ثوار وكتائب وجبهات

ثوار وكتائب وجبهات

ياسر الزعاترة

بعد جبهة النصرة التي يشي خطابها بالانتماء لفضاء تنظيم القاعدة، والتي أعلنت مسؤوليتها عن عدد من التفجيرات (عادت ونفت بعضها لاحقا)، بعد الجبهة المذكورة وإلى جانبها عدد من أسماء الكتائب المتفرقة، سمعنا مؤخرا من اسطنبول عن تشكيل ما عرف بجبهة ثوار سوريا، والتي قيل إن هدف تشكيلها هو تجميع الكتائب المسلحة الفاعلة في الداخل السوري ضمن إطار واحد من أجل التنسيق لمعركة إسقاط النظام السوري، بالقوة المسلحة طبعا.

قبل الإعلان عن تشكيل الجبهة في اسطنبول كنا قد سمعنا بحكايتها من طرف رموز إسلامية ذات صلة بالقضية السورية لجهة جمع التبرعات والتمويل، الأمر الذي منحها تاليا القدرة على التأثير في التشكيلات السياسية والعسكرية كما تبدى خلال الشهور الماضية.

كان لافتا بالطبع ذلك التناقض في التصريحات من طرف أعضاء المجلس الوطني السوري حيال التشكيل الجديد، إذ بينما أنكر بيان رسمي للمجلس تلاه جورج صبرا أية علاقة بالجبهة الجديدة، رحب آخرون من الأعضاء بالتشكيل، وكان لافتا أن المرحبين كانوا من ذوي الخلفية الإسلامية. وعندما سئل المتحدثون باسم الجبهة الجديدة عن الجيش السوري الحر سمعنا كلاما دبلوماسيا عن التنسيق بين الطرفين، ما يشي بأن لا صلة لها بالجيش المذكور، بل ربما كانت تشكيلا يسعى لسحب البساط من تحت قدميه خلال المرحلة المقبلة.

بعيدا عن الموقف من الجبهة الجديدة وما إذا كانت تعبيرا عن واقع قائم على الأرض، أم واقعا يجري تشكيله من قبل بعض الجهات، فإن المسألة السورية قد دخلت حالة من السيولة الأقرب إلى الفوضى التي لا تخفى على أحد، أكان في البعد السياسي المتعلق بجهة التمثيل إثر التناقضات التي عاشها ويعيشها المجلس الوطني (نتمنى أن يتحسن الوضع بعد اختيار الرئيس الجديد)، إلى جانب ما يسمى معارضة الداخل (هيئة التنسيق الوطني)، أم في البعد العسكري المتعلق بالنشاط المسلح على الأرض.

لا أحد يمكنه الزعم بأنه يملك توجيه الأمور على الأرض، لا سياسيا ولا عسكريا، فقد تعددت الجهات الداعمة، وتبعا لها الجهات الفاعلة، أكان فعلا حقيقيا أم إعلاميا، لأن في الثورات تجارا أيضا، من دون أن يعني ذلك أدنى إساءة لثورة عظيمة قدمت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وأكثر من ذلك من المعتقلين والمعذبين، فضلا عن المهجرين.

ما يعنينا اليوم هو مستقبل العمل العسكري في ظل هذه التطورات الجديدة التي تتحرك على الأرض، وما يظهر إلى الآن هو أن عدد الكتائب سيكون كبيرا بحيث سيتفوق بكثير على عدد المدن، بل ربما بات من العسير توحيدها في المدينة الواحدة، فضلا عن التراب السوري برمته، فيما سيتسابق كل طرف على ادعاء أنه الأقوى من خلال الإعلام والبيانات وصور العمليات، وبالطبع من أجل الحصول على مزيد من الدعم، فضلا عن حق التمثيل الأكبر في دوائر المعارضة، قبل وبعد الحسم الأخير.

الجبهة الجديدة قد تضم عددا من الكتائب، لكن ذلك لا يعني بالضرورة وصفة اتفاق، وإذا كانت معارضة الخارج قد عجزت عن التوحد رغم لقاءاتها المتوالية، فهل سيكون بالإمكان توحيد كتائب تعمل في الإطار السري؟!

هي معضلة تذكرنا بالحالة العراقية من جهة، لكنها تشير أيضا إلى الحالة الأفغانية أيضا، في ظل الحشد المذهبي الذي يكاد يلامس حدود الحشد ضد الشيوعية أيام الجهاد الأفغاني.

سيخرج علينا البعض ليستخدم هذا الكلام ضد الثورة السورية، ويبشر بالخراب، وربما ليؤكد رواية النظام حول مواجهة الإرهاب، لكن الحقيقة أن من أوصل الأوضاع إلى هذا المنحنى الخطير إنما هو النظام الذي سعى منذ البداية إلى جر الثورة نحو العسكرة اعتقادا منه بقدرته بعد ذلك على إجهاضها، في عجز واضح عن إدراك حقيقة الوضع في الداخل وفي المنطقة عموما.

ليس لدينا شك في نهاية النظام، لكن المعضلة التي نخشاها هي تحول الثورة بمجملها إلى السلاح، وتهميش البعد الشعبي، بل ربما شطبه بالتدريج، والأهم ما يتعلق باليوم التالي لسقوط النظام كما حصل في ليبيا، الأمر الذي قد يحرف المسار عن حقيقة الثورة كثورة شعبية مطلبها الحرية والتعددية.

لم يعد لدينا شك في أن النظام قد بدأ يترنح، وأن تنظيم العمل العسكري معطوفا على تفعيل العمل الشعبي وزيادة الإضرابات وصولا إلى العصيان المدني، كل ذلك سيساهم في دق المسمار الأخير في نعشه، لكن ذلك كله يحتاج قدرا من العمل الدؤوب والتنسيق العملي الذي يتجاوز الحزبية الضيقة نحو فضاء التعاون على الهدف الأسمى ممثلا في إسقاط النظام المجرم.