أضواء على مشروع الولي الفقيه

أضواء على مشروع الولي الفقيه

د.غازي التوبة

[email protected]

توجهت جماعة الاخوان المسلمين في سورية بمذكرة دعوة إلى أبناء الأمة المسلمة، تدعوهم فيها إلى مواجهة مشروع الولي الفقيه الذي يعيث فساداً في سورية وغيرها من البلدان العربية.

وإنني إذ أثمن هذا التوجه، وأعتقد أن هذا البيان قد وجّه الأنظار إلى مشروع خطير يفتك بجسم الأمة، ويهدف إلى تفتيتها، ومن الواجب التصدي له و وضع الخطط، وحشد الإمكانات من أجل ذلك، قبل أن يستفحل ضرره، ويستشري خطره.

وأعتقد أن المتابع لشؤون الأمة، يدرك أن هناك مشروعين لتدمير الأمة وتمزيقها والسيطرة عليها وهما:

الأول: المشروع الصهيوني، والذي بدأ خططه منذ نهاية القرن التاسع عشر، والذي أفلح في إسقاط الخلافة العثمانية، ثم في إقامة اسرائيل، ومازال يسعى إلى تمزيق الأمة وتفتيتها وإضعافها ..... من أجل أن تبقى اسرائيل هي القائدة لدول الشرق الأوسط.

الثاني: مشروع الولي الفقيه الإيراني، والذي بدأ منذ أن وصل الخميني إلى الحكم في عام 1979، والذي يخطط لنشر المذهب الشيعي، وتحويل الشيعة إلى أكثرية الأمة، وهو من أجل تحقيق هذه الغاية يلتقي مع المشروع الصهيوني في إضعاف الأمة، وتفتيتها، وتمزيقها، ويتعاون معه في بعض الأماكن و الأحيان.

وليس من شك بأن الواعين من أبناء الأمة هم الذين يتصدون لكلا المشروعين باعتبارهما يشكلان خطراً على الأمة، أما المغفلون، والمصابون بقصور الإبصار فهم الذين يرون أن هناك مشروعاً واحداً يستهدف الأمة هو المشروع الصهيوني، ويتهمون من يقول بالمشروعين بالعمالة للصهيونية. والسؤال الآن:

ما المراحل التي قطعها مشروع الولي الفقيه منذ عام 1979؟

بدأ مشروع الولي الفقيه بالقضية الفلسطينية لأنّه وعى أنها خير مدخل إلى قلوب مسلمي العالم، وقد ذكر الخميني في أحد اجتماعاته مع المقربين منه أنه إن لم يكن لنا رصيد في القضية الفلسطينية فعملنا السياسي لا قيمة له، لذلك ركزت إيران على فتح أبوابها للمنظمات والحركات والشخصيات الفلسطينية، وكان ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أول من زار الخميني عام 79 من الشخصيات العالمية، لكن التحالف بين إيران ومنظمة التحرير انفكت عراه بعد أن بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، لكن إيران استمرت في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد في الساحة الفلسطينية، فأقامت علاقات وثيقة مع حركة الجهاد في بداية الثمانينات، وأمدتها بالأموال، وأبرزتها في إعلامها، وقد تعدّت العلاقات بين إيران وحركة الجهاد الإطار السياسي إلى الإطار الثقافي، فقد اعتبرت حركة الجهاد في دراسة لمؤسسها فتحي الشقاقي أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف تاريخي، وأن السياسة هي التي أنشأته وغذته، وأنه خلاف في الفروع وليس في الأصول، وقد تبنت إيران هذه الدراسة وطبعت منها آلاف النسخ ووزعتها في كثير من البلدان الإسلامية، لذلك مثلت حركة الجهاد حليفاً رئيسياً لإيران في الساحة الفلسطينية.

أعلنت حماس عن وجودها الرسمي في عام 1988، وأقامت علاقات مع إيران في تسعينيات القرن الماضي، وقد أمدت إيران حماس بالأموال، وأشركتها في مؤتمراتها، وأبرزتها في إعلامها، وسهّلت وجودها في لبنان عن طريق حليفها حزب الله.

وقد أصبحت إيران عن طريق علاقتها الوثيقة بحركتي الجهاد وحماس بالدرجة الأولى وعن طريق علاقتها بحركات أخرى مثل جبهة التحرير الفلسطينية (القيادة العامة) التي يرأسها أحمد جبريل بالدرجة الثانية، لاعباً رئيسياً في الساحة الفلسطينية، وذات تأثير في القرار الفلسطيني، وبهذا تحقق الهدف الذي كان يرمي إليه الخميني، والذي تحدثنا عنه في بداية المقال.

أما بالنسبة للبنان فإن إيران استثمرت الطائفة الشيعية، فأنشأت حزب الله عام 1982، ورفع الحزب راية مقاتلة اسرائيل، واستهدف تحرير جنوب لبنان المحتل منذ عام 1978 من قبل اسرائيل، وأمدته إيران بالسلاح والأموال والتكنولوجيا والخبرات العسكرية عن طريق الحرس الثوري، وقد نجح حزب الله في تحرير جنوب لبنان عام 2000، وقد تعدّى ارتباط حزب الله بإيران العلاقة بين طرفين، إلى أن أصبح جزءاً من مشروع الولي الفقيه، حاملاً رسالته الفكرية والثقافية والشرعية والدينية إلخ.....، ولم يخف حزب الله ذلك بل صرح به في أكثر من مكان من أدبياته المعلنة.   

أما مخطط الولي الفقيه بالنسبة للعراق فقد قام منذ اللحظة الأولى على التطلع إلى السيطرة على العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، وعلى دعوة الشيعة إلى الثورة على نظام صدام حسين، مما أدى إلى الحرب العراقية الإيرانية التي أكلت الأخضر واليابس بالنسبة للبلدين والتي بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988، ثم تعاونت إيران مع أمريكا في غزو العراق 2003، وأدى هذا الغزو إلى تدمير العراق تدميراً كبيراً في مختلف المجالات: الاقتصادية والزراعية والاجتماعية والعلمية إلخ.....، واستهدف الغزو الأمريكي تفكيك الجيش العراقي، وتدمير القوة العسكرية العراقية التي كانت تشكل عماد الجبهة الشرقية في مواجهتها اسرائيل، واستهدف إنشاء جيش جديد، وقد فعل الحاكم الأمريكي بريمر ذلك لصالح اسرائيل.

أما مخطط إيران بالنسبة لمصر وشمالي أفريقيا فقد قام على نشر التشيع هناك، وقد أحس الشيخ يوسف القرضاوي بخطر فعلتهم تلك ولمس ذلك، فدعاهم إلى التوقف عن ذلك، وهو الشيخ الذي كان موقفه معتدلاً من مذهبهم، وتعاون معهم لأكثرمن عقدين في مجالات توحيد الأمة، وفي مجالات مواجهة الغزو الصهيوني والغربي، وفي مجال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتلخصت خطة الشيخ القرضاوي التي عرضها عليهم، بأن لا يكون هناك دعوة إلى التشيّع في المناطق ذات الأغلبية السنية، كما لا تكون هناك دعوة إلى التسنن في المناطق ذات الأغلبية الشيعية من أجل استبعاد الاحتكاك والتنازع، لكن آيات الله في إيران رفضوا ذلك.

أما بالنسبة لسوريا فقد تحالفت إيران مع النظام السوري مع أنه نظام علماني لا ديني، ودعمته في كل المجالات لأكثر من ثلاثة عقود، وقد استغلت إيران العلاقة الطيبة مع النظام السوري فنشرت المذهب الشيعي في كل أنحاء سورية، وأقامت الحوزات العلمية والحسينيات إلخ......، وأحيت كثيراً من الآثار الشيعية التي كانت مندثرة في سورية من مثل قبر (الست زينب) في محيط دمشق، ورممته وأقامت حوله الفنادق والأسواق، وشجعت الشيعة لزيارته والقيام بواجب التقديس نحوه إلخ....، من أجل تدعيم المذهب الشيعي في سورية، والآن بعد أن قامت الثورة في سورية، وأراد الشعب أن يتخلص من حكم عائلة الأسد، فأعمل نظام الأسد آلته العسكرية وأجهزته الأمنية في مواجهة الثورة وقتل الآلاف من الرجال والنساء والوالدان، وشرّد مئات الآلاف داخل سورية وخارجها، وجرح عشرات الآلاف، واعتقل مئات الآلاف، ودمر مدناً بكاملها إلخ......، ومع كل هذه الحصيلة الكبيرة من القتل والتشريد والتدمير فإن نظام إيران ما زال يدعم سورية بالمال والسلاح والخبرات العملية.... ليس هذا فحسب، بل نستطيع أن نجزم بأن هذا الدعم يشكل عاملاً رئيسياً في استمرار وجود حكم الأسد.

أما بالنسبة للخليج واليمن فإن مخطط إيران قام على تحريك الطوائف الشيعية الموجودة في مختلف البلدان الخليجية ضد حكوماتها، والوقائع كثيرة في هذا المجاور، وربما أبرز نموذجين هما: البحرين واليمن.

أما البحرين فقد حركت إيران الشيعة فيها، وطالب بعض قادتها بضم الجزيرة إلى إيران كما صرح بذلك أكثر من مسؤول فيها. أما اليمن فقد دعمت إيران الحوثيين وأمدتهم بالسلاح والمال مما جعلهم يقيمون عدة حروب، ويتطلعون إلى الانفصال.

من الواضح أن مشروع الولي الفقيه قطع مراحل بعيدة –كما رأينا- من أجل تحقيق أهدافه في مختلف بلدان العالم الإسلامي، والآن: كيف يمكن أن نواجه هذا المشروع ونحبط مخططاته؟

أولاً: يجب أن نواجه هذا المشروع بمشروع على مستوى الأمة، كما أشار بيان الإخوان المسلمين -إلى ذلك- وبخاصة بعد أن رفضت قيادات مشروع الولي الفقيه في إيران التجاوب مع دعوة الشيخ يوسف القرضاوي في إيقاف الدعوة إلى التشيع في المناطق السنية.

ثانياً: أصبح من الضروري –الآن- تداعي علماء الأمة ومفكريها وجماعاتها وأحزابها وأهل الرأي فيها إلى الاجتماع والتداول في وضع خطة لمواجهة مشروع الولي الفقيه.

ثالثاً: دعوة الجماعات والأشخاص الذين لهم ارتباط بإيران وبمؤسساتها إلى فك هذا الارتباط، كرد فعل على مشروع الولي الفقيه وأتباعه الشيعة، وإظهار ذلك، وأبرز من يمكن أن نذكر في هذا المجال حركتي حماس والجهاد، لأنهما تمثلان الورقة الأكثر ربحاً وقوة في تزيين مشروع الولي الفقيه، وفي تضليل عامة الناس.

رابعاً: من الجلي أن مشروع الولي الفقيه يساهم في تدمير الأمة وإضعافها، ويتقاطع في كثير من الأحيان مع المشروع الصهيوني، وأوضح ما يكون ذلك في العراق حيث إن الشيعة أصبحوا الطرف الأقوى في العراق من خلال التحالف مع الغزو الأمريكي، لكن اسرائيل هي المستفيد الأكبر من مآلات الوضع في العراق في مجالين:

الأول: تفكيك الجيش العراقي وهو الجيش الأقوى في المنطقة بعد انسحاب مصر من ساحة الصراع مع اسرائيل حسب اتفاقات كمب ديفيد عام 77، وإنهاء الجبهة الشرقية في مواجهة اسرائيل، ومن المؤكد أن هذا يصب في مصلحة اسرائيل.

الثاني: تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات: كردي في الشمال، وسني في الوسط، وشيعي في الجنوب، بعد أن كان كياناً واحداً، وهذا يصب في مخططات اسرائيل التي رسمتها للمنطقة منذ أن أنشئت في عام 1948.