مع .. الصح - آفة
مع .. الصح - آفة
معمر حبار
مقدمة التلميذ المعجب.. لاتلوموني إذا قلت لكم .. أني لاأعرف جريدة ساخرة، غير أسبوعية .. الصح – آفة .. التي كان المجتمع الجزائري ، ينتظرها كل يوم خميس .. ولأجلها ، وأجل طاقمها .. كانت هذه الذكريات الذهبية.. التي يستعين بها صاحبها .. في الثبات .. والدفع .. نحو الأفضل والأحسن..
براءة المبتدئ.. لم يكن يومها .. المحمول.. ولا شبكة عنكبوتية.. ولا وسائل الاتصال الاجتماعي.. فكان المقال يرسل عبر.. البريد العادي.. لكن حين يتعلق المقال بزمن محدود.. وحدث لايتطلب التأخير .. ينزل صاحب المقال إلى محطة المسافرين.. أو محطة القطار .. المتجهين إلى وهران.. ليقدمها عبر مسافر.. ليرسلها بدوره من هناك .. لعلها تصل في أقرب الأوقات..
والآن وبعد مضي .. 25 سنة.. على تلك الأيام الزاهية .. يستعيد صاحب الأسطر تلك اللحظات، ويقول .. هل كان ذلك حمقا؟ .. أم براءة مبتدئ؟ .. كيف لك أن ترسل مقالا.. يحتوي معلومات شخصية .. عبر مسافر لاتعرفه .. ولا يعرفك ..
الزيارة الأولى والأخيرة.. كانت الزيارة في أعقاب ضغوط تعرض لها صاحب الأسطر .. وهو الطري المبتدئ .. باعتباره خريج الجامعة سنة 1990.. وبدأ العمل مع الجريدة .. في نفس العام.. وسيترك التفاصيل .. حين تكون الظروف مناسبة أكثر..
حين دخلت المقر لأول مرة.. كنت أسمع باستمرار .. الصحفيين والموظفين. يرددون فيما بينهم.. هذا هو حبار.. هذا هو حبار .. وطريقة إلقاءها.. وكيفية الترحيب.. والكلمات المرافقة لها .. تدل على أن صاحب الإسم .. له إسم في الجريدة .. وهو الشاب المبتدئ ..
مع الهوارية والرسام.. من بين الذين كان لي شرف لقاءهم، ناهيك عن الذين لم تستطع الذاكرة حفظ أسماءهم.. الصحفية القديرة.. الهوارية .. صاحبة الكلمات النارية والقوية .. والمواقف الصلبة .. وكذا رسام الجريدة .. فقد رافقني لمكتبه .. حيث الأقلام الملونة.. والأوراق.. ومما علق بالذاكرة .. ولا يمكن نسيانه، قوله ..
هناك فرق شاسع بين الرسام والكاريكاتيري ست.. فالرسام ينقل صورة بعينها ..بينما أنا .. أنقل مابداخل الإنسان .. من حقد .. وغل.. وحمق.. وذكاء.. وأعطى مثالين عن شخصية رئيسين جزائريين.. فهذا يدل على الحمق والغباء .. والآخر يدل على المكر والخداع.. وكل رسوماته على هذا الشكل ..
والحقيقة التي يجب ذكرها.. والتذكير بها .. أن نسبة كبيرة من القراء.. كانت تطالع الجريدة .. لأجل رسوماته البديعة الفريدة .. وبعد مضي ربع قرن من الزمن.. يعترف صاحب الأسطر.. أن رسوماته .. ألبست المقالات المنشورة .. صدقا وجمالا..
مع عمار يزلي، صاحب السوط.. كان الأستاذ .. عمار يزلي .. رئيس تحرير الصح – آفة .. وكان يكتب بطريقته الهزلية .. صفحة عن.. منامات الوهراني .. وعمودا خاصا بعنوان .. سيرك عمار، بصوط عمار .. مازال يواصل كتاباته .. فيما أعتقد.. بإحدى اليوميات الجزائرية.. وتأثيره في الجريدة .. جلي واضح .. وبصمته ظاهرة للعيان .. ومنه خرج الأدب الساخر.. خاصة وهو المتخصص فيما أتذكر.. في علم الاجتماع .. الجانب التراثي منه ..
بلهجة وهرانية .. تطرب الأسماع .. وتريح القلوب .. إستقبله عمار يزلي .. وهو يردد على سمعه الطري ..كم كنت أنتظر لقاءك .. والتحدث إليك.. ثم راح يثني على كتاباته ومقالاته .. وطريقة عرضه للكتب .. التي نشرت الصح – آفة.. أعداد ضمن صفحاتها.. ووجه للتلميذ الجالس بين يديه .. جملة من النصائح، منها..
أن يقلل في عدد الأسطر .. المتعلقة بعرض الكتب .. حتى لايمل القارئ .. خاصة وأن مهمة عارض الكتاب.. أن يلفت انتباه القارئ .. بأن هناك كتابا.. يستحق القراءة .. عليك بقراءته .. فتدله أنت بعرضك للكتاب ..
ونصحه .. أن يركز في عرضه للأحداث اليومية التي يعيشها .. على القضايا الكبرى .. دون الالتفات للأحداث الصغيرة .. التي تشهدها كل مناطق الجزائر.. ثم أعطى مثالا عن سرقة 04 مكيفات .. التي ذكرتها في بعض مقتطفاتي.. بأنها لاتسمى حدثا .. ولا تستحق النشر .. لأنها تحدث يوميا عبر ولايات الوطن.. وأنا الذي كنت أعتقد .. بحكم صفائي وبراءتي وسذاجتي وطفولتي .. أن السرقة من الكبائر.. التي يجب التطرق إليها.. والإعلان عنها.. وقاعدته في ذلك .. والتي أسمعها لأول مرة في حياتي.. عض الرجل كلبا، وليس عض الكلب رجلا .. ثم طلب مني صورة شمسية .. وأحضر لي .. بطاقة مراسل .. وشجعني على الكتابة .. والثبات.. والمراسلة..
ومما ذكره لي يومها .. أنه ينشر مقالاتي.. وأنا المبتدئ .. ولا ينشر مقالات لصحافيين وكتاب .. يملكون الحبر والتجربة .. مايدل على جودة ماأكتب .. حسب رأيه ومقارنته ..
أتذكر جيدا أني طلبت منه .. أن لايستبدل عناويني الفصيحة بالعامية .. باعتباره غيّر عنوان إحدى مقالاتي إلى العامية .. وقد أبديت غضبي حينها .. لكن وضح بخبرته .. أن العناوين من صلاحيات رئيس التحرير..
وبعد مضي 25 سنة .. أشهد أنه لم يكررها منذ تلك الحادثة .. حين أعلمته عدم قبولي لاستعمال العامية في ماأكتب ..
بعدها.. أخذ بيدي إلى مدير النشر يومها .. حبيب راشدين.. لاأتذكر غير مصافحته .. والدخان الذي كان يملء مكتبه .. وبعض الكلمات التي لم تستطع الذاكرة حفظها.. وكم حزنت حين لم يكن لي شرف الجلوس .. لصاحب الحبر الذهبي.. حبيب راشدين..
وأعترف .. أن عمار يزلي .. طلب مني أخذ مستحقاتي .. جراء المقالات التي نشرت .. وقد ذكر أجر المقالات .. لاأتذكره الآن .. ولم ألتفت إليه .. لأنه لم يكن يومها من الأولويات .. ولم أستلم لحد الساعة .. سنتيما واحدا من .. الصح- آفة .. فيكفيني شرفا.. أني كنت عضوا ضمن طاقمها.. والذين نالوا شرف الكتابة مع عمالقة الكتابة ..والصحافة العالمية.. حبيب راشدين.. وعمار يزلي .