جذور التطرف العلماني ومظاهره في المشهد المصري
جذور التطرف العلماني
ومظاهره في المشهد المصري
إيمان رمزي بدران
عضو رابطة أدباء الشام
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
في ظل الثورات العربية والربيع العربي والتقدم الملحوظ للتيارات الإسلامية المعتدلة برز معها مظاهر تحتاج منا إلى دقة نظر، وشديد ملاحظة، وتستدعي في أذهاننا مجموعة من الأسئلة الني تعكس حيرة المشهد ،وتفك لبس الخريطة السياسية المصرية المعقدة من حيث المظهر، ولعلنا نسأل أنفسنا :
· ما طبيعة الحركات والأحزاب في مصر وهل هي جميعا ذات مشرب فكري واحد؟
· ومتى ظهرت العلمانية في مصر؟ وهل هي الطريق للدولة الحديثة المتقدمة؟
· وهل مفهوم التطرف حكر على الحركات الإسلامية المنبثقة من الصحوة الإسلامية؟ أم أن للعلمانيين نصيبهم من ذلك التطرف ؟ وما مظاهر هذا التطرف العلماني؟
· وهل المشهد المصري الحالي في ظل الانتخابات المصرية واستحقاقات الثورة متجه نحو الاصطفاف الثوري أم الصراع الأيدلوجي ؟
جذور الفكر العلماني في مصر :
ولعل المراقب للمشهد المصري في انتخابات الرئاسة يلاحظ بوضوح أن هناك اصطفافا بين تيارين فكريين واضحي المعالم ،وهذا الاصطفاف ليس وليد اللحظة؛ فجذوره ضاربة في عمق التاريخ العربي منذ الحملة الفرنسية على مصر وحتى الآن؛ فقد تسللت بذور العلمانية إلى مصر منذ الحملة الفرنسية وبعدها في ولاية محمد علي باشا الذي حدد صلاحيات "الشيوخ" في ذلك الوقت وحاول تقليد النموذج الغربي في الحكم بحذافيره [1]. واستمرت تلك النزعة مع المفكرين والساسة حتى سقوط الخلافة بأيد علمانية أيضا مما دفع باتجاه ظهور حركة مقابلة للعلمنة في العالم العربي، خرجت من مصر أيضا، حيث بدأ نجم الصحوة الإسلامية يلوح في الافق، واتي استدعت تجلياتها في المجتمع المصري أن يظهر كثير من المفكرين والساسة بمظهر أقرب إلى الحضارة العربية الإسلامية على عكس حقيقة افكارهم،[2] ونستطيع هنا أن نقول إن المشهد المصري لم يتغير في إطاره العام عن الاصطفاف الفكري فبدت الاحزاب والقوى في الساحة المصرية تدور في محورين أساسيين هما :
المحور الأول: المحور القومي العلماني الذي يجعل من فكرة العلمانية والقومية أساسا لفكره، ومنطلقا لتصوره حول النمو والتطور، وأهم الأحزاب التيس تمثل هذا الخط هي الأحزاب التي حكمت مصر منذ القرن الماضي ليس ابتداء بحزب الوفد، وليس انتهاء بالحزب الوطني المنحل، وقد نجح هؤلاء في أن يفرزوا عددا من المفكرين الكبار الحاملين لمشروعهم ولعل منهم طه حسين عميد الأدب العربي.
المحور الثاني المحور الإسلامي الذي استوى على سوقه بنشأة جماعة الأخوان المسلمين وبروز نجم مؤسسها الإمام حسن البنا منذ أكثر من ثمانين عاما، والتي أفرزت من عباءتها العديد من التجارب السياسية والفكرية والتنظيمية وعددا من المفكرين الكبار أمثال الشهيد سيد قطب رحمه الله .
إذن فهذا الاصطفاف ليس وليد اللحظة، ولا هو طارئ فقز في وجه المشهد المصري من الجحيم؛ بل هو واقع موجود منذ نشأة الدولة المصرية الحديثة، يخبو حينا، ولكنه ما يلبث ان يطل برأسه مرة أخرى، واضعا المراقب في حيرة مما يجري، ولكن لعل هذه المرحلة هي أبرز هذه المراحل من هذا الصراع الفكري السياسي هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ مصر؛ فهي تحمل إرثا علمانيا عميقا من التطرف والسيطرة والحكم عن طريق الدولة العميقة التي تخللت كل مرافق الحياة ومؤسسات الدولة والمجتمع في مصر ؛ وكذلك تحمل إرثا إسلاميا طويلا من التعرض للظلم والتخوين والمعتقلات والتهميش الفكري والسياسي ؛ مع إرث لا يقل عنه من التجربة السياسية والفكرية الناضجة من التجارب السابقة والتي سبقت التجربة المصرية سواء في تركيا أو الجزائر أو تونس أو فلسطين .
التطرف والفكر العلماني .
لسنا هنا في معرض البحث العلمي الدقيق لمصطلح التطرف ولكن المفهوم العام له هو اتخاذ مواقف وافكار تتعارض مع قيم المجتمع السائد لتصبح ردود فعله متعارضة مع القيم والأخلاق الإنسانية[3] وإذا كان الأمر كذلك فلعل فكرة العلمانية في ذاتها هي فكرة متطرفة تجاه كل ما يتعلق بالدين أو هو باختصار العداء الكامن للدين والتدين [4] وعلى هذا لم تكن العلمانية في العالم العربي إلا ردة فعل متطرفة على تقدم الغرب تقنيا وعلميا، وذلك باتباع طريقه على غير هدى ولا بصيرة؛ بل التقليد الأعمى غير المتصل بالمنهج العلمي، وهذا يعني بالضرورة أن سلعة التطرف ليست حكرا على الإسلاميين، وأن الغلو وهو المصطلح الفقهي للتطرف ليس قصرا على الغلو في التدين بل يتعداها إلى الغلو في البعد عن الدين واتخاذه وأهله عدوا؛ بدلا تطوير التدين كدافعية للعمل والجد والانتماء الصادق للوطن والأمة. وحتى أبرهن على ما سبق سأستعرض بعصا من مظاهر التطرف العلماني في ضد الإسلاميين .
من مظاهر التطرف الفكري عند العلمانيين في المشهد المصري
من خلال استعراض التاريخ المصري الحديث تبرز لدينا محطات ظهر فيها جليا ذلك التعصب والتطرف السلطوي العلماني ضد فكرة الدين بحد ذاتها، وضد فكرة المشاركة مع الإسلاميين مهما كانت الظروف والأحوال، ومن ذلك :
1- ظاهرة الخوف من الإسلام "إسلام فوبيا". وهذه الظاهرة الموجودة في طبقة المثقفين العلمانيين والتي تعلو نبرتها في كل محطة يحقق فيها التيار الإسلامي اختراقا ما في نسيج المجتمع والدولة، وتبدأ تعلو صيحات التخويف من الدولة " الثيوقراطية" أو "إمارات الظلام" يتجاهلون طبيعة الإسلام التي لا تحتمل هذا النمط الكنسي من الحكم ويعملون على بث الذعر خارجيا وداخليا بين الناس لا لأنهم مقتنعون بهذا الخوف أو كونه خوفا حقيقيا؛ بل لرفض تكوينهم النفسي لفكرة مشاركة شخص يحمل فكرا إسلاميا لهم في صياغة المشهد الوطني في مصر، ولا أدل على ذلك من موقف حزب التجمع الذي فضل أن يعطي أصواته لأحمد شفيق" في انتخابات الرئاسة لمجرد كونه مرشحا غير إسلامي وحسب؛ مع علمهم وجزمهم بكونه لا يصلح لحكم مصر في مرحلة ثورية كالتي تمر بها.
2- ظاهرة تميع الخيارات بين مع وضد، وحتى عدم وضوح الرؤى من كثير من القضايا لدى كثير من المفكرين والقيادات العلمانية، ومن ذلك موقف حزب الوفد في الثمانينات من فكرة علمنة الدولة[5] ، ومنه أيضا موقف المرشح في الجولة الأولى للرئاسة حمدين صباحي الذي رفض أن يعطي أحد المرشحين للإعادة معللا ذلك بأنهما كلاهما على قدم المساواة ولست ادري أي مساواة بين من قتل وسرق ومن ثار واعتقل !
3- حملات التشويه المتعمد المدروس ، حيث يقوم الإعلام المدفوع من قبل الدولة أو الحزب بتشويه صورة الإسلامي بصورة فجة تدعو إلى الاشمئزاز أحيانا، وفي المشهد المصري هناك خصوصيتان لهذه الظاهرة أولاهما: تنوع الأساليب الإعلامية في نشر وترويج الشائعات عن الإسلاميين واستساغة كل انواع الكذب والتضليل في سبيل رسم الصورة المشوهة لمن يحمل فكرا إسلاميا ومن ذلك ما سمعناه عن اتهامات لنواب في مجلس الشعب في أنفسهم أو اهليهم أوسمعتهم ... وثانيهما استخدام صناعة السينما والتلفاز في رسم صورة الإسلامي المتشدد غير الواعي او الطيب الذي يخدع بسهولة .
4- وضع العصي في دواليب كل من يصل إلى مكان يمكنه أن يعمل من خلاله من الإسلاميين، وتوجيه النقد اللاذع له/ سواء بحق أم باطل ، وهذا بدأت مظاهره تلوح في الأفق من تعطيل عمل مجلس الشعب المصري من خلال عدم تنفيذ القوانين، وافتعال الأزمات، والاصطفاف الفكري في اللجنة التأسيسية للدستور، وقرار حله أخيرا بقرار المحكمة الدستورية؛ ولا يقل لي احدهم هذا قضاء مستقل لا علاقة له بالسياسة أقول كيف لا وقد تركت برلمانات سابقة سنوات وهي غير دستورية وهذا لم يترك للحظة واحدة ! وكذلك الدستور المكمل الذي خرج علينا بين ليلة وضحاها محددا صلاحيات للرئيس القادم .
5- استخدام العنف الجسدي والنفسي في سبيل تحجيم الفكر الإسلامي المعتدل وإجباره على تقوقع في حدود مرسومة يجره قلم، وقد بدأ هذا منذ زمن الملك فاروق باغتيال الإمام حسن البنا، ومنع الناس من الخروج لتشييعه ثم قتل وإعدام سيد قطب وزملائه في الماصي وحتى الآن؛ نلاحظ لجوء فلول النظام السابق من الحزب الوطني إلى العنف، والاعتداء الجسدي على الشباب الثوري، وحتى الجولة الثانية من الانتخابات لم يتوقف هذا العنف الجسدي المتمثل في ظاهرة البلطجة " التي وإن كانت تظهر من فئة مأجورة في شوارع المدن المصرية إلا أنها سياسة متبعة في نمط التفكير العميق لدى طبقة غير قليلة من أصحاب القرار .
الاصطفاف الثوري مع التنوع الفكري :
ومع كل ما ذكرنا من مؤشرات على نوايا خبيثة تريد أن تعطل مسيرة الشعب المصري بدوافع لا تعدو كونها مصالح ضيقة، ومتطرفة، ومتعدية، على حقه في تقرير مصيره، واختياره لمن يحكمه، وإن كنا ندرك بما لا يدرع مجالا للشك في أن فوز المرشح الإسلامي محمد مرسي في الانتخابات المصرية ليس هو نهاية الطريق؛ بل ربما تكون هذه هي الطلقة الأولى في صراع طويل قد لا يكون ميدانه معركة "الجمل " بل يكون ميدانه معركة "الُجمل" أي الصراع الفكري المفتوح؛ ولكن هذا الصراع قد تكون له صور متعددة منها ما قد يضر بمصلحة مصر إن كانت النية هي الاستمرار في التساوق مع المنهج القديم المتطرف تجاه الإسلاميين، أو منهج جديد قائم على مصلحة الوطن أولا فإن كان الأول فهذا يعني محاولة إفشال تجربة الإسلاميين في الحكم في مصر وربما تكرار سيناريو تركيا في زمن "نجم الدين أربكان" أو تكرار تجربة حماس في فلسطين أو غيرها من التجارب التي لم يعل فيها صوت العقل والحكمة بل علا صوت الغلو وعدم تقبل الآخر ، وأما إن كان من الصنف الثاني فهو يعني بالتأكيد الاصطفاف الثوري القائم على التنوع لا التضاد في مشهد اشيه بالفسيفساء اليونانية القديمة التي كلما تقدن بها الزمن أعطت مظهرا جميلا وقيمة تزداد بمرور الزمن
[1] جذور العلمانية ص، الجذور التاريخية للصراع بين العلمانية والإسلامية ، د. سيد أحمد فرج دار الوفاء 27
[2] جذور العلمانية ص6
[3] الانحراف والتطرف الفكري ، أحمد محمد سالم، مركز الإعلام الأمني البحريني ، ص 1
[4] العلمانية تحت المجهر ، د. عبد الواهاب المسيري ود. عبد الوهاب العظمة ن دار الجديد ط1 ، ص21_23
[5] جذور العلمانية ص5 وص 9