التيار التجديدي في الإخوان المسلمين
التيار التجديدي في الإخوان المسلمين
أ.د/
جابر قميحةكتب الأستاذ جمال سلطان مقالاً يتسائل فيه عن التيار الإخواني ، وعن الموضوعية فيه . ومن العناوين الرئيسية :
* لماذ لا يراجع الإخوان سياستهم ومواقفهم التي أدت إلى تكرار الصدام مع الحكومات المختلفة منذ ما قبل ثورة يوليو إلى الآن لتحديد مسئوليتهم عنها .
* أسلوب التربية داخل الجماعة يقوم على أن الإخوان وهم الإسلام ، وعلى أنها جماعة المسلمين ، وليست جماعة من المسلمين .
* بسبب انعدام قنوات الحوار داخل الإخوان أصبح الانتهازيون والفاسدون في موقع القربى من مركز القرار .
* لماذا تجاهلت القيادة التحقيق في ملفات الفساد المالي والإداري والأخلاقي لعناصر إخوانية في نقابتي المحامين والمهندسين ؟!.
* الرافضون للتجديد يدعون إلى عسكرة الجماعة لضمان انعدام أية فرصة للاختلاف بحيث لا يكون هناك سوى أمر وطاعة .
* قيادة الجماعة تتعامل بقسوة مع من يختلفون معها إلى حد فرض الحصار الإنساني وقطع الرحم والتجويع ، وتدلل الموالين لها مهما كانت أخطاؤهم تسد عين الشمس .
كانت هذه هي العناوين الجانبية أو الوسطية التابعة لعنوان رئيسي هو :
التيار التجديدي في الإخوان المسلمين والمنشور في صحيفة القاهرة (العدد 122 – الثلاثاء 22 أكتوبر 2002 .
وهي الصحيفة التي تصدر كل ثلاثاء عن وزارة الثقافة ، ويرأس تحريرها اليساري الضليع الأستاذ صلاح عيسى .
وهذه العناوين الجانبية المثيرة من وضع الصحيفة ، ولكنها تكرار أمين لعبارات وردت في صلب المقال . والمقال كتبه – كما ذكرت - الأستاذ جمال سلطان في العدد 20 – خريف 2002 من المجلة الفصلية (المنار الجديد) من ص 4 إلى ص 13 ، وهو يحمل العنوان الرئيسي السابق (التيار التجديدي في الإخوان المسلمين) .
وهو خال من العناوين التابعة التي جاءت في صحيفة القاهرة .
**********
وقد سبق لي أن قرأت مقالاً للأستاذ جمال عن الجماعات الإسلامية بعنوان (مراجعات الجماعة ومراجعات الآخرين المنتظرة) (1) .
وهو مقال يتسم بالدقة وعمق التحليل ، والقدرة الطيبة على عرض المقدمات واستخلاص النتائج والأحكام ، وأنا اعتبره من أفضل ما قرأت للأخ الصديق الأستاذ جمال سلطان .
ولا كذلك مقاله الأخير الذي يتمتع بقدر كبير من من الإثارة ، وذلك يرجع إلى سببين:
الأول: أنه جاء من كاتب يعرف الكثير من الحقائق عن أيديولوجية الإخوان وتاريخهم ، وطبيعة مسارهم في الماضي والحاضر ، وإن لم يكن في يوم من الأيام عضوًا في الجماعة ، ولكنه جاء بغير المنتظر منه من تقديم الموضوعي المنصف ، أي مال للجماعة وما عليها ، فالقارئ لا يلتقي إلا ركامات من المثالب والنقائص ، لو توافرت في أية جماعة لما كان لها وجود في مسرح الحياة .
والثاني: اعتماد المقال على درامية التضخيم ، والإغراق في المبالغة ، واستدعاء المندثر ، وابتكار ما لا وجود له بتبريرات تتسم بقدر كبير من التخيل والتوهم ، مما يجعل المقال أقرب إلى " الفن " منه إلى الدراسات الموضوعية .
فلا عجب أن يهرع الكاتب اليساري الضليع الستاذ صلاح عيسى إلى نشره في صفحة كاملة من صحيفته ، دون أن يستأذن كاتب المقال ، متخذًا من بعض العبارات المثيرة عناوين تعطي القارئ – حتى لو لم يقرأ المقال- انطباعًا بسيكيوبية هذه الجماعة ، وتوجهها الغالط الشاذ .
**********
ومقالي هذا لا أعتبره دفاعًا عن الإخوان ، ولا عرضًا لمضامين دعوتهم ، ومنهجهم الدعوي ، حتى لا أكرر ما خطته يميني في كتابي " الإمام الشهيد حسن البنا بين السهام السوداء وعطاء الرسائل " .
كما أنبه إلى أنني لست متحدثًا رسميًا عن الجماعة . فلهذا الموقع رجله أو رجاله ممن هم أعلم مني بأحوال الجماعة ونظامها وأبعاد مسيرتها.
ولكن يأتي مقالي هذا معبرًا عن وقفة متأنية مع مقال الأستاذ جمال ، وفي حدوده ، بوصفي واحدًا ممن قرأ ودرس الأيديولوجيات الحديثة ، وعاش معطيات الفكر الإخواني ومسيرته الدعوية على مدى ستين عامًا من عمري .
ومقال المنار غاص بكثير من المآخذ التي أسجلها عليه . منها ما يتعلق بالشكل والمنهج ، ومنها ما يتعلق بالمضمون والمحتوى.
وفي السطور الآتية نعرضها ، خلوصًا إلى وجه الحق والحقيقة دون تجن أو إسراف :
أولاً : اضطراب الإسناد :
بعد قراءتي المقال ثلاث مرات ما زالت الحيرة تأخذني فيما يتعلق بالإسناد الأدائي لجزءياته ، فهو لا يسير في خط نَسَبيّ (بفتح النون والسين) واحد واضح ، فأحيانًا يسرد الكاتب الرؤية لما يسمى " التيار التجديدي في الإخوان " ، وأحيانًا يشعرنا بأن له رؤية خاصة مستقلة ، وقد تتضاعف الصعوبة هنا حينما تتلبس الرؤيتان بصورة عضوية . وفي نهاية المقال يفاجئنا كاتبه – وهذا من أعجب العجب – بأنه كان مجرد " راوية " ، فيقول بعد أن " دوخنا معه ومعهم " : " .... مع حرصنا المؤكد في المنار الجديد على ألا نكون طرفًا في أي خلاف أو اختلاف داخلي في أي عمل إسلامي ، وإنما نحن منبر أمين لعرض الكلمة الطيبة والفكرة البناءة ، والرأي الأمين ، وكل ما يضيف إلى وعي الأجيال الجديدة جديدًا ، مع تأكيد التزامنا بالواجب الشرعي الأصيل ، والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ... " ص 13 .
وإلحاقًا بهذا الاضطراب يستخدم المقال ما يسميه الفقهاء وعلماء الحديث " عبارات التمريض " : فإسناده إلى تيار لا أشخاص ، وليس فيه عبارة واحدة محالة على مرجعها ، أو واقعة محددة الزمان والمكان ، والاتهامات كذلك ... تلقى على عواهنها دون تحديد أو أدلة ، ولا يواجه القارئ إلا عبارات لا تحدد زمانًا أو مكانًا ، أو أشخاصًا ، أو وقائع ، أو نتائج ومسوئليات محددة ، مثل : قالوا ، وقيل ، ويقال ، ويقولون ، واختلاسات ، وفساد إداري ... إلخ. وما هكذا المنهج العلمي في معالجة القضايا .
**********
أولاً : التحويل غير المبرر:
إذا وجهتُ سؤال إلى شخص ما لاستطلع رأيه في مسألة أو مشكلة معينة ، وأجابني ، فبها ونعمة ، أما إذا سكت ، أو ظهر لي أنه عاجز عن الإجابة ، أو امتنع عن الإجابة قاصدًا ، فمن حقي أن أقصد الآخرين بالسؤال ، وهي بديهية " لا أقول إنها من بديهيات المنطق – بل أقول إنها من بديهيات الكلام بمفهومه العام . ولكننا نقرأ في مقال المنار ما نصه : " ... إن الغلو المتزايد في تقدير الجماعة من محور الحدث القديم دفع التيار التجديدي إلى سؤال المرشد الأستاذ مشهور : هل نحن الإخوان جماعة من المسلمين ، أم جماعة المسملين ؟ ... ولكن الإجابة جاءت من الشيخ فيصل المولوي فقيه الجماعة اللبناني ، كما جاءت من الأستاذ فتحي يكن اللبناني : ... إننا مسلمون قبل أن نكون إخوانًا مسلمين ، وإننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين ... " ص 8 من المقال .
عجيبة !! لم يخبرنا الأستاذ جمال ، ولا رجال التيار التجديدي لماذا ذهبوا إلى لبنان ، وسرقوا مرشد الجماعة الذي وُجهَ إليه السؤال ، وإجابته على هذا السؤال معروفة مشهورة ، فقد كتب - رحمه الله – بالحرف الواحد : " .... إن أفراد التيار الإسلامي لا يضعون على أنفسهم هالة معينة ، ولم ينسبوا لأنفسهم تفويضًا الهيًا، كما يفتري لبعض عليهم ، ولم يعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين ، ولكن جماعة من المسلمين ، ويمتنعون عن تكفير المسلم برأي أو معصية... " (2) .
وأكد هذا المعنى الأستاذ مأمون الهضيبي المرشد الذي تلا الأستاذ مشهور ، فقال : " إن جماعة الإخوان المسلمين تنبذ العنف ، وترفض الإرهاب ، وتعتمد في نشاطها - كجماعة من الجماعات الإسلامية – العمل لتغيير مجتمعاتها إلى الأفضل إسلاميًا عبر النضال الدستوري من خلال النظام العام ، والأطر القانونية في ظل ثوابت الإسلام " .
وهذه الرؤية ليست جديدة على الإخوان ، بل وضع أساسها الإمام حسن البنا من قرابة ثمانين عامًا ، في مقام بيان علاقة الإخوان كجماعة إسلامية من الهيئات والجماعات الإسلامية الأخرى فيقول في رسالة المؤتمر الخامس : " ... والإخوان المسلمون يرون هذه الهيئات – على اختلاف ميادينها – تعمل لنصرة الإسلام ، وهم يتمنون لها جميعًا النجاح ، ولم يفتهم أن يجعلوا من منهاجهم التقرب منها ، والعمل على جمعها ، وتوحيدها حول الفكرة العامة .... " . (3) .
فأين الغلو المتزايد في تقدير الجماعة ؟ وأين اعتقاد الحرس القديم بأن الإخوان هم جماعة المسلمين لا جماعة من المسلمين ؟؟ !!
**********
ثالثًا : لعبة الاستبدال:
وفي سياق تجريح جماعة الإخوان يرجع المقال إلى ما يمكن أن تسميه " لعبة الاستبدال . فيعرض الكلمات الآتية للدكتور محمد حبيب عضو مكتب الإرشاد بالجماعة " ... في مدرسة الإخوان يتعلم الإنسان كيف يتجرد لفكرته النبيلة ، فلا يجمع معها أفكارًا أخرى ، قد تتناقض أو لا تتفق معها في بعض الجزئيات ... " .
ومفهوم هذا النص في منتهى الوضوح ، فهو ناطق بذاته ، إنه يعني – في إيجاز – أن يتجرد الأخ المسلم في جماعة الإخوان لدعوته ، ويخلص بكل مشاعره لها عقيدة وسلوكًا . وهذا الالتزام يقتضي بطبيعة الحال أن يرفض نوعين من التوجيهات هما :
الأول : التوجه المناقض ، فلا يعقل مثلاً أن يتسع قلب الأخ المسلم للشيوعية ، وذلك باعتناق ما يسميه بعضهم " الماركوإسلامية " ، أو " الإسلاماركسية " ، وهما اسمان لمسمى واحد حمل لواءه وروج له ، بعض الشيوعيين في لبنان ومصر ، واخترعوا هذا النحت (4) ، للتلطيف من سوء السمعة التي تتمته بها الشيوعية لكسب المسلمين بدعوى أن الإسلام دين الوسطية ، والتوفيق أو التصالح مع الأيديولوجيات المعاصرة لمصلحة الجماهير . وما دعوا إليه لا يزيد على كونه تلفيقًا يخرب العقيدة والفكر والمجتمع .
والثاني : التوجه المخالق ، وإن حمل في مضمونه بعض القيم أو المعطيات الإسلامية كدعوى الوطنية الضيقة ، ودعوى القومية العربية المتعصبة . فالإسلام هو الميزان الذي توزن به كل هذه الدعاوى ، والمنطلق هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ... فدوروا مع الكتاب حيث دار " . والإسلام دين وقومية وجنسية ووطنية بمفهومها السوي وصدق الشاعر المسلم إذ قال :
أبي الإسلام لا أبا لي سواه = إذا افتخروا بقيس أو تميم
وفكرة التجرد عالجها الإمام البنا في رسائله ، وخصوصًا رسالة التعاليم بنفس المعنى (5) . فالدكتور حبيب لم يأت بِبِدع من القول في هذا المجال .
ولكننا نجد مقال المنار يدين كلمات الدكتور حبيب بطريقة غريبة جدًا . جاء في المقال " وعلى القارئ أن يضع كلمة " الإسلام " مكان كلمة " الإخوان " ، ثم ينظر هل تغير شيء في المعنى ؟ . بل إن الوضع الجديد هو الأقرب إلى نصوص الشريعة وروحها كذلك " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمي لا شريك له " (سورة ) والمهم أن محصلة ما سبق أن أسلوب التربية يعزز في عقل الشباب من رسوخ معادلة : نحن الإسلام والإسلام نحن ( المقال صفحة 8 ) . ي أن كلمات الدكتور حبيب تقود إلى نتيجة مؤداها أن الإخوان هم جماعة المسلمين لا جماعة من المسلمين.
ووضع كلمة الإسلام مكان كلمة الإخوان لا يؤدي إلى هذه النتيجة الغريبة للأسباب الآتية :
أ- أن دعوة الإخوان ترتكز ارتكازًا كليًا على الإسلام ، وذلك من أول قيام هذه الدعوة سنة 1928 م إلى الآن . ومن أقوال الإمام البنا – رحمه الله – " إننا ندعو بدعوة هي أسمى الدعوات وننادي بفكرة الإسلام ، وهي أقوم الفكر ، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع (6) .
.... آمنا إيمانًا لا جدال فيه ... ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ البشرية المعذبة ، وتهدي الناس إلى سواء السبيل .... وهي الإسلام الحنيف .... (7) .... ويعتقد الإخوان المسلمون أن الله - تبارك وتعالى – حين أنزل القرآن ، وأمر عباده أن يتبعوا محمدًا ، ورضي لهم الإسلام دينا ، وضع في هذا الدين القيم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم ونهضتها وإسعادها . (8) .... وشعارهم الذي يرددونه دائمًا إنما يسترفد كتاب الله ، فهتافهم " الله غايتنا يسترفد قوله تعالى : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .... " ( سورة ) .
" وهتافهم الرسول قدوتنا " يعتمد على قوله تعالى : " ولكم في رسول الله أسوة حسنة " .... ( سورة ) .
وهتافهم " القرآن دستورنا " يسترفد قوله تعالى : " إن هذا القرآن يهدي للتي هو أقوم " ( سورة ) .
وهتافهم " الجهاد سبيلنا " استجابة لقوله تعالى : " إنفروا خفافًا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله .... " . ( سورة ) .
وهتافهم " الموت في سبيل الله أسمى أمانينا " يرتكز على قوله تعالى : " .... ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيما " . ( سورة ) .
فليست هي دعوى بديلة للإسلام إنما هي دعوى بعث وإحياء لما أماته الناس من قيم الإسلام ، ودعوة إنقاذ وتحرير ، وتربية عملية على أخلاقيات الإسلام وقيمه ، وتحكيم شرع الله للأمة ابتداءً من الفرد وانتهاءً بالحكم .
ب – وقد ذكرنامن قبل إجماع الإخوان على أنهم جماعة من المسلمين وليسوا جماعة المسلمين ، ونذكر هنا كذلك بأنهم يباركون جهود كل جماعة تعمل للإسلام بمصداقية ويمدون أيديهم للتعاون معه .
ج – أما لعبة " الاستبدال " وخصوصًا إذا جاءت في نصوص مقتطعة ومفصولة عن سياقاتها ودون استقراء شامل لكل نصوص – فلا يمكن أن تتوافق مع المنهجية العلمية بأية حال ؛ لأنها إسلاميًا ستقودنا – من الناحية النظرية على الأقل – إلى نتائج خطيرة جدًا ، وأسوق شاهدًا واحدًا يشرح وجهة نظري :
كتب جون بول سارتر أبو الوجودية " ... والإنسان - في نظر الوجودية – مخلوق محكوم لأنه ولد دون أن يختار ، وهو حر أيضًا لأنه لم يكد يخرج إلى العالم حتى وجد نفسه مسئولاً مرغمًا على الاختيار ، وعلى تكوين نفسه ... وقيمة الإنسان هي فيما يقوم به من أعمال .... " (9) .
ومسايرة للعبة الاستبدال نقول : ضع كلمة الإسلام مكان كلمة الوجودية ، وستجد السياق متسقًا ، لا تعارض بين جزئيات مضمونه الفكري ؛ فنص " سارتر " يعرض في إيجاز مكثف فكرتين لهما وجودهما الأساسي في الإسلام :
الأولى : أن الإنسان خاضع في مسيرة حياته للجبر والاختيار : فالجبر كالميلاد والموت والرزق . والاختيار كحرية انتقاء الملبس والمطعم ، والمشرب والزواج والعمل . وهي أكثر الأفعال في حياة الإنسان .
والثانية أن العمل هو معيار تقويم الإنسان ومحاسبته " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " ( سورة ) .
فهل بهذه النظرة الجزئية نحكم بإسلامية الوجودية ؟ ! إن المنهج العلمي يرفض هذه الوجهة التي يمكن تعميمها على لصوص من الماسونية ، ومن كتاب " رأس المال " لكارل ماركس " ، وكتابات " فريدريك أنجلز " ، وخطب " لينين " .
وعلمية المنهج تتطلب النظرة الشمولية ، والاستقراء الشامل لكل الطروحات ، حتى نخلص إلى أحكام نهائية من مقدمات جزئية ، لا تؤدي بطبيعتها إلى مثل هذه الأحكام .
د . ولنترك نصوص الملاحدة وأعداء الإسلام لننظر إلى النصين الآتيين :
- من مبادي الجمعية الشرعية " الدعوة إلى التقوى بالمفوم الإنساني الشامل ، بحيث يكون السلوك الطيب ، وحسن معاملة الناس ، والنهوض بالمجتمع انعكاسًا صادقًا للواجبات التعبدية كالصلاة والصوم ... " .
- تعمل جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " على تنبيه المسلمين إلى المنكر وخطورته على الفرد والمجتمع ، وأثر المعروف في النهوض بالأمة وتوفيق العلاقات الطيبة بين المسلمين ... " .
ومسايرة للعبة الاستبدال – أو لعبة شيل وحط – أطلب من القارئ أن يضع كلمة الإسلام بدلاً من الجمعية الشرعية ، وبدلاً من جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسيجد أن السياق سيبقى منتظمًا شكلاً ومضمونًا . فهل هذا يعني أن الجمعية والجماعة تدعي كل منهما أنها جماعة المسلمين لا جماعة من المسلمين ؟ !!
ألست معي بعد كل أولئك أن فكرة الاستبدال هذه أقرب إلى العبثية منها إلى المنهج السوي والتفكير السديد ؟ ؟
**********
ثالثًا : التضخيم الاصطلاحي:
المعروف ان المصطلح – وإن اعتمد على المعنى اللغوي – يجب أن يتسم بالتحديد ، ووضوح المفهوم والدلالة ، أما استخدامه في غير موضعه ، أو إقحامه في مساحة فكرية أو جدالية لا تتوافر فيها طوابع الاستحقاق والجدارة الموضوعية فإنه ينحرف بالمصطلح انحرافًا خطيرًا ، ويعطل من قدراته الدلالية ، ويلقي بالمعروض في منطقة الوهم والإلهام واللامصداقية . وهذا كثير للأسف في مقال المنار . ففي تضاعيفه يواجهنا كثير من المصطلحات التي استخدمت استخدامًا غير سوي مثل : المراجعة – المراجعات – النقد الذاتي – العقدة – التيار – صراع الأجيال – الغلو التنظيمي – حرب التجويع – الحصار الإنساني – استغزاب الكوارث "الماسوكية". وفي نفس الفلك نصطدم بزخم من العبارات الطنانة الرنانة في تسيب فكري ومعنوي لا يصمد أمام النقد الحصيف . ولنقف أمام واحد من أكثر المصطلحات المذكورة دورانًا في المقال ، وهو مصطلح " تيار " ، فهو يستعمل في كل العلوم الإنسانية كالسياسة والاجتماع والأدب ، وهو يرتكز على ظاهرة أو ظواهر لها مكانة وهيمنة ، وهو – كما عرفه مجدي وهبة – "اتجاه عام " يجذب الأذهان نحو فكرة معينة أو تذوق خاص ، وذلك كتيار التجديد الذي ساد بين أدباء مصر في مستهل القرن العشرين (10) . ، كما يقال التيار الرومانسي والتيار الواقعي ، وفي مجال السياسة يقال التيار الإسلامي ، والتيار الليبرالي ...
ولكن المقال ترخص إلى أبعد حد فجعل من فرد أو أفراد يعارضون سياسة الإخوان " تيارًا " ، مع أن الإخوان لا يزعمون أنهم يستقلون بهذا الوصف ، وقد أكد هذا المعنى المرشد مصطفى مشهور – رحمه الله – فكتب يقول : " إن التيار الإسلامي الذي نعنيه ليس قاصرًا على الإخوان ، يتسع لكل مسلم – ذكرًا كان أو أنثى – عرف معنى انتماءه للإسلام ، وتعرف على ما يطلبه منه إسلامه من واجبات فدفعه ذلك إلى الحركة والعمل مع العاملين الصادقين لتحقيق مبادئ الإسلام أيًا كان هذا الفرد .... " . (11).
وكلمة تيار تفيد الحركة والتدفق ، وكلمة إسلامي تفيد الوجهة والهدف ، فهدف " التيار الإسلامي " هو الإسلام ، ولا شيء غير الإسلام ، فلا أغراض شخصية ولا مطامع دنيوية ، بل تضحية وفداء .... " . (12) .
أليس من الإسراف - كما ذكرت – أن نعتبر فردًا أو أفرادًا عشرة أو عشرات إن وجدوا يطالبون الجماعة بالمراجعة أو المراجعات تيارًا في جماعة من مئات الألوف أو الملايين لا تعتبر نفسها تيارًا بل جزءً من تيار هو التيار الإسلامي ؟ .
والمعروف أن المراجعة – في مجال الجماعات – تعني وقفة أو وقفات متأنية لتقويم الوسائل والأهداف والأشخاص والمنجزات سعيًا لما هو أفضل لمسيرة الجماع . ولكن المقال كالعادة يلجأ إلى أسلوب التهويل والانفعال في تعريف المراجعة فهي " مطلب شرعي وإنساني ومنطقي لتقويم المسيرة وإعادة بلورة الأهداف ( !!!! ) ، وإعادة النظر في المناهج ودقتها ، وإعادة تقيمي الوسائل والآليات وجدواها ، وكذلك إعادة النظر في كفاءة القائمين على العمل من عدمه ، إنه لا يكفي أبدًا أن تكون الثقة والنزاهة الشخصية متوفرة لكي يكون الشخص كفئوًا للعمل ، وإنما من كفاءة الشروط الفنية وإنسانية وشرعية ، بدونها يصبح الشخص عبءً على الحركة ، بل رما كارثة عليها وعلى أبناءها ، ولا يغفر له ، ولا لمن ولاه أبدًا توافر الثقة أو النية الطيبة أو الثبات في الملمات " . ص 6 من المقال .
والذي يستقرئ تاريخ الجماعة من أول نشأتها يجد أنها جعلت من الشورى أساسًا من الأسس لضمان سلامة مسيرتها ، والشورى تعتمد على مراجعات دائمة لوضع الجماعة ومسيرتها ، وعلائقها مع الآخرين ، وحصائل جهدها وجهادها لتفادي عثراتها ، وما قد تكون وقعت فيه من هنات وأخطاء ، والإفادة من الماضي للمستقبل . ولولا هذا ما تماسكت الجماعة ، ولا أحرزت النجاح والانتشار والنمو المضطرد على مستوى مصر والعالم كله . واتساقًا مع هذا النهج على الأخ المسلم أن يؤدي كل يوم ما يسمى " وِرْد المحاسبة " ، أي مراجعة النفس ، وهو يعني استعراض أعمال اليوم ، فإن وجد خيرًا فليحمد الله ، وإن وجد غير ذلك فليستغفر ، وليسأل ربه ، ثم يجدد التوبة ، وينام على أفضل العزائم " (13) .
**********
خامسًا : المآخذ والمثالب:
والمقال يخلع على جماعة الإخوان من الأخطاء والخطايا والمثالب والنقائص ما لو أصيبت ببعضه أوقى الجماعات في التاريخ لسقطت ، وما استطاعت أن تواصل مهامها وأداء رسالتها . ولكن جماعة الإخوان – على الرغم من المحن العاتية التي تعرضت لها على مدى نصف قرن ، بل يزيد – ما زالت تثبت وجودها في نمو مضطرد في كل الأوساط ، وخصوصًا وسط المثقفين .
وهذه المآخذ مبنية على رؤية للجماعة تخالف الواقع ، وهي أن الجماعة تملك حرية الحركة والانطلاق نظريًا وعمليًا والواقع أنها من وجهة نظر الحكام رسميًا - جماعة محظورة – من قرابة نصف قرن ، وتحت وطأة قانون الطوارئ يقبض على أعداد كبيرة من قادة الجماعة وصفوة أعضاءها بتهم غريبة مثل : محاولة إحياء الجماعة المحظورة ، واختراق الجماهير ، وازدراء ( أي تحقير ) النظام القائم ، ، ويحاكمون أمام القضاء العسكري وأحكامه لا تستأنف ولا تنقض .
وهذه الرؤيا مبنية كذلك على فرضية عجيبة تناقض الواقع أيضًا وهي أن المعارضين أي المطالبين بالمراجعة والتجديد يمثلون " تيارًا " ، وهو – كما ذكرنا من قبل – تضخيم لا يجعل من الفرد الخيالي واقعًا .
**********
ومن الاتهامات التي رميت بها الجماعة :
1- وقوف قادة الجماعة في وجه هذا التيار التجديدي ، وصدهم عنه ، ومراوغة الجيل الوسيط ، والهروب من الجواب على الأسئلة المحورية ، وغضب القادة من إثارة موضوع " المراجعات " .
2- تزرع قادة الجماعة بالمحنة والمطاردات الأمنية لتفادي النقد الذاتي والمراجعات ، لتخدير الأجيال الجديدة التي ترى السياسات الخاطئة والآفاق المسدودة والجهود المهدرة والولاءات المؤسسة على عواطف غير بريئة .
3- من حاول الإصلاح من الداخل أحاط به الشك والارتياب ، وعليه أن يستسلم ، أو يعزل ، أو يخرج من حيث أتى .
والاتهامات السابقة لا تقدم دليلاً أو شاهدًا واحدًا على صحتها ، ويجد القارئ نقضها فيما ذكرناه من قبل .
4- عنف العاطفة واعتبار الجماعة منصهرة في بوتقة واحدة ، وهذا يعني أن الكل محمول على رأي واحد ، ومن أراد أن ينقد أو يُعدِّل فعليه الخروج .
وهذا تأويل فاسد لبعض كلمات الدكتور محمد حبيب ونصها - كما أوردها – مقال المنار – " ولا يوجد لدى المدرسة (مدرسة الإخوان ) ما يدعيه البعض من صراع بين الحرس القديم وإخواني الجدد فالكل منصهر في بوتقة واحدة ... وإذا كان هناك من يريد الخروج عن إطار الفكرة وقواعد المنهج فله ما يريد ولكن بعيدًا عن المدرسة " ص 7 .
فهذه الكلمات تعبر بوضوح عن الأفكار الثلاث الآتية :
أ- نفي الصراع الداخلي بين الشباب والشيوخ .
ب- أن الجماعة تعيش كلها بالحب والإخاء على قلب رجل واحد لا تنافر ، ولا تشاحن ، ولا تصادم ، وهذا ما يعنيه الدكتور حبيب بالانصهار في بوتقة واحدة ، ولا يعني أبدًا أن يذيب كل فرد شخصيته في كيان الجماعة على طريقة من قال :
وما أنا من غُزيةُ إن غوت = غويت ، وإن ترشدِ غزية أرشد
وللجماعة إطار من حق الأعضاء أن يتحركوا داخله ، ولها صوابت لا يكون العضو أخًا ملتزمًا إلا باحترامها والتمسك بها . من حق العضو أن يبدي رأيه بحرية تامة دون المساس بالقواعد والثوابت التي بنيت عليها الجماعة .
وهذا النهج – التحرك في نطاق الإطار الذي ارتضته الجماعة لنفسها ، وعدم المساس بثوابتها ، هذا النهج لا تنفرد به جماعة الإخوان ، بل هو قاعدة أساسية في الجماعات والأحزاب ، بل الشركات والأندية ، وكذلك – وهذا هو الأهم – في النظم القانونية التي تحكم الشعوب .
5- الغلو التنظيمي باعتبار الجماعة نفسها " جماعة المسلمين " لا جماعة من المسلمين .
وقد نقضنا هذا المأخذ من قبل.
6- تقديم مصلحة التنظيم على مصلحة الإسلام ، أو مصلحة الأمة ، فالهدف الأول والأخير مصلحة الجماعة ، ومن أجل ذلك تستخدم وسائل خسيسة ، وشديدة القسوة في تعاملات الجماعة مع من اختلف معها ، أو خرج عنها والتي تصل إلى " حد فرض الحصار الإنساني ، وقطع الرحم ، وحرب التجويع ، بما يمس الأطفال والذرية " .
ففي سبيل تحقيق مصلحة الجماعة يتجاهلون كل عمل يفيد الإسلام ، والدعوى الإسلامية ، بل يعطلون ، ويحاربون هذه الأعمال ، لأنها لا تحقق نفعًا للجماعة ، بل يحاربون كل شخصية ناجحة ، وذنبها أنها ليست من الإخوان ، أي لا حرج من إضعاف العمل الإسلامي ؛ لأن المهم هو تقوية الإخوان " ، أما الذين اختلفوا معهم فليس لهم من الإخوان إلا الحصار ، وقطع الرحم ، وقطع الأرزاق ، وتجويع الذرية والأطفال . ص 9 .
وخلاصة هذه الأحكام أن الإخوان نفعيون مكيافيليون ، عندهم الغاية تبرر الوسيلة ، والغاية عندهم غير شريفة ، وغير أخلاقية ، وهي الانتصار للجماعة ، ولو كان ذلك على حساب الدين والخلق والقيم الإنسانية .
وإذا كانت الجماعة بهذه الصورة التي رسمها المقال فهذا يعني أنها جماعة تعيش بلا إسلام ، وأدعو رجال " التيار التجديدي " أن يوفروا مجهودهم ؛ فلن يستطيعوا بتوجيهاتهم بعث هذا الجسد المنخور المهترء ، ولن يستطيعوا أن يُسمعوا من في القبور .
وأسأل كيف تكون الجماعة بهذه الصورة وتاريخها كله منظومة من العمل والتضحيات في سبيل الإسلام ، والوطن ، والأمة العربية ، والأمة الإسلامية ، والتاريخ يسجل نضال أبناءها ، وتضحياتهم في فلسطين أواخر الأربعينيات ، وضد الإنجليز في القناة في أوائل الخمسينيات ، ولن ينسى التاريخ أن كبرى الفصائل الفلسطينية المقاومة هي حماس ، وحماس فرع من الإخوان المسلمين كما نص دستورها ، ومن الإخوان كذلك الشهيد عبد الله عزام وكان قائد الجهاد الأفغاني ومحركه ، ومنظم كتائبه ، وقد دفع حياته وحياة ولديه ثمنًا لجهاده في سبيل الله . والشيخ الشهيد أحمد ياسين تربى في مدرسة الإخوان بمصر .
وكان أطباء الإخوان أسرع من غيرهم إلى علاج الجرحى في أفغانستان ، وكانوا أسرع الناس لتقديم المساعدة والخيام لمن أصابتهم كارثة الزلازل بمصر .
والإخوان حاليًا يقودون العمل السلمي لمناصرة القضية الفلسطينية ، ومقاطعة البضائع الأمريكية والإنجليزية ، ونجحوا في هذا المجال نجاحًا باهرًا .
أما تقديمهم الصالح العام على صالح الجماعة فهو بديهية تاريخية ثابتة . وأسوق هنا مثالاً واحدًا في إيجاز شديد : في الانتخابات الأخيرة لنقابة المحامين كان الإخوان يستطيعون أن يخوضوا الانتخاب بقائمة إخوانية خالصة ، ويحققوا نجاحًا كاسحًا ، ولكنهم يعرفون سلفًا أن ذلك سيؤدي إلى محاربة السلطة للنقابة وتعطيل مصالحها ، فطعموا قائمتهم بمحام قبطي وأربعة آخرين ينتسبون إلى أربعة أحزاب هي : الوفد ، والعمل ، والناصري ، والوطني . وكيف ننسى محن الاعتقال ، والقتل والتشريد التي تعرض لها الإخوان ؟ . ولو كانوا يقدمون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الإسلام لنافقوا الحكام ، والحكومات المستبدة التي حكمت مصر ، ولأحنوا رؤوسهم أمام هؤلاء ، ولكنهم عاشوا لا يعطون الدنية في دينهم ، ويؤمنون أن الآخرة خير لهم من الأولى .
7- الفقر الثقافي والإبداعي : لأن نمط التربية لا يقوم على الحوار والشورى ، ومن ثم لا يوجد على ساحة الإخوان أحد من أهل الفكر والعطاء الثقافي المتميز المبدع ، هذا العجز جعلهم يستعينون في محاضراتهم وندواتهم التي يعقدونها في النقابات بمفكرين مستقلين من تيارات أخرى . المقال ص 10 .
وهو اتهام مضحك للغاية ، وعكسه هو الصحيح ، فساحة الإخوان مليئة بالمفكرين والمثقفين الكبار في شتى المجالات . وكان لهم تأثيرهم الكبير في شتى المجالات على المستوى المحلي والمستوى العالمي ، ومن هؤلاء الشيخ محمد الغزالي ، والدكتور يوسف القرضاوي ، والدكتور زغلول النجار ، والدكتور أحمد العسال ، والدكتور حسن الشافعي . ومكتب الإرشاد يضم صفوة من العلميين من ذوي التخصصات النادرة .
ولمكانتهم العلمية والثقافية استطاعوا أن يكون لهم القِدح المُعلَّى في انتخابات هيئات التدريس والنقابات كنقابة المهندسين ، ونقابة الصيادلة ، ونقابة الأطباء ، وغيرها . وكذلك اتحادات طلاب الجامعات في الفترات القليلة التي تكون فيها الانتخابات نزيهة . أما القاعدة الإخوانية فنسبة المثقفين والمتعلمين والقراء فيها عالية جدًا ، حتى إن بعض الصحف والمجلات – حرصًا منها على ارتفاع نسبة توزيعها – تنشر بالمانشيت العريض على غلافها ، أو على الصفحة الأولى منها عنوانًا فيه اسم الإخوان المسملين . وقد أخبرني بذلك أكثر من صحفي ، وعدد من مسئولي التوزيع في الأهرام والأخبار .
واستعانة الإخوان بمحاضرين من غير الإخوان لا يدل على فقرهم الثقافي ، بل يدل على سعة أفق وحرص على التنوع الثقافي والمعرفي ، واحترام للرأي الآخر ، وإلا لحكمنا بالأنيميا الثقافية على الهيئات والأندية العلمية غير الإخوانية التي استضافت علماء الإخوان في محاضرات وندوات .
8- فكرة الجماعة في أساسها ، وكذلك أفكارها التي تدعوا إليها كلها من المتغيرات ، ومن ثم يسقط ما يتزرع به الإخوان مما يسمونه الثوابث ، لإطفاء صفة القداسة على الجماعة ، وليس هناك ثوابت للجماعة ، أو الجماعات إذ لا ثوابت إلا للدين .... ص 11 .
وهو تعميم خطير جدًا ؛ فالاستقراء في شتى المجالات يقطع بوجود الثوابت يقطع بوجود الثوابت والمتغيرات في أي جماعة أو تجمع ، وأعود إلى التمثيل مرة أخرى : فمن ثوابت الكيان الأسري : المودة والرحمة والعدل . ومن ثوابت الأنظمة القانونية الوضعية : حرية العمل والتنقل ، وصورة نظام الحكم (ملكي – جمهوري .... ) . ومن المتغيرات : صورة التمثيل النيابي : مجلس أو مجلسين – عدد النواب – سن المرشح – عدد الدوئر .... إلى آخره .
ولجماعة الإخوان ثوابت ما تخلت عن ثابتة واحدة منها ، وقد جعلتها شعارها وهتافها وهي : " الله غايتنا .... إلخ " .
أما أظهر المتغيرات على مدى ثمانين عامًا وهي تمثل تطورات تبعًا لمواضعات السياسة ، ومعطيات الواقع ، ونتائج التجريب ، فهي :
أ- إيمان الإخوان بالتعددية الحزبية ، بعد أن كان الإمام البنا يدعو إلى حل الأحزاب ، واندماجها كلها في حزب واحد يعمل لصالح الأمة ، وذلك لأن هذه الأحزاب كانت موالية للاستعمار وكل همها الوصول إلى الحكم . ثم حكمت الأمة في عهد الثورة بالحزب الواحد .... حزب الحكومة الذي أخذ أسماء متوالية : هيئة التحرير – الاتحاد القومي – الاتحاد الاشتراكي – حزب مصر – الحزب الوطني ، وكانت النتيجة ترسيخ الديكتاتورية ، وحكم الفرد المطلق ، والهزائم القاسمة المتوالية . أما الأحزاب الأخرى فهي أحزاب " ورقية " ، لا ثقل لها ولا كيان . (14) .
ومن هنا جاءت دعوة الإخوان بالتعددية الحزبية يدل على مرونة ، وفهم دقيق لواقع الأمة ومصلحتها .
ب – توسيع الدائرة في الترشيح لمجالس النقابات .
ج – التوسع في الترشيح للمجالس النيابية ، وترشيح بعض الأخوات في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة .
**********
وأكتفي بهذا القدر ، مع أن المجال يتسع لأكثر من ذلك . وآمل ألا أكون قد جانبني الصواب ، مع إيماني القوي بأن الخلاف لا يفسد للود قضية . والحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــــــــ
المراجع والتعليقات :
1- المنار الجديد العدد 18 – ربيع سنة 2002 .
2- مصطفى مشهور : من التيار الإسلامي إلى شعب مصر . ص 16 (دار التوزيع والنشر الإسلامية 1988 – القاهرة ) .
3- مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ص 199 (دار الدعوة – الإسكندرية 1989) .
4- النحت في اللغة يعني دمج كلمتين أو أكثر في كلمة واحدة كأن نقول : عبدري : أي رجل من بني عبد الدار . ونقول حوقل الرجل : أي قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . واسترجع : أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .
5- مجموعة الرسائل ص 398 .
6- رسالة بين الأمس واليوم : مجموعة الرسائل 143 .
7- رسالة إلى الشباب : مجموعة الرسائل ص 95 .
8- رسالة إلى أين شيء ندعو الناس : مجموعة الرسائل ص 39 .
9- سارتر : معنى الوجودية ص 53 وكذلك : الوجودية مذهب إنساني . وانظر للدكتور مصطفى غالب : سارتر والوجودية ص 85 – 89 – مكتبة الهلال – بيروت – 1986 .
10- معجم مصطلحات الأدب : مجدي وهبة ص 98 ( مكتبة لبنان – بيروت – 1974 ) .
11- مشهور : مرجع سبق ص 16 .
12- مشهور : مرجع سبق ص 17 .
13- مجموعة الرسائل 502 .
14- انظر : جابر قميحة : الإمام الشهيد حسن البنا بين السهام السوداء وعطاء الرسائل : ص 62 – 67 . ( دار التوزيع والنشر الإسلامية - 1998) .