يا أهل الشام
السلام عليكِ يا دار التَّأريخ، السلام عليكِ يا دار بني أُميَّة، السلام عليكِ يا دار الإسلام، ومأوى العربيَّة، ومثوى الطَّائفة المنصورة.
السلام عليكِ يا دارًا هي خَيْر الأرض، هي مَحْشر الناس، ومثوى المَظْلومين.
السلام عليكِ يا مَن وقف التأريخ أمام أعتابِها، يَستنشِدُها أخبارَها، وأحوالَها، وعُظماءَها، وحياتها... مما لم يَرَ له مثيلاً، حاشا بلدَي الله الحرام.
سأستعير اليوم قلمَ شيخي الشيخ "علي الطنطاوي" - رحمه الله - وما قلمي وإن بلغ ما بلغ إلاَّ كَكُويكب تحت البدر.
اغفروا لي يا أهل الشَّام؛ فلم أسكن دمشق ولا رأيتُها، ولا سمعت مَن يحدِّثُني بِخَبرها، ولا خبر أخَواتها.
لم أسمع إلاَّ صوت شيخي - رحمه الله - ممتدًّا من التأريخ يصرخ في الرُّوح، بيد أنَّه ربَّاني على حُبِّكم كأهلي، والذَّود عنكم كإخواني، بل أنتم في الإسلام إخواني.
يا دمشق! أنسيتِ؟!
أنسيتِ يوم وقفَتْ فرنسا - كُبْرى دول العالَم إذْ ذاك - على أطراف نهر لا يبلغ أكثر من بِضْع أمتارٍ، شهرًا كاملاً؟!
أنسيتِ يوم هدَّمت فرنسا مساجِدَكِ، وقتَّلت شبابَكِ وشيوخكِ، ونساءَكِ وأطفالكِ، وشنَّت طائراتُها حربًا جائرة على بيوت الطِّين؟!
أنسيتِ يوم سرقتْ منكِ نصركِ في صبيحة يوم الجلاء؟!
كلاَّ! ما هؤلاء الشِّرذمة التي ترين إلاَّ صنيعة أيديهم، صنعوا عنهم فيكِ ما كانوا يتمنَّونه، وشرًّا منه!
يا شام!
لقد صنع التَّتار فيكِ ما أطار عقول الناس؛ فانطلق أهلُكِ بجيش الله المنصور، تحت المظفَّر "قطُز"، وكان الجيش الشاميُّ من أشرس جند الله في جيش الإسلام مُذْ كان!
أتَذْكُرين يا حلَبُ ما فعلَتْ بكِ جندُ التتار؟!
فأين هم لما قام جند الإسلام، فمسَحوهم من التأريخ مسحًا إلاَّ بالإسلام؟!
أنسيتِ ابن تيميَّة الحرانيَّ لما وقف في وجه طاغيتِهم؟!
إنَّ الله لم ينصر الشاميِّين على التتار فحسب، بل حوَّلَهم بهذا الرجل العظيم؛ ابن تيميَّة - رحمه الله - إلى مسلمين!
فأيُّ عظَمةٍ عظَمةُ علمائكِ الربانيِّين يا شام!
أتذكرين عدوَّ الله "غورو" لَمَّا وقف على قبر "صلاح الدين"، وسلَّ سيفه، وأعلن حربه على ميتٍ - ببجاحة الخسيس الجبان قد بلغ به فعل "صلاحٌ" - رحمه الله - الأفاعيل -: "الآن انتهت الحروب الصليبيَّة!"، فاسألوا التأريخ كيف انتقم الله لعبده الميْت "صلاح"!
أتظنُّون أنَّ الله تارِكٌ عبادَه، وقد كان حَمى مشركين لَمَّا حمَوْا بيته الحرام؛ أفتراه يترك عباده الموحِّدين المُعْلِين لكلمته؟!
لقد اجتمع جند الباطل على أولياء الله، فكانت العاقبة كما قضى الله قضاءً كونيًّا للمتقين: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 105 - 106].
يا أهل الشام!
أتذكرون يوم الجلاء، ماذا صنع الناس من التبَرُّج والسُّفور و...؟
إنَّ نصر الله قادم؛ فهل نحن الآن أهْلٌ له، وقد استعجلناه؟!
يا أهل الشام!
إنَّ الله ناصِرُكم فانصروه! ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
يا أهل الشام!
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]، ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد: 4 - 6].
أنقل لكم من التأريخ هذه المقطوعةَ عن أجدادكم، فتدبَّروها بقلوبكم!
"وفي جُمادى الآخرة - أو نَحْوِه - استولت التَّتار على عجلون، والصَّلْت، وَصَرْخَد، وبُصْرَى، والصّبيبة (بلاد شاميَّة)، وخرَّقَت شُرفات هذه القِلاع، ونُهِب ما فيها من الذَّخائر، وأرسلوا "كمال الدّين عُمَر التّفليسيَّ" إلى الكَرَك (الشامية) يأمرون المغيث بتسليمها، فأرسل إليهم ولدَه مع التفْليسي، والملك القاهر بن المعظَّم، والمنصور ابن الصّالح إِسْمَاعِيل، فسار الجميع صُحبةً، فهرب الملك القاهر، وردّ إلى الكَرَك، وقال للمغيث: "ما القوم شيءٌ، فقوِّ نفسَك، واحْفَظ بلدك"، ثمّ سار إلى مصر، فحرَّض الجيش على الخروج، وهوَّن شأن التّتار، فشرعوا فِي الخروج"؛ "تاريخ الإسلام"؛ ت تدمري (48 / 55)، فأنزل الله عليهم - بعدُ - نصْرَه!
وختامًا:
قيل للحق: أين كنتَ لما علا الباطل؟
قال: كنت تَحْتَه أجتثُّ أصوله!
اللهم عجِّل بِفرَجِك وغوثك لإخواننا، ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147].