ضياع الود يفسد القضية

ضياع الود يفسد القضية

صالح أحمد

[email protected]

هل ضاعت فلسطين حين كنا متآلفين متحابين؟

هل ضاع الوطن حين كان أهله أسرة واحدة تجتمع على الحلوة والمرة؟

هل ضاعت الأرض في حين كان الأهل ساعدا واحدا يحرث ويزرع، يعمر ويبني؟

هل ضاعت البلاد حين كان أهلها على قلب رجل واحد، ألمها واحد، وحزنها واحد، وهمها واحد، وفرحها واحد، وهدفها واحد...؟

أسئلة من الضرورة بمكان أن يطرحها كل عاقل حر غيور منا على نفسه... لماذا ضاعت الأوطان، ومتى، وكيف ...؟؟

لماذا ضاعت الأوطان التي وحدها دين الله الواحد حين كان يعمر القلوب، ويمتلك نفوس وأرواح أصحابها؟

لماذا ضاعت الأوطان وتمزّقت؛ بعد أن فتحت بصرخة الله أكبر، وتوحدت تحت راية لا اله الا الله محمد رسول الله ... ؟

لماذا ضاعت الأوطان التي امتزج وتوحد على ترابها جهد وعرق ودم... المشرقي والمغربي والأسود والأبيض والعربي والأعجمي... تحت راية الرب الواحد والدين الواحد والوطن الواحد والصوت الواحد والهدف الواحد والمصير الواحد....؟

أسئلة لا بد أن يطرحها كل من بقي في نفسه شيء من العزة والكرامة... أو شيء من الانتماء لهذه الوطن، أو شيء من الإحساس بالمسؤولية، أو شيء من الغيرة على حال هذه الأمة، أو شيء من الوعي يجعله يتساءل أو يفكر... أو بقية من نظر وعقل يجعله يحتار فيما يرى ويسمع ويعيش...

نعم؛ هو سؤال العاقل لنفسه لو كان يعقل! لماذا أصابنا ويصيبنا كل هذا... في حين يتشدق العالم -ونحن معه: بالديموقراطية والاشتراكية والليبرالية والحرية والعلمانية ولف لفها... ؟؟!!!!

لماذا لم تحفظ لنا كل "هذه المسميات" أوطاننا وكرامتنا ودماءنا وحقوقنا ...؟!!

وبماذا أفادتنا كل "هذه المسميات" في صراعنا من أجل إعادة حقوقنا... وتجديد عهد وحدتنا ؟!!

وهل فعلت كل "هذه المسميات" أكثر من الحرص على توسيع خلافاتنا، والحرص على فرقتنا، والتأكيد على ضرورة بقائنا هوامش في المجتمع الدولي، ضعفاء، لا وزن لنا ولا شأن ولا قوة؟!!!

فتعالوا بنا نتذكر، فما أكثر الوقائع، وما أبرز الأمثلة :

* ألم يتفق العالم بـ "إشتراكييه وديموقراطييه وعلمانييه.." على رفض نتائج الانتخابات الحرة في الجزائر أواخر القرن المنصرم؟ ثم وقف بعدها داعما ومؤيدا، بل فرحا مسرورا بمذابح أهلنا الأبرياء هناك؟

* ألم يتفرج العالم "بكل هذه المسميات" زمنا على مذابح المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو تأييدا للدب الصربي الحاقد اللئيم... ؟

* ألم يشترك العالم "بكل مسمياته تلك" في حصار العراق وتجويعه تمهيدا لذبحه ؟

* ألم يشارك العالم بأسره و"بكل مسمياته تلك" في ذبح الأفغان وقتل إرادتهم الحرة في أن يختاروا نهج حياتهم وتفكيرهم وتعاملهم... وأن يقرروا مصيرهم بأنفسهم... وبحرية؟!!

* ألم يقف العالم "بكل هذه المسميات أيضا" داعما للحركة الانفصالية في تيمور، لأنها ضد مصلحة المسلمين هناك؟!!

* ألم يقف العالم "بكل هذه المسميات" داعما لحركة الانفصال في شمال السودان لأنها تهدف الى تمزيق هذا الجزء من اوطاننا ؟!!

* ألم يتفرج العالم " وبكل أكاذيبه تلك" على اجتياح إسرائيل للبنان مرارا، وانتهاك حدوده مرارا وتكرارا، وقصف المجمعات السكنية الآهلة بالأطفال والشيوخ مرارا وتكرارا وإصرارا ؟! ويقف متشدقا بالكلام دون الفعل ؟!!

* ألم يقف العالم " بكل هذه المسميات" داعما لمواقف إسرائيل المتعنتة... ومدافعا عن انتهاكاتها وجرائمها المتكررة ضد شعبنا، ومتغاضيا عن اتهاكاتها بل رفضها لكل القوانين والأعراف والقرارات الدولية، لأن في ذلك قهرا لأمتنا، وتمزيقا لقواها وتثبيطا لعزائمها ونصرة لعدوها؟!!!

* ألم يقف العالم "بكل تلك المسميات الزّائفة المجرّدة من كل المضامين" متفرجا، بل ومؤيدا لإلغاء نتائج الانتخابات الشرعية في فلسطين، وما له من هدف سوى إذكاء نار الفتنة بين الأشقاء.

* لم يقف العالم "بكل تلك المسميات الكاذبة" متفرجا، بل مؤيدا وداعما لمذابح ومجازر بريطانيا واسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ولأكثر من قرن من الزّمان، وبدءًا من المؤامرة والجريمة الكبرى "وعد بلفور" ومرورا بالنكبة، بل النكبات المتلاحقة.. ؟!!

* ألا نرى أن العالم "بكل مسمياته المنافقة" يهب لفرض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة على العرب وحدهم، ولكنه لم يحرك ساكنا للعمل على تنفيذ قرار واحد من قرارات الأمم المتحدة الصادرة ضد إسرائيل – وما أكثرها- فقط لأن ذلك يصب في مصلحة العرب والمسلمين التي لا يمكن أن أن يعملوا إلا ضدها ؟!!

ألا نرى أن العالم بكل هذه المسميات، بات يلصق تهمة الإرهاب بالمسلمين وحدهم، ولم يلصقها أبدا بغير العرب والمسلمين من صانعي حروب الإبادة الجماعية، ولا بمنتجي ومروجي ومستخدمي أسلحة الدمار الشامل، ولا بمخترعي ومروجي ومستخدمي القنابل الذرية والنووية، ولا بأصحاب عقلية الاستعمار والاحتكار والمجازر والدمار، ولا بمجانين الحروب الصليبية، والحروب العالمية، ولا بمهابيل الفاشية والنازية، ولا بمخترعي نهج محاكم التفتيش، ولا بمؤسسي المعتقلات الظالمة المظلمة (جوانتنامو وغيرها)

والسؤال الذي يجب أن يطرحه على نفسه كل عاقل منّا وفينا:

أين اختفت هذه المسميات: من ديموقراطية واشتراكية، وحرية، وليبرالية، وعلمانية، وغيرها وغيرها من المسميات الخادعة،  في كل هذه المواقف؟

لماذا لم تقل كلمتها؟

 لماذا لم تتخذ موقفا يتفق ومبادئها المعلنة، ولو حفظا لماء الوجه على الأقل ؟

الجواب لا بد يعرفه أو يفهمه كل عاقل: "لأنها غير معنية بصلحة العرب والمسلمين، بل على العكس، هي معنية بكل ما من شأنه ان يحطمها يضعفها وينهيها...!!!"

والسؤال المقابل، والأكثر أهمية ، الذي يجب علينا أن نطرحه على انفسنا جميعا:

- ماذا فعلنا نحن ، الأمة العربية والإسلامية، حيال كل ذلك؟

* لقد صدقنا الأقلام المأجورة والمدسوسة أمثال سلامة موسى الذي قام يصرخ: نحن لسنا شرقيين ، ولا يوجد شيء اسمه الحضارة الاسلامية ، واللغة العربية لغة غريبة بائدة، ورابطة الدين وقاحة... إلى آخر ذلك من سفسطاته بل سمومه (أنظر كتاب اليوم والغد، سلامة موسى، 1928_ ص175 وما بعدها) التي تقاضى مقابلها أجرا باهضا وبسخاء من أعداء الأمة ولا شك ...

* وصدقنا طه حسين – وهو يحاول أن ينافس المستشرقين في هجومهم على التراث العربي والاسلامي- ليغي وبجرة قلم كل الأدب العربي والتراث العربي الجاهلي والاسلامي، وليطالب بتغيير اللغة العربية، وكتابتها بحروف لاتينية. وكذلك الزمر التي جاءت بعده ونفخت في بوقه .

* وطربنا لأصوت الأبواق الفاسدة وهي تدعوا الى القومية تارة... والى الديموقراطية تارة... والى الاشتراكية أخرى... وتنكرت لدينها وثوابت أمتها بدعوى الإصلاح الكاذب، والتغيير الوهمي، ناسية ومتناسية، أن هذه الأفكار انطلقت أصلا من بريطاني وفرنسا (الحاقدتين على أمتنا، المدمرتين لأسس وحدتنا وحضارتنا وكياننا الموحد)... وطبخت أصلا في مطابخ الاستعمار الحاقد... ولا هدف لها سوى تمزيق الأمة...

 ونسينا أو تناسينا، أن عدونا لم ولن يصدِّر الينا ما ينفعنا، أو ما يوحدنا، أو ما يقوّينا... وقد كررتها كثيرا ولدرجة أنني بت على يقين من أنني سأتّهم يوما بتهمة التكرارالممل، ولكنني مضطر لتكرارها لعلها تعيها أذن واعية:

لقد قال الأجداد: من اتكل على زاد غيره طال جوعه .

وآن لنا ان نعي أن معنى هذا القول أيضا:

من اتكل على علم غيره طال جهله...

ومن اتكل على حضارة غيره طال تخلفه.

ومن اتكل على فكر غيره طال عجزه وضياعه.

ومن اتكل على سلاح غيره طال انهزامه وذله.

وهذا هو حالنا أيها الناس... نعم والله هذا هو حالنا، وقد بتنا كالغراب يقلد كل من مشى أمامه، وكل من نعب على مسامعه، حتى بات الواحد منا لو نظر في المرآة وبعين الحق لأنكر نفسه! لأنه لن يرى من ملامحه الحقيقية شيئا ، فالكل مستورد، والكل زائف:

ملابسه : صنع في مكان ما غير بلاده، قصة شعره من ابتكار فكر شيطان جنوني في بلاد ما، الأفكار التي في رأسه، استوحاها من فلم ما، صنع في وكر شيطاني في بلاد ما، أو سمعه من شيطان ما، استأجرته جهة ما، لتفسد على الأمة عقلها وفكرها وتنسيها تراثها ودينها ..!!!

فماذا بقي منا أيها الناس، أنظروا الى أبنائنا شبابنا ذكورا وإناثا، يا من تتشدقون بالعروبة والوطنية والقومية، وتقيمون من حين الى آخر أياما وأسابيع ومعارض ومتاحف للتراث العربي ... أنظروا وأخبروني، ماذا بقي من ملامح وسلوكيات وآداب وأخلاق ومواقف العروبة في صور أبنائكم وتصرفاتهم ، أم أنّ التراث أصبح يعني لكم : آنية من قش أو نحاس أو خشب. وكفى!!!

ثم انظروا الى سلوكياتكم: لماذا كثر الخلاف؟ لماذا كثر التقاتل والتّباغض؟ لماذا كثرت النزاعات بين أهلنا وأسرنا؟ لماذا عادت العائلية والحمائلية والقبليّة والفئوية... بكل أشكالها وألوانها البغيضة لتحكم سلوكياتنا وتوجهاتنا؟ لماذا لم يعد الواحد منا يحترم لأخية توجها أو رأيا؟ لماذا أصبح التعصب للرأي سمة شعبنا؟ لماذا أصبح كل من يخالف أحدنا الرأي والتوجه يعتبر عدوا؟ لماذا لم تعد الحكمة بيننا ما علمنا الإمام العارف بالله الشافعي رحمه الله بقوله: رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأيك صواب يحتمل الخطأ" فتعال بنا إلى البرهان والحجة والدليل والمنطق .

لماذا أضعنا الود من بيننا ، واحتكمنا للعصبية والعنجهية ؟

صدّقونا، لقد فسد أمرنا، وضاع حقنا، منذ ابتعدنا عن جذورنا وأصولنا، وفرّقتنا الأهواء، ومزقتنا الأفكار والمناهج المستوردة الخادعة الفاسدة، التي أضاعت الود الذي كان يزين حياتنا، والمحبة التي كانت عنوان وجودنا، والرّحمة التي كانت دستور تعاملنا، والألفة التي كانت روح كياننا ...

وصدق الله سبحانه حيث يقول: {وإن عدتم عدنا...} والله غالب على أمره