تطوراتٌ في المشهد السوري يُمكِنُ البِناءُ عليها

محمد عبد الرازق

لنبدأ من آخر هذه التطورات لأن ما صدر عنه من مواقف مبنيٌّ أساسًا على ما كان قبله من مواقف تمثلَتْ في مؤتمر القاهرة لتوحيد رؤى، و مواقف المعارضة السورية برعاية من الجامعة العربية، و ما أسفر عنه من الاتفاق على وثيقة العهد الوطني، و الرؤية المستقبلية للانتقال بسورية من حالتها الراهنة في ظل نظام الأسد، إلى المستقبل الذي سيشارك فيه أبناؤها جميعهم بغض النظر عن قومياتهم، و أديانهم، و طوائفهم، و أجناسهم.

 و كذلك الشرخ الذي حصل في الحلقة الضيقة في النظام، من خلال انشقاق العميد ( مناف مصطفى طلاس ).

 إن ما شهدته باريس اليوم من التئام مؤتمر ( أصدقاء الشعب السوري )، و المواقف التي خرج بها في بيانه الختامي؛ أو التي قيلت في الغرف المغلقة ( خلف الكواليس )، يُعدُّ تطورًا مهمًّا في التعاطي مع الملف السوري.

 و لعل أهمها خارطة الطريق التي وضعها الرئيس الفرنسي ( فرانسوا هولاند )، ذات النقاط الخمس التي نصت على مساندة الشعب السوري في حراكه ضد نظام الأسد، و قد أهمَّ ما برز فيها هو اعترافه الصريح بالجيش الحر، و بما يقوم به من دور إيجابي مساند للحراك الشعبي السلمي.

 إن هذه الإشارة الصريحة للجيش الحر في كلمة الافتتاح للدولة الراعية للمؤتمر، و هي فرنسا بما تمثله من بوابة عبور كان يلج منها النظام طيلة حكم ( الأب، و الابن ) إلى أوروبا؛ بحكم سورية منطقة نفوذ قديمة لها، و لفرنسا الكلمة الفصل في تقرير ما يتخذ من قرارات بشأنها، بحسب ما متعارف عليه بين الدول المستعمرة فيما يتعلق بشؤون مستعمراتها القديمة.

 أقول: إن هذه الاشارة ستعني في الأيام الكثير، الكثير ممَّا سيكون من السياسات المعلنة، و غيرها في التعاطي مع الملف السوري. لقد باتت الدول تدرك حجم المتغيرات على أرض الواقع، و هي تعرف أن الرافعة الأقوى فيها هي للحراك الشعبي بشقه ( العسكري )؛ فلقد تكوَّن لديها من خلال رجال استخباراتها المنتشرين في مناطق النزاع صورة واضحة عن ميلان ميزان القوة نحو الاتجاه الآخر، متمثلاً في قوى الحراك الثوري بفصائله المتعددة، و من بينها ( كتائب الجيش الحر ، التي يربو عددها على المائة، و باتت تسيطر على ما يتجاوز الخمسين بالمائة في أقل تقدير؛ إن لم يكن سبيعين بالمائة بحسب تصريح العقيد رياض الأسعد ( قائد الجيش الحر ).

 و هذا المعطى هو الذي بات يقرر شكل النهاية للنظام، الذي فضل التعامل مع القضية بالحل الأمني، ثم العسكري، فكان له ما أراد في ابتداء الأمر، ثم سرعان ما فلتت الأمور من يده، و بات يتجرع غُصص قراره هذا, لقد أخذت الانشقاقات في المؤسسة العسكرية تزداد كل يوم ( نوعًا، و عددًا )، و كان آخرها انشقاق العميد ( مناف مصطفى طلاس: قائد اللواء 105 حرس جمهوري، و هو خزينة أسرار تسليح الجيش السوري، و لا سيما ما يتعلق بترسانته الكيمياوية )، و يبدو أن أخاه ( فراس ) قد سبقه في ذلك، و يمثل هذا الانشقاق علامة فارقة في عمر النظام، و رسالة قوية للنظام و حلفائه في الداخل و الخارج؛ نظرًا للمكانة التي كانت لعائلة مصطفى طلاس عند نظام الأسد (أبًا، و ابنًا)،( يقيم حاليًا في فرنسا مع أفراد أسرته الآخرين ).

 و يرى المراقبون أن هذا الانشقاق قد أحدث شرخًا في الحلقة الضيقة من ( الأسد )؛ نظرًا للعلاقة التي كانت بينهما، و قد أحسنت المعارضة عندما صرحت أنها ستتعاون معه لإسقاط الأسد. و هذا يذكرنا بحالة انشقاق أخرى لا تقل أهمية عنها، و هي انشقاق ( حازم حكمت الشهابي ) القنصلي الفخري في (كاليفورنيا ـ أمريكا، في أواخر شهر أيار الماضي)؛ الذي كانت تجمعه أيضًا مع ( الأسد ) صداقة حميمية.

 لقد تشكلت قناعة كبيرة لدى الدول الداعمة للحراك الشعبي أن الحل إما أن يكون من خلال المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن الذي تكاثرت الدعوات لجعل مبادرات الحل وفق الفصل السابع، و هو الأمر الذي ما زالت تعارضه كل من ( روسيا، و الصين )، و هذا الأمر في حال توفره يمثل رادعًا لنظام الأسد عن مضيه في حلوله العسكرية. أو أن يكون من خلال العمل خارج المجلس على غرار حالات أخرى تحرك فيها المجتمع الدولي بعيدًا عن مظلة مجلس الأمن.

 و بالطبع فإن أسهل الحلول في حينها سيكون من خلال السوريين أنفسهم، و ما على الدول الداعمة سوى تقديم الدعم للذراع العسكرية ( الجيش الحر )، و هذا الدعم على ما يبدو أن الدول ستتوزعه فيما بينها، فأمريكا، و معها فرنسا، و بريطانيا سيتكفلون بالدعم ( غير الفتاك ) له، مثل توفير شبكة الاتصالات الآمنة العاملة عن طريق الأقمار الصناعية، و المناظير الليلية. و بالمقابل تقوم دول الخليج بسداد الفاتورة سواء أكان الأمر ثمنًا لسلاح الذي سيكون لتركيا المسعى الأساسي فيه، أو تكاليف و نفقات يومية لعناصره، و هو أمر يتوقع حصوله قادة الجيش الحر في غضون أيام قليلة قادمة.

 إن ما يعزز فرص هذا الحل هو الالتفات نحو عناصر الحراك الثوري في الداخل؛ حيث التقى كل من ( هولاند، وكلينتون، هيغ ) عناصر قادمة من الداخل السوري، و في ذلك إشارة إلى الاهتمام بعناصر الحسم في الداخل السوري، بعد أن كانت الأمور في السابق متركزة على المعارضة الخارجية ( المعنية بالتحرك السياسي فقط )، هذا فضلاً على لقاءات مماثلة كانت مع ممثلي الجيش الحر على هامش هذا المؤتمر أيضًا، و قد شكل ذلك فرصة للاطلاع المباشر على الدور الذي يقوم به عناصره في الميدان، بما يشكل عنصر تسريع في حسم الأمر في الأسابيع القادمة، و الاستماع أيضًا لطلباتهم من التسليح النوعي، و ما يحتاجونه من قضايا أخرى غيره.

 لقد بات من شبه المؤكد أن رحيل نظام ( الأسد ) مسألة لا تختلف فيها الدول المعنية بالملف السوري، و هو ما صرحت به ( كلينتون ) نيابة عن الحضور، لا بل عن روسيا، و الصين؛ و هو الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية الروسية و المؤتمر قيد الانعقاد ( روسيا لا تدعم بشار الأسد إطلاقًا )؛ و بالتالي فإن التفكير في مرحلة ما بعد الأسد قد وضع قيد التنفيذ الفعلي، و لذلك كان مؤتمر القاهرة لتوحيد رؤى المعارضة، و مواقفها خطوة في هذا الاتجاه. و ذلك أن مواقفها في مراحل سابقة كانت تتخذ ذريعة من قبل الدول للمضي للتفكير في هذه المرحلة.

 و في تقديرنا أن حقيقة الأمر في ذلك كانت تكمن في ضبابية الصورة على الأرض من قبل؛ أما و قد اتضحت الرؤية، و بدأت موازين القوة تميل لغير صالح الأسد فإن الكل أخذ يعيد النظر في مواقفه السابقة في التعاطي مع الملف السوري، خشية أن تتجه مؤشرات الحسم إلى مواضع لا ترغب بها تلك الدول، و الجهات المعنية به.

 و لذلك على قوى الحراك الثوري، و لا سيما ( العسكرية ) منها أن تأخذ هذا الأمر في غاية الجد، و الاجتهاد؛ فالحسم في الحياة لا يأتي من خلال العمل السياسي ( تصريح ناصر القدوة في مؤتمر المعارضة:2،3 تموز )، و ( الوقت ليس لصالح الهدوء والاستقرار.. وأنه كلما زاد الوقت كلما زاد القتل.. كما أنه لا توجد إشارة صريحة للجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمعالجة هذه الأزمة.. كما أن اجتماع جنيف لم ينجح بإصدار قرار ملزم تحت الفصل السابع كما يرغب العرب)، و ( الحكومة السورية تتحمل مسؤولية حماية الشعب السوري لا أن تقدم على قتله.. وإنه لا يمكن مساواة ما تقوم به القوات الحكومية من انتهاكات بما تقوم به جماعات أخرى.. كما أنه لا يمكن لجامعة الدول العربية ومعها المجموعة العالمية التغاضي عن عمليات القتل اليومية ( تصريح نبيل العربي في مؤتمر المعارضة:2،3 تموز).

فأنتم ( ضابط الإيقاع في المشهد السوري؛ و على وقع ألحانكم يعزفون الآخرون، و يتمايلون).