق".

وحال إتمامي لمشروعي الفكري "تفعيل المنافقين"، برزت حقيقة مهمة وهي "صناعة الأبطال" لتمرير الأفكار من خلالهم، وهي وصية كبار المستشرقين لقومهم -كما يذكر الدكتور محمد محمد حسين في كتابه "الاتجاهات الوطنية" -، فالفاعلون اليوم ليسوا فاعلين على الحقيقة، وإنما مفعَّلون؛ أو نقول: إن كل فاعلٍ اليوم مركب من أكثر من شخصية حقيقية أو اعتبارية، فالآلة الإعلامية بسدنتها تمثل جزءاً من الشخصية، والداعم المادي بما يوفره من قوة إعداد للمادة العلمية، وفاعليات مستعملة في اخراج المادة العلمية، ونشر المادة العلمية في السوق، جزء لا يتجزء من الشخصية، وذات الشخص يمثل جزءا من الشخصية.

ثم لا يقف الأمر على الشخصية فقط، وإنما على السياق، فالتعامل مع "مقطع رأسي" لم يعد يعطي تشخيصاً صحيحاً للظاهرة، وإنما لابد من التعاطي مع سياق، فقد ترى من هذا أو من هذه الآلة الإعلامية ما يسرك يوماً، وحين تتبع السياق تجد أنها في إطار الحرب وليس في إطار إبداء الرأي، وما "نزاهتها" إلا إدعاءً .. قولاً لا يصدقه فعل.. شيئاً مؤقتاً تبديه لتخدع به البسطاء.

وتمدَّدَ إفكهم للمفاهيم والفعاليات، فقولهم وفعلهم يحتاج ـ في كل مرة ـ لأن تقف معه طويلا .. وتدور حوله كثيراً ... وتدقق النظر فيه من كل ناحية كي لا تخدع. فالأقوال والأفعال وإن كانت جميلة فقد تكون مطية لغير مقبولٍ من الفعل والقول؛ ومثلاً: المناشط الخيرية، أصبحت وسيلة لتسويق المفاهيم، وأشد ذلك وضوحا التنصير، فهو يتسلل من خلال "الأعمال الخيرية"... يقدم المساعدات مقابل الكفر بالله، بل إن ظهور العمل الخيري في القرن العشرين في ريف مصر وريف الشام كان وسيلة للتجسس على هذه المجتمعات، وتغريبها، والكتابات كثيرة في ذلك؛ والظاهرة تتطور فيما يعرف بالمنظمات الأهلية فقد أصبحت فاعلاً دولياً، وتشارك في تغيرات دولية تحدث الآن، فقد أصبحت المنظمات الأهلية فاعلاً دولياً، وتشارك في الحرب على الشريعة من خلال المؤتمرات الدولية، كمؤتمر السكان، والصليب الأحمر، وعامة ما يعرف بـ "حقوق الإنسان".

لذا فإن كثيراً من "المشاكل البحثية"، أو "المتغيرات التابعة" في الساحة الفكرية يصلح له هذا الاقتراب الجديد، أعني "اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال"، ومقولات هذا الاقتراب (مفاهيمه) هي، "الفعل"، و"الفاعل" و"السياق". وقد قدمت تطبيقات على هذا الأمر في آخر ما طبع لي من أبحاث، وهو بعنوان "عمرو خالد ـ دراسة بحثية تحليلية نقدية مختصرة" وخاصة مقدمته، وفي عدد من المقالات قبل ذلك حال تحليل المشهد المصري قبل ثورة يناير وبعدها.
ويعتبر "اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال" أنسب الاقترابات في بحث الظواهر الفكرية الموجودة في الساحة، كانت من الأشخاص أم كانت من الأفعال (فعاليات)، أم كانت سياقات، فحين نتعرض لشخص يبدو مؤثرا فإن استعمال "اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال" يعطي توصيفا دقيقاً لهذا الفاعل، من هو؟، أهو هو أم أنه مركب من عدد من الفاعلين؟، وكيف أن السياق أثر في مخرجاته؟، وفعالياته التي يمتطيها هل تثمر شيئا آخر غير الذي يظهر منها؟

إن مراقبة هذه الثلاث في كل تحليل للظواهر الفكرية المعاصرة أمر مهم، كي لا يخدعنا المشهد، فقد أصبح الخداع سمة لعامة ما يطرح. ولذا فإن ""اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال" مهم في دراسة الظواهر الفكرية المعاصرة.

وبخلاف ما يردده بعض الباحثين في علم الاجتماع (وخاصة السياسة)، من أننا لا نستطيع أن نستعمل أكثر من اقتراب حال بحث ظاهرةٍ ما ويبقى البحث جيداً، فإن "اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال" يمكن استعماله مع اقترابات أخرى دون أن يحدث خلل بقوام البحث وجماله، وقوته في آداء مهمته، فمثلا نستطيع استعمال اقتراب "التحليل النظمي" لديفيد إستون، كهيكل عام للبحث، وفي أجزائه نستطيع استعمال "اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال"، فمثلاً حين دراسة مقولات هذا اقتراب التحليل النظمي كالبيئة الداخلية ندرسها من خلال "اقتراب التفعيل" أو "اقتراب رفاعي سرور – محمد جلال"، ننظر في الفعل والفاعل والسياق، وكذا حين دراسة البيئة الخارجية، أو البيئة المحيطة، أو الموارد والمتطلبات، والدعم، والقرارات والسياسات والتغذية الاسترجاعية.

وكذا الأمر بالنسبة لاقتراب البناء الوظيفي لجبرائيل آلمند. 

رحم الله شيخنا الشيخ رفاعي سرور، وأعلى الله درجته في عليين، وتقبل الله منا ومنكم .