أقيموا شرع الله
أقيموا شرع الله
أ.د/
جابر قميحةفي يوم السبت 14 من إبريل سنة 1984 نشرت صحيفة الأهرام الخبر التالي :
ضبط الشرطة لصا مشهورا ، ولما مثل أمام وكيل النيابة يدلي باعترافاته . اعترف بأنه ارتكب 23 حادثا بالجيزة والإسكندرية ، وبلغت قيمة مسروقاته 200 الف ( مائتي ألف جنيه ) .
ولكن المفاجأة التي لم يكن يتخيلها وكيل النيابة ، ولا حاضرو التحقيق معه أن اللص أخذ يصرخ صرخات هستيرية وهو يصيح :
ـــ " اقطعوا يدي فإن السرقة وحب المال في دمي " .
وأخذ يتساءل :
ـــ " هل المال الحرام يفيد ؟ ... أبدا ، فقد أنفقته كله في الحرام ،على الراقصات وجلسات السوء ، وتدخين المخدرات . وكنت اقترض من عملائي قبل أن أقوم بارتكاب الحادث ... وعدت كما كنت لا أملك من المال شيئا " .
*********
ونحن حينما نقول : أقيموا حد السرقة بقطع اليد في مثل هذه الحال ، يعترض أعداء الشريعة من عتاة العلمانيين وغيرهم بقولهم : معنى هذا أننا سنكوِّن فريقا من مبتوري الأيدي الذين يصبحون عالة على المجتمع .
ونسي هؤلاء أن هناك قاعدة شرعية خلاصتها : " أن الحدود زواجر " ، فالعقوبة مثل الحدود في الإسلام والتعازير إنما وضعت لما تجلبه من الزجر والردع عن ارتكاب المخالفات .
قال الماوردي في الأحكام السلطانية : والحدود زواجر وضعها الله - تعالى- للردع عن ارتكاب ما حظر، وترك ما أمر به من المحرمات ؛ لما في الطمع من مغالبة الشهوات الملهية عن وعيد الآخرة بعاجل اللذة , فجعل الله - تعالى- من زواجر الحدود ما يردع به ذا الجهالة حذرا من ألم العقوبة ، وخيفة من نكال الفضيحة ، ليكون ما حظر من محارمه ممنوعا ، وما أمر به من فروضه متبوعا فتكون المصلحة أعم ، والتكليف أتم , قال الله – تعالى -: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) " الأنبياء " ، يعني في استنقاذهم من الجهالة, وإرشادهم من الضلالة ، وكفهم عن المعاصي ، وبعثهم على الطاعة .
*********
وفي عهد عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ كان عام الرمادة سنة 18 هـ وفيه هلك آلاف من المسلمين جوعا وحرمانا . والرمادة في اللغة معناها الموت ، وقد أقلعت السماء عن الإمطار حتى كاد الناس يستفون الرماد ، فأجل عمر تحصيل الزكاة من الناس ، كما أوقف حد السرقة ، لشبهة أن السارق إنما يسرق ليأكل .
فالحدود كما ذكرنا من قبل إنما هي زواجر ، أي أنها تأتي من قبيل الوقاية لا العلاج . فإذا كان لابد من إقامتها فلا مجاملة في شرع الله ، بل الجميع في شرع الله سواء ، وقد قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ " والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها .
فنحن حينما نرفع صوتنا : " أقيموا شرع الله " إنما ننادي بكلمة الحق والعدل واليقين . وهل قامت السماء والأرض إلا على هذه القيم الشامخة ؟