هيئة علماء المسلمين في لبنان أملٌ... ومسؤولية
هيئة علماء المسلمين في لبنان
أملٌ... ومسؤولية
حسن قاطرجي
الرئيس الدوري للهيئة
ورئيس جمعية الاتحاد الإسلامي
أيها الإخوة العلماء الأحبّة... الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله ومن والاه...
إننا في هذه اللحظة التاريخية والخطيرة غاية الخطورة لا بدّ من تحمّل مسؤولياتنا لنُرضي الله سبحانه... ولنُفرح الأجيال التي تتطلّع إلى دَوْر متقدّم للعلماء: يملؤون به فراغ القيادة في الساحة السنِّية في لبنان ويوفّرون الحلول لكثير من مشاكل المسلمين المعرقلة لتقدّمهم، ويهتمون بإخوانهم الفلسطينيين في المخيمات البائسة، ويقومون بواجب نُصرة الثورة السورية لِما يُتوقع في حال انتصارها بإذن الله من بشائر وتحوُّلات في بلاد الشام، على رأسها: الانتهاءُ من شرور النظام المجرم الاستبدادي وما جرّه على المسلمين في سوريا ومحيطها من كوارث طيلة عهود حُكمه... وكذلك يَجْمعون الكلمة ويوقفون مسلسل الاستخفاف والتلاعب بمصالح المسلمين في بلدنا، ويغيّرون بأدائهم الرزين النظرةَ إليهم بأنهم غالباً ما تستهويهم المطامع والمكاسب الضيّقة القريبة أو يستخفّ بهم الطغاة فيَرْهبون منهم أو يرغبون في دنياهم!
إن الله عز وجل يقول: )وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتُبيّنُنّه للناس ولا تكتمونه(، فلنفِ بالميثاق ولنبيّن ما في كتاب الله. ولا يحتاج الأمر من كلِّ واحدٍ منّا إلا إلى عَزْمةٍ صادقة وإقدامٍ جريء والخَطْو إلى الأمام...
وما نَيْلُ المطالـب بالتمـنّي! |
ولكنْ تؤخَذُ الدنيا غلابـا |
وما استعصى على قومٍ منالٌ |
إذا الإقدامُ كان لهم رِكابا |
أيها الإخوة العلماء...إن هذا اللقاء أحسب أنه يُرضي الله عزّ وجلّ إذا أخلصنا النّية له وابتَغيْنا مرضاتَه لا مرضاةَ مَنْ سواه، ووحَّدنا الوجهة إليه... الوجهة التي بتفهُّمنا لمستلزماتها تُرتّب علينا عدّةُ توجُّهات أساسية:
1. أن نكون - بإرادة صادقة - مستقلّين عن الارتهان لأيّ جهة سياسية ليست توجُّهاتها من مشكاة تعاليم إسلامنا. كما هو حالُ المسلم الصادق فضلاً عن العالم: ) وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفا(، وأَمَر سبحانه: )فأعرِضْ عمّن تولّى عن ذِكْرنا ولم يُرِدْ إلا الحياةَ الدنيا(. ولذلك عبّرنا عن هذه الإرادة بانبثاق هيئتنا المباركة إن شاء الله: هيئة علماء المسلمين في لبنان.
2. وأن نفعِّل اليقين بأن الدعم والحماية والنُّصرة لا تُسْتَجْدَى إلا من الله عز وجل، فلا يجوز أنْ نركَنَ إلى الظالمين ولا نحتمِيَ بالقُوى السياسية المنحرفة عن خط الإسلام: )ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكُمُ النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون(، والله عزّ وجلّ يقوّي قلوبنا ويطمئنُنا بقوله: )ولا تتّبع أهواءَ الذين لا يعلمون إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضُهم أولياءُ بعض والله وليّ المتقين(.
3. وأن نجعل من هيئتنا أملاً للمسلمين برؤية علمائهم مجتمعين متحابِّين، ومسؤوليةً نتحمل بها بجدارة أمانة حماية مصالح المسلمين السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلدنا، وإعطاءِ اهتمامٍ مميّز بالأسرة وتماسكها ومكافحة عُهر الفساد الأخلاقي، واستعادة عزّتِنا وهَيْبتِنا.
وبناءً عليه يجب علينا أن نُعبّر للجماهير عن خطٍّ أصيل ينطلق من رؤية إسلامية واعية للأحداث ويتحمّل مسؤولية ملءِ الفراغ السياسي في ساحتنا الإسلامية وجَبْرِ ضعف المؤسسة الدينية والمحاكم الشرعية وسوء أوضاع أئمة المساجد وسائر المشايخ... هو خطٌّ مستقلّ بموقفٍ سياسي حكيم ولكنه جريء يصوغُهُ إسلامُنا: لا يغطي الظلمَ والاستبدادَ وامتهانَ الإنسان، ولا يسكت عن قهر الناس وإشاعة الفساد، ولا ينساق وراء من يؤمِّن الغِطاء للمشروع الأمريكي في المنطقة، كما لا نرضى أن تكون صلتُنا بـ(السُّنَّة) انتماءً طائفياً يَتيه بالمسلمين في ضلالات فكرية ويلوّثهم بالأوحالِ الدُّنيوية أو على أقل تقدير يُبعِدهُم عن زعامة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ثم انطلاقاً من هذا الموقف الأصيل المستقل نتواصل مع مَنْ لنا مصلحة في التواصل معهم من القُوى الاجتماعية والسياسية في بلدنا، ونُطالب بجميع حقوق المسلمين فيه، ونسعى بكل طاقتنا للإفراج عن المعتقلين المظلومين، ولإعطاء إخوتنا وأهلنا في المخيمات الفلسطينية حقوقهم المدنية الإنسانية كاملة، ونأخذ بأيدي الناس إلى ما يُرضي ربَّنا ونبيّن بكل اعتزاز حُكمَه سبحانه ونبلّغ دعوته وهدايتَه السمحة ليس للمسلمين فحسب بل للجميع، ونعبّر عن موقف علماء أهل السنّة والجماعة في لبنان تجاه الأحداث الحاصلة أو المتوقَّعة: بالبيان والموعظة الليّنة حيث يستوجب الموقفُ ذلك، وبالموقف الجريء والشَّجاعة اللائقة بالعلماء حيث يحتّم أمرُ الله علينا ذلك.
4. وأن ندعم قضايا المسلمين ونحرّك الجماهير لنُصرتها في أيِّ مكان، وعلى رأسها قضيةُ فلسطين واستحقاقاتُها الدقيقة في هذه المرحلة، وقضيةُ نصرة ثورة الشعب السوري ضد الظلم والطغيان المتوحّش!
5. وأن نتحمّل مسؤولية تحصين الساحة من الاقتتال الداخلي والفتنة التي قد تحرِّكها أصابع أجنبية أو إقليمية أو محلية لحساب جهاتٍ مرتبطةٍ بها، مع المحافظة على أن يكون هذا التحصين على خلفيّة أصالتنا الفكرية ومن موقع الوعي والمسؤولية والعزّة، لا من موقع الضعف الذي يُستغلّ لمصلحة حروب الآخرين وأَجِنْدَتِهم الأمنية.
6. وأن نتفق على البرنامج السياسي ولغة الخطاب الإعلامي اللذَيْن يجب أن نُطلّ بهما على الساحة الإسلامية خصوصاً واللبنانية عموماً بما يجمع بين ثوابتنا الإسلامية وهُوّيتنا الدعوية من جهة، وبين متطلَّبات الواقع ومرونة التكتيك السياسي ومراعاة المصالح من جهة أخرى.
7. وأخيراً: أن نتسلّح بالتعاون الصادق وبالصبر، وبالتؤدَة مع الجِدّ والحماسة، وأن نستحضر سنن الله في التغيير، وأن نفقه قانون (التصاعُد والتدرُّج)، ونبتعد عن (الارتجال والتهوُّر)، مع اليقين بأنّ الله غالبٌ على أمره وأنّ العاقبة للمتقين.
وعلى هذه الدعائـم يجب أن تنصبَّ جهودُنا لبثّ هذه المعاني في المسـلمين، عامَّتِهم ونُخَبِهم، ولاسـتنفار عاطفة الإيمان وروح التقوى لديهم، وتربيتهم على الجِدّ والدأب والاستعداد للتضحية، وعلى تسخير اختصاصاتهم وطاقاتهم لخدمة (مشروع علمائهم) الذي طالما انتظروه، وصدق الله: )وإنْ تصبروا وتتقوا لا يضرُّكم كيدُهم شيئاً(.
إن هذا المشروع الحُلُم -(هيئة علماء المسلمين)- ستتحقَّقُ من وراءِ نجاحِهِ بعون الله وفضلِهِ فوائدُ عظيمة تُرضيه سبحانه وتعالى وتُفرح المسلمين: على رأسها تحقيقُ الأمل في التعاون بين علماء المسلمين، والقيام بالمسؤولية في حماية مصالح وحقوق أهل السنّة في بلدنا العزيز لبنان. والله الموفق.