روسيا دولة عظمى بالشكل وليس بالمضمون ودينية بالفعل ولكن علمانية بالاسم

روسيا دولة عظمى بالشكل وليس بالمضمون

ودينية بالفعل ولكن علمانية بالاسم.!!

حسان القطب

إذا اعتبرنا أن الكلام الذي أطلقه وزير الخارجية الروسي (لافروف) في مؤتمره الصحافي الأخير حول طبيعة الأزمة السورية وموقف النظام الروسي منها.. والذي شرح فيه أسباب ومبررات موقف بلاده المعادي لتطلعات الشعب السوري في الحصول على الحرية والديمقراطية، وإصرار روسيا على لعب دور المعرقل لكل القرارات الدولية، والمصر على تزويد نظام الأسد بالأسلحة، إلى جانب تجاهل المجازر الذي يرتكبها جلاديه وميليشياته بحق أبناء الشعب السوري، لينهي مؤتمره محذراً من صراع طائفي في المنطقة بالقول: ( مشيرا إلى أخطار انهيار الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل وضع حد للأزمة الراهنة في سوريا، وإلى أن موسكو تتوقع في حال احتمالات الفشل «انقسام العالم الإسلامي بين الشيعة والسنة») إن هذا الكلام إذا فهمناه على انه الموقف النهائي للحكومة الروسية وأنه جاء نتيجة معلومات ومعطيات وعلى أساسها شرح لافروف تصور الحكومة الروسية لطبيعة الصراع في المنطقة وأنه بناءً على هذا الفهم وعلى أساسه تتعامل روسيا مع هذه الأزمة وتتفاعل مع أطرافها المتنازعة، بالشكل الذي نراه، فهذا يعني:

- إن الطريقة التي تحدث فيها وزير خارجية روسيا (لافروف ) عن الأزمة السورية وتعريفه لدور وتطلعات الدول المجاورة وتسميته للدول التي يجب أن تشارك في طاولة الحوار تفيد بأن أفكار ومواقف حكومة روسيا لا زالت تعيش صراعات القرن التاسع عشر التاريخية وتقرأ الحاضر وتتعامل مع قواه السياسية ومطالبها المشروعة من خلال هذه القراءة..وبناءً عليه جاء اقترح أسماء الدول التي يجب أن تشارك في معالجة الأزمة السورية.. لا لحل الأزمة السورية وتحقيق رغبات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية...بل بهدف تلبية رغباتها وحماية مصالحها على حساب الشعب السوري ودماء أبنائه، أي أن الصراع الذي بدأ بإرادة سورية شعبية حرة جامعة انتفضت على هذا الواقع الديكتاتوري المظلم، لا يمكن أن ينتهي إلا بقرار دولي بعد تأمين وتكريس مصالح هذه الدول ومن بينها إيران والعراق وغيرها.. تماماً كما كان يجري إبان القرن التاسع عشر..؟؟

- إن الدولة الروسية وهي الدولة العظمى لا ترى في نفسها القدرة على لعب دور الإطفائي وحماية المنطقة والعالم بأسره من تداعيات الصراع الطائفي الذي حذر منه لافروف، لذا فقد اختارت أن تكون طرفاً مشاركاً في الصراع في المنطقة، وليس في سوريا فقط سواء كان تعريف هذا الصراع طائفياً أو سياسياً..

- إن روسيا قد اختارت أن تقف إلى جانب فريق طائفي ومذهبي يستبد ويرهب وينكل ويقتل ويعذب أبناء الطوائف الأخرى، وتتجاهل روسيا كل هذا الواقع المؤلم الذي يتحدث عنه العالم بأسره لتؤمن لهذا النظام التأييد والمساعدة المالية والسياسية والإعلامية والعسكرية، وفوق كل هذا يصف لافروف المعارضة بالإرهابيين وأهدافهم بالطائفية بقوله:(«إن موسكو تبدي قلقا جديا لازدياد نشاط الشبكات الإرهابية الدولية على الأراضي السورية، مضيفاً باتهام البعض باللعب مع مختلف أنواع المتطرفين للتوصل إلى أهدافه الجيوسياسية الخاصة». كما أشار إلى أن هذه الأهداف تُحدد بقدر كبير انطلاقا من عامل الطائفية.)..

- إن روسيا التي تقدم نفسها للعالم على أنها دولة علمانية، هي في حقيقة الأمر على عكس ذلك تماماً..فهي دولة دينية بكل ما للكلمة من معنى (حيثسلطت صحيفة "النيويورك تايمس" الضوء على موقف الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا من الأزمة الدائرة في سوريا، بالقول أن الرئيس الروسي الجديد فلاديمير بوتين قد سعى قبل ثلاثة أشهر ونصف شهر من أجل تحقيق فوز ساحق، إلى حشد دعم الرموز الدينية في بلاده، متعهداً تخصيص عشرات ملايين الدولارات لإعادة بناء أماكن للعبادة وتمويل الدولة للمدارس الدينية. غير أن رئيس الدائرة البطريركية للعلاقات الخارجية في الكنيسة المطران هيلياريون طلب من الرئيس بوتين عوض المال أن يقطع له وعداً بحماية الأقليات الدينية في المنطقة.ولفتت إلى أنه على رغم أن المحللين الغربيين قد أقروا فعلاً بوجود مخاطر تحدق بالأقليات المسيحية في سوريا، فإنهم ارتأوا أنه من الحكمة أن تنأى الكنيسة بنفسها عن حكومة الأسد وتمهد الطريق أمام انتقال سياسي. وأضافت إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تجري مقابلات منتظمة مع وزارة الخارجية الروسية لمناقشة أجندتها خارج الحدود الروسية، إذ استشعر لديها بعض الخبراء حماسة لدعم الكرملين في مواقفه)..فكيف تكون مطالب الشعب السوري طائفية ومذهبية وخطر على العالم بأسره، ومطالب الكنيسة الأرثوذكسية في إبقاء سلطة الأسد الحاكم باسم طائفة وليس باسم شعب موقفاً مشرفاً..؟؟؟ ولا يشكل خطراً على السلم الأهلي والعالمي..؟؟ وإلى جانب هذا فالقوى الإسلامية في العالم مطالبة من الجميع، بل يجب عليها أيضاً، أن تحافظ على اعتدالها وان لا تتوجه نحو التطرف..وان تتجاهل الرؤية الدينية للصراع التي تروج لها إيران وروسيا رغم أن موقف الكنيسة الروسية والحكومة الروسية هو قمة التطرف الديني...والتدخل في مصالح وشؤون الدول الأخرى؟؟؟

يبدو أن روسيا لا تملك رؤية واقعية أو برنامج موضوعي تقدمه لحل الأزمة السورية، وهي كما يبدو أعجز عن أن تقوم بدور الوسيط أو بالسعي لجمع الأطراف المتنازعة، لأن رؤيتها للصراع قائمة على بعد ديني ومفهوم عقائدي وقد اتخذت قرارها بتأييد الأقلية العلوية في السيطرة على سوريا والتنكيل بسائر مكونات الوطن السوري ، وهي من خلال رؤيتها هذه تعتبر أن اشتداد الأزمة وتفاقم الصراع بين مكونات المجتمع السوري، وإطلاق يد الأقلية للفتك بأبناء وأتباع الأكثرية، فرصة مناسبة لإضعاف سوريا وشعوب البلاد العربية، كما سيدفع بالأقليات في المنطقة لطلب حمايتها ورعايتها.. وهذه قمة الاستغلال والبعد عن المفاهيم الإنسانية، وحتى عن تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية.. ونتائج هذا الصراع إذا ما تحول فعلاً إلى طائفي ومذهبي سيكون مدمراً لكل من انخرط فيه وأسس له وساهم في تغذيته وإعطاء المهل ووقف القرارات الدولية وتعطيل الحلول وتجاهل المعاناة واتهام الضحايا وتعزيز قدرة المجرم ومن يؤيده، وسيبقى محفوراً في ذاكرة أبناء الشعب السوري والبلاد العربية والإسلامية أن دولة روسيا قامت في القرن الواحد والعشرين بإعادة إحياء مفهوم الحرب الدينية التي مضت وتورطت فيها، وكأنها لم تتعلم مما جرى في أفغانستان، والأخطر من هذا كله هو إذا ما قررت بعض المجموعات المتطرفة نقل الصراع إلى الداخل الروسي رداً على موقف روسيا هذا أو ضرب المصالح الروسية في العالم..فهل تتحمل روسيا صراع من هذا النوع.. وهل هناك من ضرورة لتوريط العالم بأسره في معركة مماثلة فقط لحماية نظام الأسد أو للتجاوب مع مطالب الكنيسة الأرثوذكسية..لأن حينها لن تنفع روسيا الصواريخ العابرة ولا الأسلحة النووية...